اتفقنا اختلفنا كل ذلك مباح وله حدود، اتفقنا أو اختلفنا لا يمكن أن تكون تلك هي نهاية المطاف، فلا اتفاقنا أبدي كالزواج الكاثوليكي ولا اختلافنا نهائي لا رجعة كالطلاق الثالث، فلا شيء ثابت في هذه الحياة، أنا متغير وأسمح لك .. أنت أيضاً متغير، فلا دائم إلا وجه الله. نحن نتغير وتتغير متطلباتنا وتتغير قناعاتنا بالأمور (بعيداً عن الثوابت) وبالتالي تتغير طرق تناولنا لها وتتغير معها ردود أفعالنا. لعلنا لم نكن ندرك بعض الحقائق، أو لم ندرس الأمر بشكل كافي أو غاب عن علمنا شيء من التاريخ السابق والذي قد يفسر الوضع القائم، فلا أحد يملك كل الحقيقة ولا أحد يمكنه إدعاء ذلك.
تنقصنا كشعوب للعالم الثالث ثقافة الاختلاف، وهو أمر قد يعده البعض ثانوياً، بينما يراه أبناء الشعوب المتقدمة يأتي من ضمن بديهيات الأمور بل يأتي في ترتيب متقدم في سلم متطلبات الإنسان الاجتماعية – والاحتياجات الاجتماعية تأتي في المرتبة التالية للحتياجات الإنسانية المتعلقة بالمنزل والصحة والطعام والآمان- فنحن لا نعرف كيف نسمع ولا كيف ننتقد الرأي الآخر، ويظل كل منا متمسك برأيه، ماض في غيه حتى المنتهى، وهو أمر لو تعلمون عظيم. في مجتمعاتنا لا ننتقد الرأي ونفنده بل ننتقد صاحب الرأي ونشتمه وننعته بأوصاف أخرى لا علاقة لها بلب الرأي المختلف عليه في أمر أو قضية ما.
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ومن ذلك أن اعطاه الله أذنين ولسان واحد لحكمة وهي أن يسمع ويتلقى أكثر مما يقول ويلقى، لكن ما يحدث من تجاهل لذلك يأتي من وراء الكبر والعناد – فكل فريق من الفرقاء لا يسمع ما يقوله الآخر وإنما يسد آذانه عن الآخر أيا ما كان رأيه ولا يسمع إلا ما يريد أن يسمع، وبالنتيجة يسبح في جهل برأي الطرف الآخر ويعيش في بحر من أوهام من اختراعه والتي لا تمت للحقيقة بصلة. بالنتيجة تأتي الخسارة لكافة الأطراف.
لابد أن يسمع الناس بعضهم لا أن يصكوا آذانهم عن كل ما يقوله الآخر، وأن يكون إصدار الأحكام على بينة لا عن انطباع أو حدس لكي لا نقع فريسة للخلاف. اختلف معي كما شئت لكن لا تجعل ذلك يصل إلى مرحلة الخلاف.