رباب طلعت
للمرة الأولى نجحت الفنانة ياسمين صبري في اعتلاء قائمة الترند بشكل إيجابي، وبإشادات واسعة بتصريحاتها الإعلامية على غير العادة! وذلك بعد حوارها الأخير مع مقدم البرامج الإماراتي أنس بوخش، في برنامجه “ABtalk“، المذاع على قناته على “يوتيوب”، وذلك لأسباب عدة، أبرزها ما ظهر على ياسمين صبري من نضوج واتزان في الإجابة على الأسئلة الموجهة إليها.
أرجعت ياسمين صبري السبب في ذلك النضوج والتغيير الواضح عليها إلى قراءتها في علم النفس، ودراستها له في جامعة هارفارد العريقة، عن بعد، وذكرت عدد من الكتب التي كانت مدخلًا لها في ذلك كان أبرزها “السر”، “قوانين القوة الـ48″، و”فن الحرب”، و”فن الإغواء”، والتي تندرج تحت تصنيف التنمية البشرية، أكثر من ارتباطها بعلم النفس، الأمر الذي سخر منه بعض المثقفين، لعدم درايتها بالتصنيف الحقيقي لها، ولكن كيف غيرت “التنمية البشرية ظهور ياسمين صبري الإعلامي؟”، ذلك السؤال سنحاول الإجابة عنه في النقاط التالية:
للحديث عن تاثير التنمية البشرية على ياسمين صبري، لابد من العودة لبداية الألفينات إلى ما قبل ثورات الربيع العربي، للوقت الذي تصدرت فيه كتب التنمية البشرية قائمة قراءات واهتمامات الباحثين عن النجاح في الوطن العربي والنجاح وليس الثقافة، فلا تضيف كتب التنمية البشرية معلومات لعقل قارئها سوى عن سير الناجحين مثلما تضيف له دفعات من التحفيز والحث على النجاح وعدم الاستسلام للعقبات، ومثل تلك الأمور التي كانت تصدح بها قاعات المحاضرات التي يلقيها أبرز الأسماء التي ارتبط بذلك العلم وقتها، وكان الأب الروحي الأول لها إبراهيم الفقي، الذي كانت تستهدف به الكثير من مراكز التدريب شباب الجامعات والمدارس للكسب السريع، محاضرات مكثفة خلال يوم واحد “هتغير حياتك” كما كان يتم الترويج لها، ومن ثم ظهرت أسماء عربية أخرى مثل مريم نور التي غزت القنوات العربية تتحدث عن علم الطاقة أحد الفروع المنشقة عن التنمية البشرية، والخليجي فاضل سليمان، وفي مصر كان أحمد عمارة وشريف عرفة وغيرهم، ولكن يظل “الفقي” الأب الروحي لتلك الصناعة المربحة لمدربيها بشكل كبير سواء على مستوى المحاضرات أو الكتب التي كانت تتصدر قائمة الأكثر مبيعًا وقتها، على الرغم من عدم انخفاض سعرها وقتئذ.
كانت تلك الفترة الذهبية للتنمية البشرية، وأتذكر اندفاعي الكبير نحو ذلك المجال مثل أغلب زملائي الباحثين عن النجاح، ونقصد هنا بالنجاح أن نصل لما وصل له بيل جيتس وستيف جوبز وأمثالهما، فلم تكن أسطورة مارك زوكربيرج قد ولدت بعد لذا كانت أحلام الثراء السريعة مرتبطة مايكروسوفت وجوجل وأبل وغيرهما، تلك الشركات الوليدة مع بداية عصر الثورة التكنولوجية الكبيرة التي شهدها العالم كله، ولا أتذكر منها سوى “1 2 3 هوبا” التي كان يعتمدها البعض في محاضراته عندما نقف جميعا نرددها وراءه في المحاضرات متخيلين بأن “الهوبا” سترفعنا أعلى درجة في سلم النجاح، إلى أن تغيرت الـ”هوبا” وارتبطت حديثًا بروبي حاليًا، لنكتشف جميعًا بأن كلام التنمية البشرية ما كان إلا “كلام على ورق” لا يرتبط بأي شكل بالأشكال بالنجاح، وليس معنى أن تقرأ 100 كتاب منه أن تصل لأحلامك، بل يمكن اعتباره وسيلة لفهم كيف نجح الآخرين، أو طريقة لتنمية الشخصية بمحاولة تطبيق نصائح المدربين، للسعي نحو النجاح، تلك النصائح التي تشبه حاليًا الكثير من “بوستات” السوشيال ميديا، التي تحولت إلى وسيلة لبعض مدربيه للترويج لكتبهم المطروحة في الأسواق، بل إن البعض بدأ بـ”بوستات” وانتهى ككاتب تنمية بشرية!
تراجعت التنمية البشرية بشكل كبير مع بداية ثورات الربيع العربي، حيث بدأ التوجه في القراءات ذلك الوقت للكتب التاريخية والسياسية، في محاولة لفهم المشهد السياسي في الوطن العربي، وما يتناسب مع طموحات الشباب السياسية، إلى أن بدأت الاهتمامات تختلف وتتنوع مع تنوع التوجهات على السوشيال ميديا.
