أسماء مندور
هل يمكن للفن أن يقلد الحياة عن كثب؟ طرحت صحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي، هذا السؤال عندما نشرت مقالاً بعنوان “من هو صديق الفن السيء؟”، وهي قصة عن قضية قانونية جارية بين امرأتين في بوسطن بالولايات المتحدة.
بداية القصة
بدأت القصة عندما اختارت امرأة منهن، وتدعى الكاتبة/ دون دورلاند، التبرع بكليتها لشخص غريب في عام 2015. وقامت بتوثيق العملية في منشورات على جروب خاص على فيسبوك، وشاركت المتابعين مشاعرها حول القيام بتلك الخطوة، كما نشرت أيضًا الخطاب الذي أرسلته إلى الشخص الذي تبرعت له بكليتها.
شاهدت كاتبة أخرى في الجروب، أكثر نجاحًا، وتدعى سونيا لارسون، منشورات دورلاند، لكنها لم تتفاعل معها، وبعد بضع سنوات، اكتشفت دورلاند أن لارسون كتبت قصة قصيرة عن امرأة تبرعت بكليتها، وأنها تضمنت، حرفيا تقريبًا، رسالة دورلاند إلى متلقي الكلية، وهو ما دفع دورلاند إلى رفع قضية على لارسون.
صديق الفن السيء
انتشرت قصة نيويورك تايمز بسرعة، ويشار إليها ببساطة باسم “صديق الفن السيئ”. وبينما يتم حاليًا النظر في تلك القضية في سياق معاصر جدًا عبر الإنترنت، إلا أن الفكرة ليست جديدة في حد ذاتها، طالما ناقش الأدب أخلاقيات استخدام حياة الناس في الفن، حتى أن “إرنست همنغواي”، الكاتب العالمي، اشتكى من ذلك مرارًا وتكرارًا.
دفع مقال صحيفة نيويورك تايمز، بعنوان ” من هو صديق الفن السيء؟”، أيضًا عددًا كبيرًا من المؤلفين إلى المجادلة بأن الفن يسرق بشكل أساسي من التجارب الحقيقية لأشخاص حقيقيين.
لكن هذا النقاش اشتد في السنوات الأخيرة، حيث يوثق الكثير منا الآن الكثير من حياته على الإنترنت. على سبيل المثال، تم نقل قصة دورلاند للتبرع بالكلى من مشاركاتها على فيسبوك، وهو ما يعني أننا عندما نسجل أفكارنا وخبراتنا بهذه الطريقة، يمكن القول بأن أنفسنا يمكن أن تصبح سلعًا محددة، أشياء يمكننا أن نشير إليها ونقول: “هذا أنا، هذا ملكي”.
الملكية الذاتية
في نفس السياق، أدت مواقع التواصل الاجتماعي إلى تفاقم فكرة “الملكية الذاتية“، لأنها تزودنا بسجل لحياتنا عرضة للاستهلاك العام. وقبل تلك المواقع، كان الناس يشعرون بالحزن إذا تم سرقة قصص حياتهم واستخدامها لفن شخص آخر، لكن كان من الصعب إثبات حدوث ذلك بوضوح، ولم يكن لديهم سوى فرص قليلة للاعتراض.
وعليه، تتمثل الحيلة الكبرى لمواقع التواصل الاجتماعي أيضًا في أنها تشجعنا على الاعتقاد بأننا جميعًا فريدون حقًا، وهذا ما يحفزنا على نشر تفاصيل، حتى لو غير مهمة من حياتنا، لعمل صورة مجمعة لشخصيتنا على الإنترنت.
نعلم جميعًا أنه من الصعب الشعور بأن حياتك مسروقة، وقد يكون القيام بذلك تحديًا أو حتى مؤلمًا، لكن يجب علينا قبول حدود فرديتنا، ومحاولة فهم أنه في معظم الأوقات لا يوجد ضرر حقيقي لشخص آخر يفسر حياتنا بشكل مختلف عن نظرتنا لأنفسنا، لأننا لا نملك الأشياء التي تحدث لنا، فقط لأننا نوثقها للعالم.
التخلي عن أجزاء من أنفسنا
يتطرق مقال “صديق الفن السيء” أيضًا إلى العديد من الجوانب المعقدة لعلم النفس البشري مثل، الدافع وراء الدردشات الجماعية، النقطة التي يصبح فيها السلوك الغريب مضايقة أو مطاردة، والعصاب الذي يمكن أن يتسبب في طرح شخص ما سؤالًا يمس أدق خصوصياتنا.
لكن في جوهر الأمر، يشير المقال أيضًا إلى وهم شعبي واسع الانتشار، حتى بعد 30 عامًا من استخدام الإنترنت، وما يقرب من 20 عامًا من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أن ما نضعه على الإنترنت، في الواقع، ليس هو تقديم مطالبتنا بشأن هويتنا، بل في حقيقته “تخلي عن أجزاء من أنفسنا لمن قد يصادفهم الأمر”.