أسماء شكري
سهير البابلي
خفة ظل على الشاشة وفي الحقيقة، تتميز بصراحتها وعفويتها على خشبة المسرح وفي لقاءاتها خلال أي برنامج، لا تملك إلا أن تضحك كثيرًا على إفيهاتها الشهيرة وارتجالها الذي تميزت به دونًا عن باقي زميلاتها، هي أسطورة المسرح الكوميدي الفنانة سهير البابلي التي رحلت عن عالمنا مساء اليوم عن عمر ناهز 86 عاما.
استحقت هذا اللقب عن جدارة ودون مبالغة، لا تنافسها فيه إحدى زميلاتها من فنانات المسرح الكوميدي إلا الرائعة شويكار؛ والفرق بينهما أن شويكار لمعت أكثر في السينما برفقة الفنان فؤاد المهندس كأشهر ثنائي فني، ولكن سهير بالرغم من أنها نجحت في السينما والتلفزيون أيضًا، ولكن بيتها الأكبر وعشقها وسر حب الناس لها هو المسرح بلا منازع.
الكثيرون لا يعرفون أن سهير البابلي أبدعت في المسرح التراجيدي قبل الكوميدي، وقدمت عشرات المسرحيات من الأدب العالمي باللغة العربية الفصحى! ووقفت منذ صغرها أمام فطاحل هذا اللون المسرحي من الكتاب والمخرجين والفنانين، أمثال فتوح نشاطي وعبد الرحيم الزرقاني وحمدي غيث وأمينة رزق وسميحة أيوب وملك الجمل وسناء جميل، ومَن يشاهدها وهي تؤدي أدوارًا جادة داخل هذه المسرحيات، لا يصدق أنها هي ذاتها التي تُضحكه في باقي مسرحياتها الكوميدية الشهيرة! ولكنها الموهبة والتمكن والقدرة على إجادة اللونين معًا، بما بينهما من تضاد وتباين شديد.
تندهش حينما تعلم أن سهير البابلي التحقت للدراسة بمعهدي الموسيقى والتمثيل في آن واحد، وتتساءل: التمثيل طبيعي ولكن لماذا الموسيقى؟ والجواب قالته سهير في أكثر من حوار لها، بأن ما دفعها إلى هو ذلك عشقها للموسيقى والغناء بجانب التمثيل أيضًا، ولذلك لم نتضرر ونحن نسمعها تغني عددًا من الأغاني داخل مسرحية “ريا وسكينة”، وبفضل دراستها للموسيقى امتازت بأذن موسيقية سليمة، لدرجة أن الفنانة الراحلة شادية قالت إنها كانت تستمتع أثناء تسجيلهما لأغاني المسرحية سويًا داخل الإستوديو.
كانت تحكي دائمًا أنها لا تعتبر نفسها ناجحة في السينما، وتعتبر المسرح بيتها الأول والأخير، عشقها وحبها الأكبر، بالرغم من أنها شاركت في عدد من الأفلام الناجحة مثل أميرة حبي أنا، جناب السفير، أخطر رجل في العالم، استقالة عالمة ذرة، ليلة القبض على بكيزة وزغلول، ليلة عسل.
نجحت على الشاشة الصغيرة في عدة مسلسلات مثل وتوالت الأحداث عاصفة، عم حمزة، الشاهد الوحيد، قلب حبيبة، ولكنها اشتهرت بدورها الذي لا يُنسى في مسلسل بكيزة وزغلول، من خلال شخصية بكيزة هانم الدرمللي، وهو الثنائي النسائي الأشهر في التلفزيون حتى اليوم، رفقة الفنانة إسعاد يونس، فقد قدمتا مباراة في التمثيل والكوميديا، من خلال قصة حياة سيدتين على النقيض في كل شيء، تضطران للعيش سويًا في منزل واحد، بعد وفاة العشماوي زوج بكيزة ووالد زغلول.
