محمد إسماعيل الحلواني
سجن وفضائح لمشاهير
في أوروبا والدول المتقدمة، يعتبر انتحال الشهادات الأكاديمية العليا ومحاولة إيهام الجمهور بإنجاز أكاديمي مزيف فسادًا من الدرجة الأولى، بل وجريمة ضد الحاضر والمستقبل. وكثيرًا ما وجهت الصحف الغربية سهام الانتقادات الحادة ضد النجوم والمليونيرات المتهمين بدفع ثروة إما للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه المزيفة أو لإلحاق أبنائهم بكبرى الجامعات دون استحقاق أو جدارة، خاصة في أمريكا التي لا يزال صوت المال فيها أعلى من أي صوت آخر.
وفي الغرب، وبالرغم من المثل والقيم، يعتبر الاحتيال في المجال الأكاديمي ظاهرة مستشرية، ورصد الإعلام الغربي العديد من حالات التلبس، نذكر منها الحالات التالية على سبيل المثال لا الحصر:
تورطت الممثلة الأمريكية “فيليسيتي هوفمان” الفائزة بجائزة إيمي التلفزيونية في دفع رشاوى من أجل التلاعب بنتائج الامتحانات. وأمرت محكمة العدل الفيدرالية في لوس أنجلوس في سبتمبر عام 2019 بسجن نجمة المسلسل الكوميدي “Desperate Housewives – ربات بيوت يائسات”، بعد أن اعترفت بدفع 15000 دولار، بالاستعانة بمراقبي الامتحانات الفاسدين، لتغيير إجابات ابنتها صوفيا في اختبار SAT، لتمهد لها الالتحاق بالجامعة عبر الأبواب الخلفية، وهي فضيحة أحدثت دويًا قويًا في أمريكا.
أشار توم ليونارد في تقرير نشرته صحيفة ديلي ميل البريطانية في حينها إلى أن أمريكا التي يُفترض أن تسودها المساواة زلزلتها تلك الصدمة المحبطة. تضمنت أوراق المحكمة وأدلة الإدانة تفريغًا لمكالمة هاتفية مع أحد المراقبين المرتشين، قالت خلالها والدة طالب آخر دفعت رشوة مماثلة إنها تعتبر اجتياز ابنها الاختبار معجزة ستدفع مقابلها أي شيء، وتساوي بين دخول ابنها جامعة جنوب كاليفورنيا ومعجزة علاج السرطان بل ومعجزة إحلال السلام في الشرق الأوسط. تم تسجيل مكالمات “فيليسيتي هوفمان” وزوجها، الممثل المرشح لجائزة الأوسكار “ويليام إتش ميسي”، سرا، وقام الزوجان بزيارة المراقب المرتشي في منزله.
في نفس الملف، ولكن في قضية منفصلة وجهت المحكمة اللوم إلى الممثلة لوري لوجلين وزوجها مصمم الأزياء، موسيمو جيانولي، أيضًا بسبب التآمر لارتكاب عمليات احتيال أكاديمية أخرى من بينها دفع رشوة قيمتها 500 ألف دولار لإلحاق ابنتيهما إيزابيلا وأوليفيا بفريق التجديف بجامعة جنوب كاليفورنيا.
قالت دايلي ميل إنهما بالكاد تعرفان أحد طرفي المجداف من الطرف الآخر. وتعد الابنة الصغرى أوليفيا من نجوم مواقع التواصل الاجتماعي ولديها 1.3 مليون متابع على إنستجرام. ووجهت النيابة للمسؤول الأكاديمي المتهم في الفضيحة تهمة الادعاء الكاذب والتميز الرياضي. وكانت الفضيحة مناسبة جيدة للتهكم والسخرية من أمريكا التي تفتخر بكونها أعظم نظام جدارة في العالم، ولكنها تحصل على درجة “ضعيف جدًا” عندما يتعلق الأمر بجامعاتها الكبرى.
هناك سبب وجيه لعدم ادعاء أو اختراع مؤهلات جامعية مزيفة. بصرف النظر عن القضايا الأخلاقية الواضحة، إذا اكتشف الأمر، فستقع في مشكلة حقيقية وقد تواجه الإقالة والسمعة السيئة أو كما حدث للنجمة الأمريكية هوفمان؛ يكون السجن هو الجزاء العادل.
اتخذ “بول ماكينا”، نجم الإذاعة والدي جي والتنويم المغناطيسي السابق إجراءاتٍ قانونية ضد صحيفة “دايلي ميرور” بسبب تعليقاتهم على المؤهلات المزيفة التي ينسبها لنفسه، وعلقت الصحيفة متساءلة حول شروط القبول للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة “لا سيلا”، وتطوعت الصحيفة بالإجابة قائلة: “أهم الشروط أن يكون لديك 2615 دولارًا، عليك توفير هذا المبلغ وستصلك الدكتوراه أينما شئت”. ومع قبول القاضي أوراق الدعوى، أكد ماكينا أنه لم يكن على علم بأن درجة الدكتوراه مزيفة وزعم أنه تعرض لخدعة، وتنصل بكل طريقة ممكنة من تهمة محاولة خداع الجمهور بمؤهلات مزيفة.
