كتب: هالة منير بدير
تصوير: نور العبد
“واحة سيوة” المفتاح السحري الذي سيفتح لك آفاق جديدة ستصل إليها بروحك قبل جسدك، كانت بداية فكرة السفر إلى واحة سيوة هي “العلاج بالردم”، فسيوة أحد أهم وأشهر وجهات السياحة العلاجية في العالم، ولأني كنت أبحث عن السفر بعيداً للاستجمام فلم لا تكن الرحلة استجماما وعلاجاً في ذات الوقت، شهور التداوي بالرمال هي الشهور التي ترتفع فيها الحرارة والممتدة بين مايو إلى منتصف سبتمبر، حيث تكون حرارة الرمال في أوجها خلال العام، ولأنها كانت التجربة الأولى لي كان يصاحبها بعض القلق إلا أن ما طمأنني وشجعني هو أن الرحلة كانت تحت إشراف طبي بالكامل من مبادرة “عافية”، المبادرة معنية بالعلاجات التقليدية في مصر وأفريقيا، تبحث عمَّن يمتلك المعارف المرتبطة بسبل التداوي القديمة من أجل التعلم منهم، وتوثيق هذه العلاجات وإجراء أبحاث علمية عليها. بدأت المبادرة عام ٢٠١٤ وتعمل في واحة سيوة بالشراكة مع جمعية أبناء سيوة، سألنا الدكتورة هويدا فوده أحد أخصائي المبادرة ومدرس مساعد العلاج الطبيعي بجامعة 6 أكتوبر عن سر فوائد العلاج بالردم فأجابت:
درجة الحرارة العالية وقت الدفن في رمال سيوة قد تصل إلى (45-40) درجة مئوية، مما يرفع درجة حرارة الجسم بشكل عام، وبالتالي تتوسع الشرايين وتقل مقاومة جدار الشرايين لمرور الدم وزيادة ضخ الدم إلى الجسم، كما أن درجة الحرارة العالية تساعد على زيادة قدرة الجسم على امتصاص المعادن الموجودة بالتربة والاستفادة منها.
أهم هدف في علاج مرضى الروماتويد والروماتيزم هو “وقف الالتهاب في الجسم”، فخلال البحث الذي تم إجراؤه في واحة سيوة عن أثر العلاج بالرمل على مرضى الروماتويد، وجدنا أن للعلاج بالرمل أثر فعال في تقليل الألم وتحسين الوظائف الحركية و تقليل العجز الوظيفي وتقليل الالتهاب وبالتالي تقليل الإصابة بأمراض الرئة وتحسين التنفس، خلال البحث قمنا بتحليل الرمال بالمنطقة المخصصة للردم في “جبل الدكرور” فوجدنا أنها غنية بالمعادن مثل الكالسيوم والماغنسيوم والكربون وغيرها من المعادن المهمة لجسم الإنسان، والتي تخترق الجسد عن طريق الجلد والتفاعلات الكيميائية مع العرق، ثراء التربة بالمعادن واحد من العوامل التي نستند عليها في تفسير تحسن حالة مرضى الروماتويد في سيوة.
نرشح لك– كلمة السر “سيوة”
هل العلاج بالرمال الساخنة يناسب الكل؟
لا، فالجسم أثناء العلاج بالرمل يتعرض لتغيرات فسيولوجية شديدة، لذلك بعض المرضى غير مصرح لهم بالعلاج بالرمل مثل: مرضى الأورام الخبيثة، مرضى الأورام الحميدة، الفشل الكلوي، المرضى غير المصرح لهم بالتعرض للحرارة العالية، من لديهم ضعف في عضلة القلب، مريض الذبحة غير المستقرة، الجلطات الحديثة التي لم تعالج بعد، مريض الضغط غير المستقر، مريض السكر غير المستقر، مريض الضغط فوق ١٨٠ مم زئبق.
هل استجابة الجسم للعلاج واحدة باختلاف المرضى؟
لا، بعض المرضى استجابتهم إيجابية أثناء الجلسات والبعض الآخر لا، لذلك مهم جدا الكشف على المريض والتعرف على حالته بشكل دقيق، وأيضا متابعة استجابة جسمه في أول جلسة، وعلى أساسها تحديد الاحتياطات اللازم توفيرها له كي لا يتعرض لأي مشاكل أثناء وبعد الجلسة، فيستفيد منها لأقصى حد، واستمرار متابعة المريض قبل وأثناء وبعد كل جلسة وقياس كل علاماته الحيوية بشكل دائم.
