أسماء شكري
بعد غياب 4 سنوات عن السينما منذ فيلمه عنتر ابن ابن ابن ابن شداد، عاد محمد هنيدي ليطل على جمهوره بفيلم الإنس والنمس بفكرة وشخصية جديدة عليه، وتصدّر الإنس والنمس إيرادات السينما منذ أسبوعه الأول، وهذا أمر طبيعي كون هنيدي من النجوم المحببين إلى الجمهور؛ الذي ارتبطت ذكرياته به لما يزيد عن 23 عاما.
الإنس والنمس فيلم يدور في إطار كوميدي حول شاب يسمى “تحسين” يعمل مديرا لبيت الرعب في الملاهي، ويحب فتاة تُدعى “نارمين” – منة شلبي – ويكتشف أنها من عالم الجن، وخلال الأحداث تمتزج الإفيهات ومحاولات الإضحاك بمشاهد يُفترض أنها ضمن الرعب والإثارة.
وإذا سلمنا بأن الفيلم كوميديا بالأساس وليس من الضروري توافر المنطق في أغلب الأحداث، لكن ليس لدرجة كل هذه المشاهد غير المترابطة والتي جاء معظمها قص ولصق، لتكون المحصلة خطوط درامية غير مكتملة وقصص غير مترابطة الوحدة، ولا ندري هل حدث هذا بسبب حذف الكثير من المشاهد مما أفقد العمل تسلسله المنطقي؟ ربما..
فقد أوقع الفيلم الجمهور في حيرة بسبب أسئلة كثيرة تركها دون إجابة؛ بالطبع يجوز أن يطرح العمل الفني أسئلة دون إجابات ولكن هذا يكون بقدر متوازن، أما أن يخرج المتفرج مع نهاية الفيلم وهو يضرب أخماس في أسداس وكأنه يحل فوازير لا تنتهي! فهذا أمر غير مفهوم سببه.
في السطور التالية، نرصد 7 خطوط درامية لم تكتمل في فيلم الإنس والنمس لمحمد هنيدي، ولو كان صناع العمل انتبهوا إليها واهتموا بأن تكون مفهومة بقدر أكبر؛ لكنا شاهدنا عودة قوية حقا لهنيدي في السينما.
في بداية الفيلم نعرف أن تحسين يعمل مديرا لبيت الرعب، وطوال باقي مدة الفيلم لم نفهم ما علاقة وظيفة تحسين بالقصة؟ اللهم إلا من دعوة الموظفة عليه بأن يسقط في بئر عفاريت، فلم نشاهده في بيت الرعب مرة أخرى بل لم تُذكر سيرة وظيفته طوال الأحداث التالية، ولم نعرف هل ترك تحسين عمله هذا أم فُصل منه أم كان حلما من الأساس؟ وقد كان من الأفضل استغلال وظيفته الغريبة تلك بقدر أكبر في باقي الأحداث؛ بأن يقول مثلا لـ “النمايسة” الذين أرادوا تخويفه: ده أنا بشتغل مدير عام بيت الرعب ومبخافش!
نجد محمد هنيدي أو تحسين في بدايات الفيلم يسعى للحصول على رخصة لمحل والده المتوفى، ولكن الأمر في غاية الصعوبة وكأنه حلم بعيد.. ولم يفسر لنا أحد ما قصة هذا المحل وماذا كان يباع بداخله؟ ولماذا هو غير مرخص؟ ولماذا رخصته صعبة لهذا الحد؟ وما سر تمسك هنيدي بأن يستخرج الرخصة له؟ وكان بديهيا أن يسلط العمل الضوء أكثر على مهنة الأب وأهمية محله هذا؛ ليفهم المُشاهد سبب ذكره في الأحداث.
تحسين له شقيقة أدت دورها دنيا ماهر وزوجها محمود حافظ، ومن خلال مشهد أو اثنين نفهم أنهما ينشران فيديوهات من حياتهما اليومية على السوشيال ميديا ولديهما ابن، ولكن لم توضح لنا الأحداث أكثر طبيعة شخصية كل منهما وابنهما وما هو عملهما الأصلي؟ وما صدى فيديوهاتهما تلك؟ كنا نحتاج أكثر أن نفهم شخصياتهما لأن ظهورهما الخاطف غير المسبب جعلهما زائدين على القصة؛ ولو حذفنا مشاهدهما لما تأثرت الأحداث.