محمد صلاح.. ونظرة أخرى للتنمية البشرية
في يوليو 2018، طفت التنمية البشرية مرة أخرى على سطح الاهتمامات الثقافية للشباب، وذلك بعدما نشر محمد صلاح صورة لكتاب “فن اللامبالاة” لمارك مانسون، وبعدها “فكر وازداد ثراء” لمؤلفه “نابليون هيل”، وفي 2020 نشر صورة لكتاب “قوة التحكم في الذات”، للدكتور إبراهيم الفقي، بالإضافة لصور فقرات عن كتب تتحدث عن قوة العقل الباطن وغيرها، مما جعل البعض يستعيد أسطورة أن تلك الكتب هي السبيل للنجاح، خاصة لتأثير محمد صلاح الكبير على الشباب ليس في مصر فقط بل العالم كله، فمن الممكن وصفه باختصار بأنه “أسطورة جيله”، وتظهر عليه بالفعل كل صفات الشخصية الناجحة التي تتحدث عنها تلك الكتب، وذلك يتضح جليًا ليس فقط في نجاحاته الكروية وتوازن علاقته الأسرية مع عمله، وتدينه المتمثل في “عمل الخير” الذي يشتهر به في قريته، ولكن في حواراته الصحفية ولقاءاته التلفزيونية، القليلة نسبيًا.
على غرار محمد صلاح، بدأت ياسمين صبري تُظهر اهتمامها بعلم النفس والتنمية البشرية وعلم الطاقة وما إلى ذلك، وتنشر صورًا واقتباسات لما تقرأه عبر خاصية الستوري، على إنستجرام، ولكن لم يكترث أحد بذلك، فلقد كانت الأنظار دائمًا تلتفت نحو زهد العيش الظاهر على رحلاتها وحياتها ما بعد زواجها من رجل الأعمال الشهير أحمد أبو هشيمة، فلم تحظ صور الكتب باهتمام بالغ كما تفعله صورها في الطائرة الخاصة أو اللانش الخاص بها، أو حتى صور إطلالاتها وحقائبها، ما يحصرها دائمًا في صورة “الممثلة الجميلة”، حتى إن صفة الممثلة عليها جدل، فالكثيرون يرون أنها لا تجيده، ولا تجيد سوى حياة المشاهير، أو بحسب الصياغة المعاصرة “إنفلونسر”.
كان ظهور ياسمين صبري في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي، أبرز ظهور إعلامي لها خلال الفترة الماضية، وانتظر البعض تصدرها الترند سلبيا كالمعتاد بسبب إطلالة أو تصريح “مش في محله” إلا أنها وللمرة الأولى مرت بسلام، واقتصر تواجدها على صور الافتتاح، وبعض تصريحات عن مسلسلها القادم، وسعادتها بحضور المهرجان وما إلى ذلك، ولكن المفاجأة كانت تصدرها الترند بعد أسبوع واحد من ختام المهرجان، خلال الحوار الذي أجرته مع الإماراتي أنس بوخش، على الأرجح خلال تواجد كلاهما في الجونة، نظرًا لأن ديكور الحلقة مختلف عن الديكور المعتاد، الذي اعتمد فيه “بوخش” كرسيين رماديين عصريين، بينما ظهر مع ياسمين على كرسيين ذوي طابع كلاسيكي “مذهب”.
طلت ياسمين صبري في الحوار بإطلالة بسيطة، غير ملفتة، ولكن كانت المفاجأة في حديثها، حيث تحدثت لأول مرة برزانة لافتة، دون اندفاعها المعتاد، وكذلك ظلت تتحدث بلسان مدربي التنمية البشرية، وتردد عبارات قد قرأتها مسبقًا، ما يرجح علمها بمحاور النقاش والأسئلة، وتحضيرها الجيد للقاء، وهو أمر إن صح سلاح ذو حدين، الحاد منه سيعيدها لدائرة الانتقاد مع أول حوار “لايف” لها، إلا أن الأمر الجيد، هو أن ياسمين أجابت على الكثير من المحاور الجدالية بشكل عقلاني لافت، وأهمها ما ذكرته عن تقبلها لفكرة حصرها في كونها امرأة جميلة فقط، وتعاملها مع ذلك الأمر أنه يكشف عن فكر صاحب الانطباع وليس ما هي عليه بالفعل، كذلك علاقتها بوالدها والتي حولت ردود الأفعال فيها لصالحها وليس العكس كما حدث منذ بداية أزمة تصريحاته عنها بعد امتناعها عن حضور حفل أخيها، حتى أن تكذيب والدها لما قالته في الحوار لم يُحدث أي صدى أمام صدى حضورها خلال اللقاء.
ولكن وعلى الرغم مما ظهر على الفنانة الشابة من نضوج وثقافة ووعي، لم يكونوا حاضرين من قبل، إلا أن الأمر كان أشبه بترديدها لأقاويل وعبارات تأثرت بها من قراءتها في علم النفس والتنمية البشرية، فعلى عكس محمد صلاح، ياسمين صبري لم تصل للنجاح والتميز في مجال عملها الأصلي -التمثيل- مما يضعها أمام اختبار كبير وصعب في رمضان 2022، حيث رفع الحوار بشكل كبير سقف تطلعات الجمهور مما ستقدمه، سواء كان في الاختيار أو الأداء، فذلك هو التغيير الحقيقي، الذي سيلمسه الجمهور، وليس ترديدها لـ”كلام الكتب”!