هل من الممكن ألا يكمل المريض الجلسات؟
ممكن طبعا، لو وجدنا أن استجابته ليست كافية مع الجلسات، مثلا أن جسده لا يتعرق نهائيا أثناء العلاج، أو أن الضغط يرتفع أو ينخفض بشكل مفرط.
هل جلسات العلاج بالرمل ممكن تسبب ضرر للجسم؟
ممكن لو لم يتم الفحص والمتابعة بشكل جيد، لكن في حالة الكشف والمتابعة واتباع التعليمات بدقة ستكون الفائدة كبيرة جدا والضرر محدود للغاية.
كم عدد جلسات العلاج بالرمال؟ وهل العلاج متاح للمرضى فقط؟
جرت العادة في سيوة أن يكون عدد الجلسات ٣ أو ٥ أو ٧ جلسات حسب الحالة، والعلاج للمرضى وللأصحاء.
ما هي أهم الأمراض التي يكون فيها العلاج بالرمل مفيد؟
الروماتويد، فيبرومايالجيا، الروماتيزم، دهون الكبد، الكوليسترول، تصلب الشرايين، متلازمة التعب المزمن، تكيس المبايض.
هل العلاج مفيد في أمراض أخرى؟
بالطبع، لكن الأمراض السابق ذكرها هي التي لاحظنا عليها التحسن بشكل مباشر، ولكنه سيساعد أمراض أخرى لأنه يُحدث تغيرات فسيولوجية كبيرة في الجسم يترك من خلالها أثر على الأصحاء وعلى أمراض أخرى كثيرة.
هل يترك المريض علاجه طالما بدأ علاج بالرمل؟
بالطبع لا، يستمر في تناول علاجه الأساسي مع العلاج بالرمل، ولو حصل تغير أو إيقاف في العلاج يكون ذلك من خلال طبيبه المعالج.
هل هناك فحوصات يجب إجراؤها قبل السفر للعلاج بالردم؟
صورة دم كاملة، وظائف كبد، وظائف كلى، إيكو على القلب، وفحوصات أخرى على حسب كل مرض، ومهم جدا الاطمئنان على الضغط والسكر بشكل أساسي.
وبعد أن أخذنا رأي الطب في طريقة العلاج بالرمال، كان علينا أن نسأل الحاج أحمد موسى (خبير في العلاج بحمامات الرمل) ورث طريقة العلاج التقليدية أباً عن جد، سألناه عن فائدة العلاج بالردم، فقال التالي:
“إن استخدام وسائل التبريد في كل مكان أدى إلى بقاء حرارة الجسم منخفضة فانغلقت مسام البشرة، وبالتالي تعطلت وظيفة التعرق، فاختُزنت السموم في الجسم ومع الوقت زاد الإجهاد على الكبد والكليتين وبالتالي ظهور الأمراض المزمنة، لم يكن الأطباء في البداية مقتنعين بفوائد حمامات الرمل ولكن بعد فحص المرضى الذين تلقوا العلاج بالردم وبمقارنة حالتهم وفحوصاتهم قبل الردم اكتشفوا نتائج مذهلة وأقروا فوائد هذا العلاج، فانضموا لنا بخطوات الإسعافات الأولية حال تعرض أحد الأشخاص لوضع طارئ أثناء الردم، فخرجوا مع المعالجين لإجراء الفحوصات الحيوية (قياس الضغط والأكسجين) قبل وبعد الردم وأفادنا بالتالي:
ميكانيكية عملية الردم:
عندما يدخل الإنسان حمام الرمل تنشط الدورة الدموية وتزداد ضربات القلب، فتتفتح مسام الجسم، فيقوم الجسم بطرح أي سموم مخزنة عن طريق العرق، لذا ننصح المُقبل على التداوي بالرمال أن يشرب كمية كبيرة من المياه في الصباح قبل حمام الرمل، تدخل المياه نظيفة وتخرج محملة بالسموم، بعد حمام الرمل ننصح الناس ألَّا تشرب الماء فور خروجها لمدة ساعة من الزمن حتى يهدأ الجسم، وفي حالة العطش فتكفي رشفة تبل ريق الإنسان. ننصح بأن يكون الإفطار ما بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحا، كي لا تكون المعدة ملآى بالطعام فتضغط على الحجاب الحاجز أثناء الاستلقاء في الردم، فيحس المتداوي بالاختناق، وفي نفس الوقت يجب ألا تكون فارغة فيستشعر المتداوي برغبة في القيء..
