فاطمة خير
“إحنا مالناش صوت..إحنا ولا حاجة” جملة قد تتوقع سماعها من بطلة مسلسل، وقد تلفت نظرك وقتها لما تعكسه من وعي صانع الحوار، لكن أن يكون كاتب الحوار رجل؛ فهذا يعني الكثير.
بدا واضحا مؤخرا أن أصوات النساء في الدراما باتت عالية إلى حدٍ ما، مع توالي عرض عدة أعمال درامية تتناول قضايا النساء من زوايا تعكس رؤى جديدة، كل كاتبات هذهِ الأعمال غالبا من النساء، في مسلسل 60 دقيقة وبرغم أن بطل المسلسل الطبيب النفسي الشهير والمضطرب نفسيا المتحرش والمغتصب؛ إلا أن البطولة النسائية التي قامت بها ياسمين رئيس هي المحور الحقيقي للأحداث، وهي اللاعب الأبرز الذي رفع معه أصوات النساء من زوايا المسكوت عنه، تناغم معها في “اللعبة الحلوة” محاميتها شيرين رضا، التي لعبت دور المحامية بأداء مذهل ومعبر عن محامية واقعية لا من صنع خيال درامي جاهل بشخصية المحامية القوية خاصةً المناصرة للنساء. في الوقت نفسه تلعب سوسن بدر دور الأب المتسلطة التي تنافق المجتمع على حساب زوجها وابنها لدرجة تدميرهما، ببراعة غنية عن التنبؤ بها.
قدم مسلسل 60 دقيقة عدة أنواع من الشخصيات النسائية: المجرمة (الأم) دون جرائم قانونية يُعاقِب عليها المجتمع، والضحية الرئيسية بطلة المسلسل، التي تمثل المسكوت عنه في علاقات زوجية كثيرة، حيث تشهد علاقتها بزوجها عدة أنواع من الاضطراب، لكنها لا تفعل سوى ما تقوله أمها/المجتمع: تتحمل وتسكت وتحترم زوجها وحماتها، حتى فقدت أعصابها وانتقمت لنفسها ولكل النساء اللاتي آذاهن زوجها المجرم/نجم المجتمع، والمجتمع نفسه، بتواطؤه مع الجناة الحقيقيين: الأزواج الظالمين، والأطباء المختلين، والمتحرشين.
على مدار الحلقات التسع للمسلسل اتبع الحوار منهجاً متسقاً مع خطاب يحترم المرأة، والصحة النفسية، بالطبع فإن مراجعة طبيب نفسي هو الدكتور نبيل القط للحلقات جعل كل ما يخص الصحة والعلاج النفسي فيه علمي ومتزن، مع تبني منهج يشجع على اللجوء للمساعدة النفسية دون خجل، ومن ناحية أُخرى بدا واضحاً تبني المؤلف محمد هشام عبية نهجاً يدعم رفع أصوات النساء، ويعبر عن مشاكل حقيقية تنضوي تحت بند المشكوت عنه في حياة المرأة المصرية، مع إخراج مبدع للمخرجة مريم أحمدي، تصوير وإضاءة وموسيقى تصويرية رايع، كل ذلك نسج عملاً مضيئاً في سلسلة الأعمال التي تمس واقع المرأة، وترفع سقف الدراما التي تناقش قضاياها.
وبرغم أن الخط الرئيسي للأحداث هو معاناة البطلة مع زوج طبيب نفسي ونجم مجتمع مضطرب نفسياً وبلا أخلاق، إلا أن الخطوط الأُخرى في العمل تناولت بحرفية شديدة قضايا أخرى شديدة الأهمية، منها ظروف مريض الاكتئاب وتدهور حالته بسبب الوصمة الاجتماعية، وهو ما يدفعه للانتحار ف أحيان كثيرة، أو إفساد حياته الاجتماعية، بل والضرر الذي يلحق بأفراد أسرته اجتماعياً ومهنياً، كذلك مشاكل الاضطرابات الجنسية التي تفسد الزيجات بسبب عدم الاعتراف بها ولا اللجوء للعلاج.
60 دقيقة كانت كافية كي يتعلق قلب البطلة/الضحية بأمل لم يتحقق للخلاص من علاقة زواج رسمياً، قبل انتهاء حياتها، وكي يتعلق قلب الجمهور بتحقيق طلبها برغم أنه لم يُعلن عنه سوى في الحلقة الأخيرة، كان طلبها صرخةً في وجه استمرار كل علاقات الزواج المزيفة فقط لأجل المجتمع، وبسبب قوانين تجعل الموت أسهل من الطلاق من مجرم، صرخة أعلنتها صريحة حين طلبت من محاميتها أن تحاول تنفيذ طلبها بالطلاق من زوجها القتيل كي لا تكون زوجته في العالم الآخر مثلما أخبرها بأنها ملكه دنيا وآخرة، ولم تقبل أن تقول بأنها قتلته دفاعاً عن النفس كما ترجتها محاميتها؛ بل أصرت أن تعلن بأن قتلها له هو عقاباً على كل جرائمه ضدها والنساء الأخريات وهو ما لم ينصفهن في إثباته القانون ولا أعراف المجتمع.
ماتت ياسمين وارتفعت أصوات النساء في سماء القاهرة لحظة تنفيذ حكم الإعدام بها، أصوات لن يقدر أحد على إسكاتها بعدها.