أسماء شكري
تجربة مختلفة قدمها لنا صناع فيلم ماكو الذي يتضمن فكرة جديدة على السينما المصرية، من خلال ماكو -وهو من أشرس أسماك القرش في العالم- الذي يهاجم 8 غطاسين في البحر الأحمر ويقتل 6 منهم.
الفكرة كما قلنا جديدة وكان يجب استغلالها جيدا وتوظيف كل الإمكانيات التي أُتيحت للفيلم بشكل أفضل، ولكن بدا السيناريو ضعيفا وبناء الشخصيات غير مكتمل ولا واضح، والفيلم قصة أحمد حليم الذي شارك في كتابة السيناريو والحوار مع محمد الحفناوي وإخراج هشام الرشيدي، وهي تجربتهم الأولى؛ ولعل هذا ما يفسر القصور الشديد في جوانب كثيرة للفيلم سنوضحها في السطور التالية..
تبدأ الأحداث بشركة لإنتاج الأفلام التسجيلية تترأسها الفنانة بسمة أو “رنا بهجت”، وتبحث عن فكرة لفيلم تسجيلي تكون مبهرة وجاذبة، فتطرح عليها ناهد السباعي أو “غرام” فكرة تصوير فيلم عن العبارة سالم إكسبريس التي غرقت بالقرب من ميناء سفاجا عام 1991، فتتحمس رنا لفكرة غرام؛ القائمة على رصد الطاقة السلبية التي شعر بها كل من غطس وشاهد بقايا العبارة وهذا الحادث المؤلم.
تقرر رنا الغطس مع 5 من أعضاء الشركة في مكان غرق العبارة لتصوير الفيلم، وجاءت أغلب المشاهد أسفل مياه البحر مع الـ8 غطاسين ورحلتهم داخل سالم إكسبريس، ونقابل أحداثا كثيرة غير منطقية تثير الحيرة داخل عقل الجمهور ولا يجد لها تفسيرا، مثل إصرار نيقولا معوض أو “شريف” على فتح باب بداخل العبارة بالرغم من تحذير زوجته رنا، وفعلا يفتحه ولكنه يسقط على رجله ويؤدي به إلى الموت في النهاية، فلا نجد مبررا منطقيا لفتحه باب حديدي ضخم وعدم اكتراثه بخطورة ذلك.
أيضا بالرغم من موت 5 من فريق الشركة تحت المياه واستحالة اكتمال تصوير الفيلم مع كل الأهوال التي حدثت لهم، إلا أننا في النهاية نفهم أن الفيلم تم تصويره بل ونال جائزة تتسلمها رنا في النهاية، فكيف تم تصوير الفيلم؟ بل إن الفيلم لم يوضح لنا ولو بمشهد واحد كيف استطاعت رنا النجاة ولم تمت مثل باقي زملائها؟ وماذا كان مصير سارة الشامي مساعدة الغطاس؟ مع أن دورها كان رئيسيا ولكن الفيلم انتهى دون أن نعرف هل نجت أم ماتت، وأيضا ليس هناك سبب قوي لغطس 6 من أهم أعضاء الشركة بأنفسهم والمخاطرة بحياتهم فقط من أجل تصوير فيلم تسجيلي؟! وهكذا نقع في أحداث غير منطقية خلال معظم مسيرة الفيلم.
الفيلم به شخصيات كثيرة محيرة من أبرزها ناهد السباعي أو غرام، وخلال الأحداث نفهم أنها كانت من الناجين من غرق العبارة وهي طفلة، وخلال الفيلم نرى مشاهد فلاش باك من وجودها أثناء غرق العبارة ومشاهد أخرى وهي تغطس لتستكشف العبارة تحت الماء، ولم توضح الأحداث كيف نجت من الغرق وهي طفلة؟ والسؤال الأهم: ماذا كان هدفها من العودة إلى العبارة بعد كل هذه السنوات؟
فقد رأيناها تصل للغرفة التي كانت فيها وهي طفلة وبها أمها وغرقت هي ووالدها بينما غرام نجت، ثم يأتي مشهد بدون أي داعٍ لغرام وهي تتحدث من أمام الغرفة إلى أمها التي توفيت هنا، ولكن كل هذا ليس سببا كافيا لأن تخاطر بحياتها وحياة 7 آخرين.. تقترح تصوير فيلم تسجيلي عن غرق سالم إكسبريس وتذهب مع 7 أشخاص للغطس مكان العبارة وكل هذا حتى تكلم خيال أمها فقط؟! غير معقول بالطبع.
