أحمد الضبع
المصريون عادة لا يجتمعون على حب شخص إلا إذا كان شخصية عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا هو السر وراء محبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، الذي احتل بأخلاقه الحميدة وشخصيته الاستثنائية مكانة فريدة في قلوب المصريين لا ينافسه فيها أحد.
مشاعر المحبة كانت جَلِيَّة حينما تعرض “الطيب” مؤخرًا لوعكة صحية نُقل على إثرها إلى مستشفى في ألمانيا لتلقي العلاج؛ ليتصدر اسمه محركات البحث على الإنترنت، رغبةً من أهل المحروسة في الاطمئنان على شيخهم الذي أحبهم وأحبوه.
وأيضا مشاعر البهجة والسرور التي سيطرت على الجميع بعد سماع نبأ تعافي الإمام الأكبر وتوجهه إلى روما للمشاركة في قمة قادة الأديان.
المصريون يحبون الشخص الذي يشعرون أنه يشبههم، يأكل طعامهم، ويلبس ثيابهم، ويتفاعل معهم دون تَصَنُّع أو استعلاء، ذلك ما فعله شيخ الأزهر تجاه أبناء وطنه، ورغم انتمائه لعائلة ثرية في قرية القرنة التابعة لمدينة الأقصر إلا أنه يظهر دائمًا من منزله بالجلباب الذي يرتديه الفلاحون البسطاء.
تصوف أحمد الطيب يبدو على ملامح وجه البسيطة التي تَجَمَّلَتْ بالوقار، لكنه في الوقت نفسه يرفض البدع والخرافات المخالفة لكتاب السنة النبوية التي يقوم بها بعض أتباع الطرق الصوفية ويقف ضد تقسيم المسلمين إلى أشراف وغير الأشراف. ويرى أن المنهج الصوفي الصحيح قادر على مواجهة التحديات التي تحيط بالأمة الإسلامية، وأن المجتمعات الإسلامية باتت في حاجة ماسة إلى كل ما يعيد إليها منظومة القيم الأخلاقية وتقويم السلوكيات الفاضلة بمختلف المجتمعات والثقافات.
بدأ شيخ الأزهر الـ48 حياته العملية بالالتحاق بالأزهر؛ فحفظ القرآنَ وقرأ المتون العلميَّةَ على الطريقة الأزهرية الأصيلة، ثم التحَقَ بشُعبة العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة، حتى تخرَّج فيها بتفوق عام 1969م، وخلال رحلة العمل معيدًا بجامعة الأزهر حتى توليه منصب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف كون “الطيب” خبرات علمية جعلت منه عالمًا يقدره العالم ويحترم آرائه.
عمل الطيب أستاذًا للعقيدة وسافر إلى فرنسا لمدةِ ستةِ أشهر في مهمةٍ علميَّةٍ إلى جامعة باريس، وهو يُجيد اللغةَ الفرنسية إجادةً تامَّةً، ويترجم منها إلى اللغة العربية. وتقلد عدة مناصب أبرزها تعيينه عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، وعميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان، وعُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان.
وتقلد أحمد الطيب منصب مفتي الجمهورية من 10 مارس 2002 حتى 27 سبتمبر 2003، ثم عُيِّن رئيسًا لجامعة الأزهر، منذ سبتمبر عام 2003، حتى 19 من مارس سنة 2010، ثم رئيسًا لجامعة الأزهر الشريف، وبعدها شيخًا للأزهر الشريف، خلَفًا للإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي.
هذا الوديع الطيب يتحول إلى بركان ثائر حينما يحاول أحدهم النيل من الإسلام والمسلمين ولعل من أبرز مواقفه رفضه مصافحة شيمون بيريز أو حتى التواجد معه في مكان واحد، معللًا بأن “مصافحته ستحقق مكسبًا، لأن المعنى المقصود أن الأزهر صافح إسرائيل، وسيكون ذلك خَصمًا من رصيدي، وخَصمًا من رصيد الأزهر؛ لأن المصافحة تعني القبول بتطبيع العلاقات، وهو أمر لا أقرّه إلى أن تعيد إسرائيل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة”.
واجه شيخ الأزهر هيمنة الإخوان على المؤسسة الدينية وحينما جاءت ثورة 30 يونيو أعلن أن المشاركة فى التظاهرات واجبًا شرعيًا وطلب عقد انتخابات رئاسية مبكرة. ومنذ عام قال فى مؤتمر الشيشان إن”الوهابية المتشددة ليست من أهل السنة والجماعة”.
شيخ الأزهر يبنى آراءه المستقلة من واقع الخبرات المعرفية التي اكتسبها طيلة السنوات الماضية إذ يبلغ الرجل من العمر 75 عامًا، خاض فيها تحدياتٍ كبيرة، وتعرض لمواقف أثبت فيها حكمته، ففي 20 من يناير 2011 جمد حوار الأزهر مع الفاتيكان بسبب ما اعتبره تهجمًا متكررًا من البابا بنديكت السادس عشر على الإسلام ومطالبته بـ”حماية المسيحيين في مصر” بعد حادث تفجير كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية. وقال الطيب حينها “إن حماية المسيحيين شأن داخلي تتولاه الحكومات باعتبار المسيحيين مواطنين مصريين مثل غيرهم من الطوائف الأخرى”.
في تلك الأثناء، رفض الطيبُ إعادة العلاقات مع الفاتيكان حتى صدر اعتذارًا صريحًا من البابا بنديكيت السادس عشر، بعدما قدّر الأخير رؤية أحمد الطيب وبصيرته المستنيرة.
والآن وبعد تعافيه وعودته من قمة قادة الأديان في العاصمة الإيطالية روما، يبذل الإمام الأكبر جهودًا مكثفة لبيان صحيح الإسلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة خلال استقباله المهنئين، مجسدًا أسمى معاني الإيثَار على النَّفس، الذي مدح الله به أصحاب نبيَّه، في سورة الحشر، فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”.. سلامات يا طيب.