المسرحية الشهيرة التي جمعت فنانين شباب وقتها وساهمت في أن يلمع نجمهم بعد ذلك، وهم عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي، رافقتهم “أبلة عفت” أو سهير البابلي على المسرح، ولم يكن دورها سهلًا داخل العمل، فهي تؤدي شخصية جادة وملتزمة ورزينة كمدرّسة فلسفة لطلاب مشاغبين، وكان عليها أن تتمالك نفسها أمام إفيهاتهم ومشاهد الكوميديا المليئة بها المسرحية، فهم يضحكون ويقلبون المسرح رأسًا على عقب؛ وهي تلتزم الصمت!.
يحكي عادل إمام عن أدائها داخل المسرحية، قائلًا: “لو ممثلة تانية غير سهير البابلي الرواية دي متنفعش، سهير البابلي بالذات”، مضيفًا: “مفيش شخصية تعمل مدرّسة بقيمة سهير البابلي”.
أبدعت في هذه المسرحية أمام الفنان أبو بكر عزت ورفيقتها إسعاد يونس، ودورها كان كوميديًا فأضحكت الجمهور طوال المسرحية، وكعادتها في عدد من المشاهد خرجت عن النص ولكن خروجًا محسوبًا، أضحك الجمهور الذي نسمعه أصوات ضحكاته عاليًا داخل المسرح، فضلًا عن المشاهدين في المنازل.
مسرحية كل عيد ومناسبة، مباراة في التمثيل والكوميديا والضحك بين عمالقة الفن شادية وعبد المنعم مدبولي، وبالرغم من نجومية شادية الطاغية وبراعة أدائها داخل العمل، وأيضًا الأستاذ “مدبولي” عملاق المسرح الكوميدي، إلا أن سهير حجزت لنفسها مكانًا بين الجمهور، وقدمت شخصية سكينة بخفة ظل متناهية خاصة مشاهدها مع الفنان أحمد بدير “عبد العال”، لدرجة أنها أثناء دخولها إلى المسرح في أحد المشاهد، نسمع صوت أحد المتفرجين يقول: “عظَمة على عظَمة على عظَمة”.
وإذا تركنا مشهد الأكل الشهير مع “عبد العال” وضحك المشاهدين عليه حتى اليوم، فلا ننسى مشهد تحيتها للجمهور في نهاية المسرحية، حيث ألقوا عليها الورود وسط تصفيقهم الحاد والمتواصل لدقائق.
من مسرحياتها التي تميزت بصبغة سياسية، من خلال دور “صفية” التي تعمل كمدرّسة في إحدى دول الخليج؛ لتكوّن نفسها وتساهم في مصاريف زواجها، ولكنها عندما تعود بعد عشر سنوات غربة وحرمان، تُفاجأ بزواج خطيبها من أخرى بهذه الأموال التي عانت في الحصول عليها، وشاركها البطولة كل من حسن عابدين وأحمد بدير وحسن حسني.
آخر مسرحياتها التي قدمتها عام 1992، وهي من المسرحيات السياسية، حيث قدمت دور عطية بائعة الصحف في كشك بالشارع، وقد اعتزلت سهير البابلي أثناء هذه المسرحية وارتدت الحجاب، وحاول مخرجها جلال الشرقاوي إثنائها عن هذا القرار وإكمال المسرحية إلا أنها رفضت، فاضطر إلى استبدالها بابنته عبير، ولكنها بالطبع لم تنجح في تقديم الدور مثل سهير البابلي.
بعد اعتزالها ابتعدت سهير البابلي عن الأضواء لسنوات، قبل أن تعود للتمثيل مجددا ولكن بالحجاب تلك المرة، في مسلسل “قلب حبيبة” الذي عُرض عام 2005، والذي أدت خلاله دورا جادا لأم صعيدية أصيلة، وكان آخر أعمالها مسلسل بعنوان قانون سوسكا صوّرته عام 2016، ولكنه لم يعرض بعد.