قنوات الأخبار العربية
في توقيت زمني متقارب جري الإعلان عن تغيير المقار الرئيسية لعدد من المحطات التليفزيونية البارزة عربيا، قرارات وإن كانت متوقعة ومرتقبة منذ فترة فإن الإعلان عنها بتوقيتات متقاربة ولأسباب مختلفة يحمل دلالات تؤكد أن الإعلام العربي أمام تغييرات على الأقل جغرافية بالنسبة للمحطات المختلفة لتبث من الدول الممولة لها وليس من خارجها.
قنوات الأخبار العربية
تنتقل شبكة قنوات mbc من دبي إلى الرياض وهو الانتقال الثالث للمجموعة السعودية التي بدأت نشاطها عام 1991 في بريطانيا وتحديدا عاصمة الضباب لندن، قبل أن تنتقل في بداية الألفية إلى دبي لتكون مقرا رئيسيا لها فيما تستعد للانتقال الكامل إلى الرياض مع التغيرات والانفتاح غير المسبوق الذي تشهده السعودية.
Mbc هي شبكة قنوات ممولة من السعودية منذ انطلاقها وانتقال مقرها الرئيسي إلى الرياض أمر طبيعي يتسق مع رؤية المملكة لأن تكون المقرات الرئيسية للشركات الأقليمية الكبرى في الرياض لكي تحصل على تعاقدات مع القطاع الحكومي، وبغض النظر عن إمكانية أن يكون هناك تعاقدات مع القطاع الحكومي فإن وجود عدد ليس بالقليل من السعوديين يعملون في المجموعة بالإضافة إلى استفادة المملكة من الأموال التي يتم ضخها كاستثمار في القناة لتنفق بداخلها أمر طبيعي.
وفي ظل القرارات السعودية المرتبطة بتحصيل رسوم على الإقامات وغيرها من الإجراءات المتبعة فإن حتى العمالة الأجنبية داخل mbc وخارجها، ستكون قادرة على تحريك حركة البيع والشراء في المملكة بجانب نقل خبرات مختلفة في العمل لم تكن موجودة من قبل.
صحيح أن هناك جزء من أعمال mbc في مجال الترفيه كان يتم إنتاجه في لبنان إلا أن التطورات الأخيرة في لبنان وحالة عدم الاستقرار السياسي وتكرار انقطاع التيار الكهربائي، يدفع نحو الإسراع بنقل برامج المسابقات لتخرج من السعودية أيضا التي تسعى لأن تكون المدينة الإعلامية الواقعة بحي السفارات أحد مواقع تمركز القنوات العربية والسعودية حيث ستضم المدينة ستوديوهات لقنوات آخرى.
شبكة مجموعة قنوات mbc التي تضم قناتي العربية والحدث الإخباريتين ستنتقل بشكل تدريجي بحيث يتم البدء بخروج عدة ساعات من الرياض بالتزامن مع التواجد في دبي لفترة انتقالية تتزايد فيها ساعات البث من الرياض، استعدادا للنقل الكامل بوقت باتت الظروف السياسية والاجتماعية تسمح بخروج القنوات الإخبارية الترفيهية من دون قيود لاسيما بعدما أصبحت المرأة تحصل على فرص عمل متساوية مع الرجل ومسموح لها بالقيادة.
وتعتبر عملية البث من دولتين على مدار الساعة سلاح ذو حدين خاصة في ظل انقسام فريق العمل في البداية قبل أن يجتمعوا مجددا خلال مدة لم تحسم بعد، لكن على الأقل يتوقع أن تستغرق شهور إن لم تكن سنوات فضلا عن الاستفادة من تعدد التأشيرات التي أصبحت السفارات السعودية تمنحها للراغبين في السفر إلى المملكة.
على الرغم من أن قناة الشرق التي تبث جزء من برامجها بالشراكة مع وكالة بلومبرج هي أحدث الإصدارات السعودية في مجال الإعلام إلا أن القناة لم تعلن حتى الآن عن اتخاذها قرار مماثل لقرار mbc، وإن كانت هي الأسهل في الخروج من الرياض بدلا من دبي لعدة أسباب في مقدمتها أنها قناة واحدة وموقع إخباري على العكس من mbc التي لا تقتصر فقط على القنوات التليفزيونية ولكن يمتد الانتقال إلى أذرعها الإنتاجية.
