إيمان مندور
قبل نحو 20 عاما، وفي إحدى الحفلات التي كان ينقلها التليفزيون المصري من مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات على الهواء مباشرة، تقدمت فتاة من ضمن المعجبين خشبة المسرح وطلبت أن تسلّم بيدها فقط على الفنان كاظم الساهر، ملك الرومانسية ومعشوق الفتيات، وبالفعل استجاب لها، لكن وجد نفسه فجأة مخطوفا بقبلة ساخنة وسط ذهول واندهاش الحضور، والملايين في المنازل أمام التليفزيون!
بعد هذه الواقعة فرض مركز المؤتمرات حراسة مشددة على كاظم الساهر، فور ظهوره للغناء على المسرح، ومنعوا أي أحد من الاقتراب منه، لكن رغم ذلك بعض المعجبات كن ينجحن في التسلل إليه بطريقة أو بأخرى، وظل الحال هكذا مع كاظم إلى درجة أن بعض الفتيات كن يهددن بالانتحار لو لم يلتقطن صورا معه، فكان يضطر للموافقة على ذلك، وغيره الكثير من قصص المعجبين والمعجبات معه ومع غيره من المشاهير… هذا بالطبع بعيدا عن النجوم الذين كانوا – ولا يزالون- يستأجرون فتيات للتظاهر بالبكاء والإغماء في حفلاتهم.
المهم أن الصحف كانت مليئة دوما بأخبار المعجبين والمعجبات الذين يقومون بتصرفات غريبة، تكاد تصل إلى حد الانتحار من شدة تعلقهم ببعض النجوم، لذلك أغلب المشاهير كانوا يخافون من تصرفات المعجبين المفاجئة، فيلجأون للحراسة والحماية في كثير من الأوقات.
لكن يبدو أن الحال قد تغيرت للنقيض، وأصبح التعلق الشديد بالمشاهير ناقوس خطر يهدد مستقبل المعجبين لا النجوم، لا سيما صغار السن منهم، وأصبح المشاهير يستغلون ذلك التعلّق بدلا من الحماية منه، مثلما حدث مؤخرا مع فتاة عمرها 20 عاما، قامت بسب مخرجة شهيرة لصالح مذيعة معروفة، ليتطور الأمر إلى رفع دعوى من المخرجة ضد الفتاة، ويتقرر لها بالفعل جلسة محاكمة، وترفض المخرجة كل الوساطات لحل الأزمة بعيدا عن القضاء، لتضطر المذيعة لمناشدتها علنا بالتنازل عن القضية، لكن بدون جدوى، ليظل مستقبل الفتاة مجهولا حتى هذه اللحظة، في انتظار قرار المحكمة.
ويبدو أن واقعة هذه الفتاة أثارت انتباه بعض “الفانز” السابقين للإعلامية الشهيرة، فخرج شاب ليروي ما فعلته به هذه الإعلامية حين كان في عمر 19 عاما، حيث كانت تستغله وهو وغيره من المعجبين “الصغار” في حملات هجوم ضد منتقديها، وعندما ترك العمل معها وحدثت بينهما خلافات هددته بسجنه ورفع قضايا ضده وسبّته وهاجمته عبر جروبات “الفانز”، مؤكدا أن لديه أدلة على ذلك، من رسائل مكتوبة وصوتية بينهما.
المفارقة أنه أوضح أدلة تثبت تحريضها للفانز على الهجوم ضد أحد زملائها من المذيعين، ثم عرض لها فيديو نشرته قبل أيام، تقسم فيه بالله وتدعو الله أن يتوفى أولادها إن كانت قد حرضت على الهجوم على أحد من قبل. أمر صعب بالتأكيد أن يفعل أحدهم ذلك، ويقسم علنا بحياة أولاده بكل هذه الثقة، لكن إن افترضنا أن هذا الشاب كاذب – رغم الأدلة التي يمتلكها – فماذا نقول في أزمة الفتاة؟!
الفتاة سبت المخرجة ووالدتها بألفاظ نابية دفاعا عن الإعلامية الشهيرة، وراحت تتباهى بما فعلته، فما كان من المذيعة إلا أن وجهت لها الشكر على ذلك عبر أحد جروبات المعجبين، وبعد القرار الصائب من المخرجة بالحصول على حقها بالقانون، تراجعت المذيعة وأكدت أن الفتاة “مهذبة” ولا تستحق ذلك، مبدية دهشتها بأنه كيف يمكن لإنسان أن يتسبب في سجن فتاة صغيرة بهذا الشكل!
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تحول حب المعجبين لسلاح ضد المخالفين والمنافسين؟ ولماذا يتم استغلالهم أصلا في أزمات لا تعنيهم؟ لماذا يشجع شخص مشهور شبابا صغارآ على الإساءة للمخالفين؟ لماذا يضعهم في وجه المدفع بلا ظهر يحميهم في خلافات لا تعنيهم أصلا؟ كيف انقلبت الآية وأصبح خطر المشاهير على معجبيهم أكبر مما لو حدث النقيض؟
في واقعة اليوم، التي لا يهم أسماء أبطالها بقدر ما يهمنا تسليط الضوء على تأثيرها وأسباب حدوثها، نجد المخرجة تطلب حقها بالقانون ولا يمكن لأحد أن يزايد على ذلك، والمذيعة معروفة بأزماتها مع القاصي والداني، أما الفتاة فحملت المشكلة التي لا تخصها كلها على كاهلها، دون إدراك منها لخطورة ما فعلته، لعلّها تتعلم هذه المرة ألا تدخل معارك ليست طرفا فيها، وأن الدفاع عن المشاهير لا يحدث بسب وقذف المخالفين، والأهم أن تدرك أن من يدفعها لذلك – حتى ولو كان مشهورا- لا يفعل ذلك من باب الحب والعشم ولكن من باب الاستغلال والدناءة.
أعتقد أن هذه الفتاة وغيرها من المعجبين و”مهاوييس المشاهير” سيتعلمون الدرس جيدا هذه المرة، لكن على المستوى الشخصي أتمنى أن يحدث بأقل الخسائر للفتاة، وبأكبرها على المشاهير الذين يخوضون معاركهم باستغلال المحبة غير الواعية من الشباب الصغار، بينما يتظاهرون على الشاشات بوعظ البشر حول الأعمال الإنسانية.
الخلاصة والدرس المستفاد من ذلك، أنه حتى لو أصبحت نجم النجوم ومهما وصلت لمراحل متقدمة من الدناءة في تعاملاتك، لا يجب أن تستغل محبة وثقة الناس فيك.. يكفي أنهم أحبوك بهذا القدر دون أن يعرفوك حتى عن قرب!