محمد عبد المنعم
نظم صالون الجزويت، أمس الأربعاء، لقاء مع الكاتب الكبير محمد سلماوي، بمسرح ستوديو ناصيبيان التاريخي، الملحق بمقر جمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة» بالفجالة.
يحتفي الصالون بأحدث إصدارات “سلماوي” الجزء الثاني من مذكراته “العصف والريحان”، الصادر مؤخرًا عن دار الكرمة، والذي وجد احتفاء كبيرًا من القراء شأن الجزء الأول، الذي صدر عام 2017 بعنوان “يوما أو بعض يوم” عن دار النشر نفسها، وجاء كوثيقة تاريخية نوعية لافتة وممتعة في قراءتها يستكملها الكاتب في الإصدار الجديد، لتصير شهادة طويلة على عدة عصور.
حضر اللقاء، الأب وليم سيدهم، والإعلامية دينا عبد الرحمن، وسامح سامي رئيس قسم الثقافة بجريدة الشروق والكاتب أسامة الشاذلي.
افتتح اللقاء الكاتب هشام أصلان، بالاحتفاء بإصدار الجزء الثاني من مذكرات “سلماوي” “العصف والريحان” بعد أربعة سنوات من صدور “يوما أو بعض يوم”؛ موضحا أنه يميل إلى كتب السير الذاتية والمذكرات، نظرا إلى أن الشخص لو قرأ السير الذاتية لآخرين لديها تجارب في الحياة ومسيرة مشرفة، فذلك بمثابة إضافة أعمار أخرى إلى عمره، وحينما تقرأ سيرة شخص فأنت تقرأ عمره في كتاب، وخصوصا لو كان الشخص مشتبكا مع الحياة بشكل كبير.
وأشار “أصلان” إلى أن “سلماوي” ليس مشاركا عاديا في المشهد الثقافي وإنما أحد صناعه ومحركيه الأساسيين، وذلك منذ بدايات دراسته، مرورا بكونه صحفيا، ثم كاتبا مسرحيا، وتوليه مناصب تاسيس ورئاسة تحرير الأهرام إيبدو، وتكوينه للعديد من العلاقات الثقافية الثرية في قطاع الثقافة، وترأسه لاتحاد الكتاب المصريين، ثم اتحاد كتاب العرب، والمشاركة التاريخية في كتابة الدستور، ليشدد على أن كافة الاماكن التي عمل بها سلماوي، قد نجح في أن يترك بها أثره وبصمته.
وجه “أصلان” تساؤلا لسلماوي، عن الكيفية التي تصالح بها مع الفترة الناصرية، رغم أن قرار التأميم حينها كان له تأثيرات مباشرة على أسرة سلماوي، وحال دون سفره للدراسة في الخارج، وأنه رغم ذلك، كان سلماوي ضمن من احتشدوا في الشوارع لمنع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن التنحي.
استهل “سلماوي”حديثه، بالتأكيد على اعتزازه بهشام أصلان، والمكانة التي يحتفظ بها له ولوالده الراحل إبراهيم أصلان، قبل أن يوضح موقفه من الفترة الناصرية، وأنه ليس علينا أن ننظر للأمور بشكل أحادي، أو أن نتعامل كما لو أننا أمام “الأبيض والأسود”، فلا نكون مع حاكم أو ضده على الدوام وعلى طول الخط وبشكل مطلق، قد يرى في إحدى الفترات إيجابيات ما ولايحول ذلك دون وجود سلبيات وملاحظات.
تابع: “ما حال دون اتخاذي موقفا عدائيا حادا من الرئيس عبد الناصر وقرارات التأميم، هي طريقة تعامل والدي مع تلك القرارات، اجتمع بنا الوالد أنا وإخوتي وأكد لنا أن “عبد الناصر” لم ياخذ هذه الأموال له ولأولاده ولكن لتحقيق العدالة الاجتماعية، فكان من اليسير علينا أن نتفهم هذا الموضوع، فبالتالي لم اشعر بالمرارة التي شعر بها باقي أصدقائي في تلك الفترة”.
أضاف متحدثا عن سنوات التكوين: “أنا وجيلي كبرنا على أن عبد الناصر يطالب بالقومية العربية والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية وأننا سنتحدى امريكا ونبني السد العالي، وأن يكون لمصر مكانة رائدة في العالم العربي كله، لذا فكان المناخ العام الذي نشأت فيه محفزا على وضع مصلحة الوطن والامة العربية في المقدمة، فوق مصلحتي الشخصية”.
وأكد “سلماوي” أنه لم ينتمي إلى دولة عبد الناصر، لم يشترك في الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي، ولكن تأثر بفكر عبد الناصر ومبادئه ومثله العليا التي غرزها في جيل كامل، وبلا شك أن دولة عبد الناصر كان لها اخطاء وانتقادات.