سيكون انتقال الشرق السعودية بمثابة انتقال لآخر القنوات السعودية من الإمارات، حيث تصدر باقي المحطات من داخل المملكة بوقت ستكون القناة الأبرز فقط في الإمارات هي سكاي نيوز الممولة من الإمارات بالأساس منذ انطلاقها بشكل معلن.
صحيح أن انتقال mbc والشرق خلال السنوات الخمس المقبلة على اقصى تقدير سيضر بشكل كبير بقوة الإمارات ومكانتها كواحدة من أبرز وجهات الإعلام العربي في ظل وجود منافسين جدد سواء في الرياض أو حتى في قطر، إلا أن هذا الأمر سيكون له تأثير متوقع بشكل سلبي على المدينة الإعلامية سواء في دبي أو أبوظبي، بالإضافة إلى التخفيض المتوقع لأعداد المقيمين من صناع الإعلام، الأمر الذي قد يكون دافعا لإطلاق مزيد من المشاريع بتمويل إماراتي مع وجود البنية التحتية المجهزة والدخول في منافسة يستفيد منها الجمهور لاسيما وأن قنوات مثل أبوظبي ودبي كانت لها قوة عربية قبل أن تكتفي بالتركيز على الداخل الإماراتي.
وتعتبر العربي أول قناة تنقل ستوديوهاتها للبث من المدينة الإعلامية في قطر التي جري تأسيسها بموجب القانون رقم 13 لسنة 2019 من الأمير تميم بن حمد، حيث جرى تأسيسها باعتبارها شخصية معنوية لها موازنة مستقلة وتبعد مدينة لوسيل التي أسستها شركة الديار القطرية لتستوعب نحو 200 ألف نسمة حوالي 25 كم عن قلب العاصمة الدوحة وتصل إجمالي مساحتها حوالي 38 كم مربع.
ويسعى مجلس إدارة المدينة الإعلامية في قطر لتحويل المشروع ليكون بمثابة مجتمع ثقافي متكامل، يستقطب الشركات الكبرى المعروفة بحيث يتضمن القنوات التليفزيونية والصحف، فيما وقع مجلس إدارة المدينة الإعلامية عقود شراكة مع عدة جهات خلال الشهور الماضية من بينها “يورونيوز” التي تعمل على التخطيط لبرامج تليفزيونية ورقمية سيتم انتاجها داخل قطر.
قناة العربي التي انطلقت من لندن في يناير 2015 بتمويل قطري معلن لم يكن مرغوب في البداية أن يكون مقرها في الدوحة لعدة اعتبارات في مقدمتها سمعة قناة الجزيرة التي تأثرت سلبا بالأحداث في الربيع العربي ومحاولة قطر تقديم القناة باعتبارها قناة حيادية لكن التطورات السياسية الأخيرة والظروف الاقتصادية وارتفاع كلفة التشغيل من لندن مقارنة بالبث من الدوحة بالإضافة إلى مصالحة قمة العلا جعلت من الأفضل نقل القناة إلى قطر.
بخلاف تسهيل الاقامات وتأشيرات الدخول التي ستتم للعاملين بقناة العربي وعائلاتهم والتي كانت تستغرق أسابيع في لندن وربما شهور لبعض الجنسيات، ستكون القناة قادرة على تخفيض تكاليف التشغيل خلال فترة وجيزة حتى مع التعويضات التي ستقوم بسدادها للعاملين غير الراغبين في الانتقال للإقامة بالدوحة.
يمكن القول بإن سياسة انتقال المحطات التليفزيونية لتخرج من الدول الممولة لها أمر طبيعي في ظل محاولة تقليل الخسائر التي تحققها القنوات الإخبارية بشكل خاص وارتفاع كلفة تشغيل هذه القنوات التي تحظي بنسب مشاهدة كبيرة ولا تخلو في محتواها من رسائل مؤثرة في صناع القرار باستخدام القوة الناعمة.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن اتفاق العلا والقرارات الانفتاحية التي اتخذتها السعودية في السنوات الأخيرة لعبا الدور الأكبر في تزامن هذه القرارات التي يجري فيها بحسب الإعلانات الرسمية مراعاة ظروف العاملين بحيث لا يتضرروا من قرارات الانتقالات التي لم تكن حتى قبل شهور قليلة متوقعة لأي محطة.