الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد والشوقيون والتكفير والهجرة والقاعدة وطالبان وداعش… وغيرها من التكتلات مشوهة التفكير والقصد، ترغب فقط فى فرض رؤية لدولة غير موجودة إلا فى خيالاتهم المريضة فقط. تلك الدولة يريدون لها أن تعود بالحياة وأسلوبها إلى أربعة عشر قرناً خلت.
فتفسير هؤلاء لشكل الدولة يتضح من طريقة لباسهم والهيئة التى يظهرون بها. ربما يكون قصد البعض ممن انتموا وينتمون إلى هذه الجماعات هو الجهاد لنشر دين الله على الأرض وهو الإسلام. وفى ذلك ننبه إلى قول الله تعالى «وجادلهم بالتى هى أحسن». فلو ضرب هؤلاء المثل وأصبحوا القدوة للناس فى كيفية العمل بضمير والتصرف بخلق رفيع والتطور علمياً وأكاديمياً واتقان اللغات الأخرى لمخاطبة المتحدثين بها وفهم خلفيات هؤلاء الدينية والثقافية لتمكنوا بسهولة من نشر الدين الحنيف دون فتح أو غزو أو إراقة الدماء فى مجتمع فى هذا الكون الفانى. بل إنهم لو قرأوا الدين وفهموا مقاصده لصار حالهم أفضل بكثير فأراحوا واستراحوا.
فديننا الحنيف لا يكتمل إلا بالاعتراف بالأديان الأخرى. وها هى ثلاث آيات من سورة البقرة تدحض أى قول غير ذلك: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)»
«وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)». ولست هنا بمعرض التفسير فالآيات بينات واضحات لا لبس فى فهمها. إذن الاعتراف بالآخر وبوجوده وعدم التفرقة بين أهل الكتاب من أتباع الأنبياء والرسل جميعهم فى بناء واحد متكامل نزل على مراحل وأجزاء ليهدى الله الناس إلى سواء السبيل من شروط الإيمان والعبادة السليمة للخالق الواحد القهار الرحمن الرحيم كما ورد أيضاً فى هذه الآية بسورة البقرة: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)».
غير أن تلك الجماعات لكى يسودوا ويحكموا فى الأرض حكماً دنيوياً يغررون فيه بمن يبغى رضا الله حقاً ولم يجد فرصة سليمة ليتعلم بها كيف يفعل ذلك، يحاربون الآخر ويريدون القضاء عليه. وهنا أرى أن جميع الديانات تتفق فى جوهر واحد وهو عمل الخير وترك الشر والبعد عن المعاصى. وتختلف الأديان فى طريقة العبادات فكيف تصلى وهل تتوضأ أم تغتسل… الخ، وأسلوب الحياة كأنواع الطعام والشراب التى نتناولها والتى أُمرنا بتركها وتقسيم الميراث وغير ذلك. وترتبط الشرائع الأخيرة بالدين الذى تعتنقه. وهنا يجب أن نبنى على المشتركات بين الأديان كالوصايا العشر وترك الأخطاء السبع القاتلات (الكبائر) والعيش بسلام والتسامح والتفاهم والاشتراك فى الموارد على الأرض والتمتع بالعلم وما أنتجه البشر بعد دراسات طويلة وجهد عظيم لفهم الكون علمياً. وترك كل ما يتعلق بالحساب إلى يوم الدين طالما ارتضينا عدل الله ورحمته ولذنا بهما.
العيب ليس فى الدين ولكن فى من يدّعون الانتماء إليه أو من شوهت رؤيتهم صفحة الدين وسماحته وعدله. ولنا فى ذلك مئات الأمثلة التى لا يمكننى الخوض فيها فى مقال واحد.
مكارم الأخلاق والمعاملة الطيبة الحسنة هى الطريق إلى الصلاح فى الدنيا وليس الإرهاب والعنف والدم.
إن ما يعتنقه هؤلاء الإرهابيون أصحاب الفكر المشوّه ليس إلا مسخاً دنيوياً زيّنته لهم شياطينهم وكأنه دين جديد غير هذا الذى تعلمناه ونعتنقه باقتناع. الإسلام منهم برىء. أقول لهم: لكم دينكم ولى دين.. وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
نقلًا عن “الوطن”