كانت ماريلي جونز مساعدة لعميد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وشاركت في تأليف كتاب “إجهاد أقل، المزيد من النجاح” قبل أن ينكشف أمرها واتضح أنها تورطت في خداع إجراءات القبول لتحصل على وظيفة مهمة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفي عام 2007، أصبح من المعروف للجميع أنها كذبت في سيرتها الذاتية وزعمت حصولها على مؤهلات مزيفة عندما انضمت لأول مرة إلى المعهد في عام 1979 كمسؤولة قبول الطلاب.
من المدهش أن يكون الشيف البريطاني “إيرفين” معروفًا في أمريكا أكثر من المملكة المتحدة، ولكن ربما كان من السهل كشف كذبه بشأن مؤهلاته الأكاديمية في بريطانيا. قدم الشيف برنامجًا تلفزيونيًا باسم “عشاء مستحيل” وحظي بشعبية كبيرة، ولكن صحيفة سانت بطرسبرج تايمز كشفت عن الحكايات الطويلة حول كذبه ومزاعمه الخاصة بمؤهلاته الأكاديمية. كما ادعى أنه شارك في طهي كعكة زفاف للأميرة ديانا والأمير تشارلز. ظهر كل هذا في أواخر عام 2007، وبحلول العام الجديد، أعلنت شبكة “فود نتورك” أنها لن تجدد عقد الشيف، لكنها ستستمر في إعادة عرض الحلقات التي تم تصويرها بالفعل.
كان لدى جيليان مايكلز برنامج تلفزيوني شهير للغاية بعنوان “الخاسر الأكبر”، أجبرت فيه الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن على إعادة تقييم أنماط حياتهم ونظامهم الغذائي وبالفعل خسروا الكثير من الوزن الزائد.
لديها أيضًا مجموعة بملايين الجنيهات الاسترلينية من المنتجات والكتب الصحية، ولكن بعد فضح مؤهلاتها الأكاديمية المزيفة من قبل مواقع الويب، وفي أعقاب تقديم شكوى ضدها لهيئة معايير الإعلان، لم يعد مسموحًا لها بأن تقدم نفسها كـ”دكتورة” ولا أن تطبع اللقب على أغلفة الكتب أو المواد الترويجية، واتضح أن درجة الدكتوراه التي ملأت بها الإعلام ضجيجًا مجرد دورة بالمراسلة من كلية أمريكية غير معتمدة، وفقًا لقسم The Guardian’s Bad Science.
الأكثر خطورة على الإطلاق، هو تورط العاملين في مجال التربية في هذا النوع المريب من الاحتيال الأكاديمي. واتضح أن برنامج رعاية الأطفال التابع للقناة الرابعة البريطانية يحتوي على أساليب قديمة منذ 100 عام،
أطلعت عليها المربية “فيريتي” التي قدمت نفسها للجمهور بالعديد من المؤهلات المزيفة.
بعد تحقيق أجرته صحيفة التايمز، تضمنت نصائح المربية المثيرة للجدل حول رعاية الأطفال، وفوائد ترك الأطفال خارج المنزل في الهواء، وهي نصيحة عفا عليها الزمن ومن المحتمل أن تكون ضارة، علاوة على نصيحتها القائلة بأن الأطفال ينامون بمفردهم في غرف منفصلة التي تتعارض مع الإرشادات الحديثة الخاصة بمنع انتشار موت المهد. ومع رفض أكثر من نصيحة باعتبارها ضارة وفقًا لبديهيات العلم والتربية، سارعت الهيئات المهنية التي زعمت فيريتي أنها حصلت على مؤهلات منها لغسل أيديها من تلك الدبلومات المزعومة. وطلبت القناة الرابعة منها تقديم ما يثبت مؤهلاتها، ولم تقدم شيئًا رغم مرور 12 أسبوعًا، وفي نهاية المطاف، أعلنت القناة الرابعة أن خبيرة التربية كذبت في سيرتها الذاتية وبذلك فقدت عملها.
يمثل الاحتيال خطراً جسيماً في أي مجتمع يترسخ فيه، ناهيك عن زحف الاحتيال إلى منطقة خطيرة مثل المؤهلات الأكاديمية. لا يختلف اثنان على أن تزوير درجتي الماجستير والدكتوراه ذو أثر مدمر بشكل خاص، فمن المفترض عند الوصول لهذا المستوى أن يمثل الأكاديميون نخبة المجتمع ويتوقع أن يتم تكليفهم، رسميًا أو ضمنيًا، بقيادة المجتمع نحو التنمية والتقدم والنمو في جميع مجالات الحياة.