تضمن فيلم ماكو أكثر من شخصية بدون أي أهمية في الأحداث ولا معنى لوجودها، ولو حُذفت مشاهد الشخصية لما تأثر الفيلم، أبرزها شخصية منذر رياحنة عامل الزودياك سيء الخلق، وفريال يوسف التي تضم غرام لفريق الشركة وتتحمس لفكرتها، ولكن لا تتمكن من الغطس معهم بسبب مرضها وتبقى على سطح المركب مع “رياحنة” الذي يتحرش بها.
وفي مشاهد قليلة نجد مناوشات بين “رياحنة” و “فريال” على المركب بلا هدف؛ فكانت بمثابة فاصل إجباري بين مشاهد الـ8غطاسين تحت البحر، كما أن الفيلم انتهى بدون أن نعرف ماذا حدث لمنذر وفريال؟ وكأن مؤلف الفيلم نسيهما تماما.
لم نفهم ما سبب استخدام مؤلف الفيلم لحادث سالم إكسبريس؟ خاصة وأن الفيلم لم يستغل الحادث جيدا في تقديم قصص مهمة للضحايا وأسرهم ولا حتى الناجين، اللهم إلا من بعض اللقطات غير الحقيقية لغرق الضحايا وصراعهم تحت الماء، وشخصية غرام غير المفهومة والتي نجت من الحادث، فلم يسلط الفيلم الضوء على الحادث الأصلي وتفاصيله، ولم يركز أكثر على بيان حياة الركاب داخل العبارة والطاقة السلبية التي هي محور فكرة “غرام”، فتم إقحام حادث غرق سالم إكسبريس كمبرر للجملة التي كُتبت على الأفيش بأن الفيلم “مستوحى من أحداث حقيقية”.
وكان من الأفضل استغلال حادث سالم إكسبريس بشكل جيد يلقي الضوء على مأساة حدثت في مصر قبل 30 عاما، ولو حدث هذا لكنا شاهدنا فيلما عظيما بحق يستوحي قصته بالفعل من حدث حقيقي، ولو لم يُذكر اسم سالم إكسبريس وكان الحادث لأي عبارة عادية لما حدث فرق ولما تأثرت الأحداث، كما أن نهاية الفيلم لم تأخذ حقها؛ وجاء مشهد استلام رنا للجائزة مباغتا وغير مفهوم تفاصيل كثيرة فيه.
بالرغم من ضعف الفيلم من حيث السيناريو وبناء الشخصيات، إلا أن هناك جوانب إيجابية تجعله تجربة مهمة على بداية الطريق لمثل هذه النوعية من الأفلام، فأبرز ما يميز الفيلم جودة الصورة وحرفية أعمال الجرافيك والمؤثرات الصوتية والبصرية، كما أن الموسيقى التصويرية لهشام خرما كانت جيدة ومناسبة للأحداث، وشاهدنا صورة مبدعة خاصة تحت الماء، وأيضا مشاهد التصوير من فوق للـ8 غطاسين أعلى الماء، كما احتوى الفيلم على مشاهد تمثيلية مهمة؛ أبرزها عمرو وهبة أو “تيمور” وهو يحاول إثناء محمد مهران أو “زياد” عن قتل زميلهم “خالد” وفصل جهاز الهواء عنه، وأيضا مشهد مواجهة زياد وتيمور وبيان حقيقة شخصية كل منهما.
تجربة فيلم ماكو تعتبر خطوة على طريق الأفلام غير النمطية، وتفتح الباب لتقديم تجارب جديدة بأفكار مختلفة تدور أحداثها تحت الماء أو في أماكن غير تقليدية خارج الأستوديوهات، ولكن كان ينقص فيلم ماكو الاهتمام بالحبكة الدرامية والسيناريو الذي يشرح لنا أبعاد الشخصيات؛ حتى تسير الأحداث في تسلسل منطقي مترابط يساعد الجمهور على فهم الهدف من الفيلم.