بعدما يتقدم تحسين للزواج من نارمين أو منة شلبي، يطلب خالها عمرو عبد الجليل أو “شهاوي” أن يقيم تحسين معهم في منزلهم لعدة أيام، ونراه فعلا مقيما معهم أياما بعيدا عن أسرته؛ ثم فجأة نراه عاد لمنزل أهله ويعيش بينهم بكل بساطة يتكلم ويأكل معهم؛ دون أن نفهم ماذا قال لأهله ليبرر غيابه؟ وإن لم يقل لهم، فكيف يعود ليقيم معهم بعد غياب أيام طويلة دون أن يسألوه أين كان؟ لا إجابة.. فعليك أن تقبل اللامنطق هذا وتختلق مبررات من بنات أفكارك!
والد تحسين متوفى ولا نعلم عنه شيئا إلا اسمه، نظل هكذا تقريبا نصف الأحداث، وفجأة يظهر لنا شريف دسوقي في دور الأب الذي اختفى منذ سنوات بعيدة لارتباطه بفتاة من الجن وهي أم نارمين، ولكن لا نفهم ما سر ظهوره المفاجىء وقد كان ميتا؟ وإن كان اختفى ولم يمت فكيف اقتنعت زوجته أم تحسين وأبناؤه وجيرانه بأنه توفى؟ هل بعث إليهم بجثة شخص غيره يشبهه ليدفنوها ويظنون أنه توفي فعلا كل تلك السنوات؟! هذا شيء من وراء الخيال، كل هذه الألغاز كانت ستُحل لو كان المؤلف أوضح لنا سبب وكيفية وفاة الأب؛ مما كان سيمهد لفهمنا أن عودته مرة أخرى محتملة الحدوث.
نرى محمد جمعة في بداية ونهاية الفيلم في مشهدين يؤدي دور طبيب عصبي المزاج، ولكن ظهوره لم يُستغل ولا حتى كضيف شرف كما اعتبره صناع الفيلم، ففي أول مشهد نجده بطريقة عصبية يستخدم الكهرباء لعلاج تحسين ولا نفهم السبب، ويقوم بحركات غريبة لا معنى أو علاقة لها بالأحداث من قريب أو من بعيد، ولم يظهر الطبيب مرة أخرى إلا في نهاية الفيلم وهو “يكهرب” تحسين أيضا، ولكن تمنعه تلك المرة نارمين، فما أهمية هذه الشخصية العجيبة؟ ليس لظهورها أي معنى.. ولو حُذفت لما تأثر الفيلم، وفوّت صناع العمل فرصة استغلال وجود ممثل بموهبة وقدرات محمد جمعة وتوظيف مهنته كطبيب في الأحداث بشكل مفهوم.
خط درامي آخر لم يُستغل؛ متمثل في وجود صلاح عبد الله في شخصية الشيخ جعفر وهو الوحيد الذي يعلم تعويذة القضاء على نسل النمس، فظهوره أيضا كان خاطفا وغير مكتمل خاصة وأننا رأيناه فقط نائما على سريره يتفوه ببعض الكلمات وينام مرة أخرى، فكان الأفضل والأكثر منطقية أن نفهم لماذا يمتلك التعويذة ولم يستخدمها كل تلك السنوات في القضاء على “النمايسة”؟
التفسير المحتمل لكل تلك القصص غير المكتملة في الإنس والنمس هو حذف بعض المشاهد، مما أخل في النهاية بعنصر الترابط المفترض وجوده داخل العمل الفني، وبالطبع الجمهور سعيد بعودة محمد هنيدي للسينما بعد غياب، ولكن كان ينقص الفيلم شيء من المنطق يساعد على تحقيق المتعة التي يدخل الجمهور السينما للحصول عليها؛ خاصة في فيلم من بطولة نجم محبوب مثل محمد هنيدي.