وجه هشام أصلان تساؤلا لسلماوي، من وحي ما جاء في “العصف والريحان”، عن متى يطمئن الكاتب إلى وصوله لمحطة ختامية يكتب فيها مذكراته بأريحية، وعن الفارق بين السيرة الذاتية والمذكرات، ليجيب سلماوي بأن السيرة الذاتية هي سرد لتاريخ حياة الكاتب نشأته وعمله، ولكن المذكرات مختلفة حتى لو كان بينهم نقاط تماس مشتركة، موضحا أن المذكرات هي ذكرياتك ومشاعرك عن وقائع معينة هامة مررت بها في حياتك.
وأردف: “أرى أن حياة الانسان مراحل، لابد أن يدرك أن هناك مرحلة في نهاية حياته، بعدما يكون قد أنجز ما استطاع إنجازه، لابد أن ياخذ آخر سنواته للراحة، وهذا الفكر منتشر في الغرب، فالمعني الحقيقي للحياة يظهر عندما ننظر للحياة بنظرة تأملية، وشخصيا: كان يسيطر علي فكرة أنني عند سن معين لابد ان اتنازل عن كل التزاماتي، وآخذ سنواتي المتبقية لنفسي من غير أعمال رسمية، وعند سن الـ 70 قررت أن أترك كل شئ، فأنا وصلت لمرحلة من النظرة التاملية والتحرر من الروتين اليومي”.
أضاف سلماوي: “حينما دخلت لجنة الدستور أضفت فصلا في دستور مصر عن الثقافة، وعدت فيه لأول وثيقة خاصة بالخديوي اسماعيل، وهي من الأشياء التي أعتز بها لأنني كتبت فصلا في الدستور، ومصر بنت مجدها كله بالثقافة، بالقوى الناعمة، بالمعمار والفكر والفن، كل هذه الاشياء هي التي صنعت مجد مصر الي يومنا هذا”.
وواصل: “الثقافة حق للمواطن وعلي الدولة ان توفر هذا الحق لكل المواطنين بغض النظر عن القدرة المالية والموقع الجغرافي، الدستور فرض على الدولة أن الكتاب يكون في متناول كل مواطن وأن الدولة عليها أن تدعم الكتاب، وأن تكفل الخدمة الثقافية لكل مواطن”.
تطرق بعدها هشام أصلان، إلى علاقة سلماوي بنجيب محفوظ، قائلا: “إن الشائع والمعروف أن سلماوي ألقى خطاب الأديب نجيب محفوظ في نوبل، ولكن الأصل أن هناك علاقة كبيرة بينهما، فعندما تعرض نجيب للحادثة المعروفة طلب منه نجيب عندما كان لايستطيع كتابة مقاله في الاهرام أن يجعلها حديث صحفي كل اسبوع، وهنا يتعين علينا سؤال عن سبب عدم الإتيان على ذكر سيرة وفاته في “العصف والريحان”.
أجاب سلماوي: “كتبت عن رحيل نجيب محفوظ بشكل مفصل، كتبت عنه كتاب باسم “المحطة الاخيرة”، يورخ للـ 45 يوم الاخيرة من حياته في المستشفي، لذلك لم أكتب عن وفاة ورحيل نجيب محفوظ في مذكراتي، لاني كتبته بشكل مستفيض وموثق في عمل منفصل”.
واستطرد: “الناس اكتشفت علاقتي بنجيب حينما اختارني لقراءة بيان الفوز بالجائزة، وأن أكون ممثله الشخصي في نوبل، لكن العلاقة بيننا راسخة من قبلها، كان هناك وقائع كثيرة أخرى مشتركة، ففي إحدى المرات كلفني بمهمة تنم عن ثقة، وهي أن “أصنع له ختم رسمي” بإسمه شخصيا، لكي يختم به الاوراق الهامة، وقمت بعمله فعلا في أحد محلات بشارع محمد علي، وذلك بسبب تأثر يده وعدم قدرته على الكتابة والتوقيع بشكل جيد”.
توجه بعدها هشام أصلان بسؤالا عن كواليس وفاة نجيب محفوظ، وما أثير عن أن النعش الذي ذهب الحسين كان غير النعش الاصلي، أو كان فارغا، نظرا لاعتبارات أمنية متعلقة بأن الرئيس مبارك سيسير خلف هذا النعش في جنازة عسكرية، فأجاب سلماوي: “لم يحدث ذلك مطلقا، أنا كنت شاهدا علي الأحداث، أول جهة تم تبلغيها بوفاته هي الرئاسة لتحضير جنازة عسكرية لأنه حاصل على قلادة النيل، وأخبرتهم أنه كان لديه وصية أن يتم الصلاة عليه في الحسين، وبالفعل تم عبور الجنازة من الحسين ثم تسلمتها الرئاسة لعمل جنازة عسكرية لجثمان نجيب محفوظ”.
من جانبه، سأل الأب وليم سيدهم رئيس مجلس ادارة جزويت القاهرة، بعد الترحيب بسلماوي، عن دور المثقفين في مصر في ترقية المجتمع، ليجيب سلماوي: “إننا نطلب من المثقفون أدوارا ونسقط عليهم مسؤوليات ليست من صميم أدوارهم، ولكن بالطبع عليهم التفاعل مع الواقع، والمشاركة في الأحداث الهامة كالثورات وفترات التحول، هو ما فعلناه لدرجة أنه قد يسلبنا حريتنا في بعض الأحيان”.