خطوات عملية الردم:
عند الظهيرة يتوجه المتداوي إلى الكثبان الرملية، ليجد خيمته جاهزة أمامها حفرة محفورة بطول الإنسان وبعمق مناسب لجسده ينزلها مجرد من الملابس، وعند استلقائه لا يكون مسطح تماما، فينام مسنود الكتفين إذ توضع الرمال خلف كتفيه وترفع أعلى ظهره حتى لا تضغط المعدة على الحجاب الحاجز، ثم يتم ردم الشخص بالرمال الساخنة بطبقة معقولة حتى لا يختنق، ولا يظهر منه سوى رأسه التي تبقى في ظل الخيمة المثبتة من خلفه، فتبدأ الدورة الدموية في النشاط وتزداد ضربات القلب، وعلى المتداوي أن يدرك هذه التغيرات جيداً حتى لا يُفاجأ بها.
تتراوح مدة الردم ما بين ربع وثلث الساعة، ينبض الجسم بقوة ويطرد السموم عن طريق التعرق، وعندما يهدأ هذا النبض فهو إشارة إلى أن الرمال المحيطة به قد تبللت من العرق عندها يتم تغيير الرمال، ثم يبقى المتداوي لإكمال مدته تحت الرمل.
يوجد خيمة خلف رأس المتداوي مباشرة، تحميه من أشعة الشمس المباشرة، وعند انتهاء مدة الردم يبدأ المتداوي بالتحرك للخلف والدخول إلى خيمته، وهي بمثابة “ساونا” ينصح بأن يجلس فيها جلسة “القرفصاء” على المقعدة ويتنفس بعمق ويخرج الزفير ببطء، لأن الدورة الدموية في حاجة إلى كمية كبيرة من الأكسجين، ويتم مناولته المشروبات الساخنة “الينسون والحلبة والليمون” وكلما شرب الإنسان منها فإن جسمه يطرح مزيداً من العرق.
مدة البقاء في الخيمة:
يبقى المتداوي فيها لحين هدوء دورته الدموية وعودة تنفسه لطبيعته، ثم يبدأ الإنسان في ارتداء ملابسه وقبل خروجه من الخيمة يجب أن يلف جسده كاملا ببطانية خفيفة لحمايته من أي تيار هواء، ثم يذهب للاستراحة وهي مكان مجهز به أَسِرَّة لينام المتداوي بعد أن يتناول كوب ساخن من الشوربة لمساعدته على مزيد من التعرق ولتعويضه أيضا بما فقده من سوائل، وعند المغرب يتناول طعام الغذاء المكون من الأرز والخضار المطهو والسلطة واللحوم ويمارس حياته بطرقة طبيعية عدا التعرض لتيارات هواء أو استحمام أو تناول أي مشروبات باردة.
بعد إتمام جلسات الردم:
يأتي دور مساج زيت الزيتون، إذ يجب إغلاق المسام حتى لا تتأثر بتيارات الهواء
سألناه في النهاية: كيف تعلمون أن حمام الرمل ترك أثره في العلاج مع المتداوي؟
يبلغنا المتداوون أن نسب تحاليلهم المرتفعة تحسنت كثيرا بعد الردم، ويأتون إلينا مع عدد جديد وأكبر من أقربائهم وأصدقائهم، يخرج المريض من حمام الرمل تاركاً حمولته من الآلام والأوجاع ويحس أن جسمه أصبح خفيفاً، مستشعرا فوراً أن خلايا الجسم المتعبة المنهكة قد تخلص منها. لو حافظ الأنسان على خمس جلسات سنويا فإنه لن يعرف طريق الطبيب، رمال سيوة رملة واحدة ولكنها علاج فعال لأمراض عديدة، فالسر في عناصر الرمل، وما علينا إلا أن نأخذ بالأسباب ونتضرع إلى الله بالشفاء، وهي علاج آمن إن لم تفد فإنها لا تضر.
نرشح لك- “سيوة”.. أكثر من مزار سياحي وسوق تجاري
العلاج بالردم في سيوة