ابتسام كامل
اقتحمت كلمة التأمل حياتنا اليومية فجأة، وكأنها الحل لمشاكلنا وضغوطات حياتنا العادية! تجسدها الأعمال الدرامية بالسينما والتليفزيون.. وتفرد لها الصفحات بالمجلات والجرائد.
بل صارت اليوجا وسيلة للاحتفال بمناهضة العنف ضد المرأة، مثلما رأينا الاحتفال بيوم اليوجا، الذي أقيم مؤخرا بجوار أهرامات الجيزة، تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي للمرأة، وبالشراكة بين مبادرة غالية من بنك الإسكندرية ومؤسسة ساويرس.
قابلنا دينا عمر، إحدى مدرسات اليوجا التي ينظر إليها المترددون في ستوديو مودرا يوجا بالزمالك، نظرة المنقذ الذي ينتظرونه لبدء تمارين التأمل! بصوتها الواضح الذي يميزها، وبساطة ألفاظها، ونطقها الصريح للحروف، كبعض علامات الشخصية الواثقة في نفسها! فسألناها إذا كان هذا تأثير التأمل وتدريس اليوجا؟
قالت “عمر”: بالتأكيد أضاف لي تدريس اليوجا أبعادا أخرى في شخصيتي، أهمها التركيز على توفير طاقة إيجابية للطلاب، والتعامل مع الطاقات السلبية التي أتلقاها منهم! وهو ما يستلزم بعض المهارات التي ساهم التأمل في الصوت والألفاظ المحددة، بمرونة وعقل منفتح لتوصيل المعلومات، مما ساعد على تحسين مهاراتي الشخصية في التعرف على المزيد من احتياجات الناس.
قالت دينا إن الإقبال على اليوجا ليس موضة في مصر، كما يُعتقد، وليس أمرا جديدا تماما، فقد لوحظ ازدياد أعداد الاستوديوهات التي افتتحت وأعداد المترددين عليها منذ عام 2011! نتيجة الحالة العامة التي كنا نمر بها، وأيضا نتيجة تأثير السوشيال ميديا، وعدد الڤيديوهات المتعلقة بالتأمل، وكم حققت إقبالا، ما جعل الكثير من الناس لا يترددون فقط على فصول اليوجا، بل ويرغبون أن يكونوا مدرسين أيضا!
ولا يمكن التنبؤ بأفعال وقرارات الناس أيضا، إذ أوضحت دينا قائلة: فهذا الصيف، كان من الطبيعي أن يتجه الناس لليوجا والتأمل بعد كورونا، رغبة منهم في التخلص من الاكتئاب والضغوط التي أصابت حياتهم، ولكن هذا لم يحدث! ربما لتخوفهم من الموجة الرابعة، أو بسبب سفرهم للمصيف الخاص؟ لا أحد يعلم!
وعن رأيها حول سر لجوء بعض مؤسسات التنمية لليوجا، كما فعلت مؤسسة ساويرس وغيرها للاحتفال بمناهضة العنف ضد المرأة، فقالت: بشكل عام، يقبل الناس على اليوجا من أجل الأوضاع والتمارين التي تساعدهم للحصول على الصفاء الذهني والسكينة التي تمنحها لهم، باعتبارها رياضة الروح والعقل والجسد التي تخلصهم من التوتر والقلق، فما بالك والبعض يحتفلون بنبذ العنف؟ فيدعون الناس للتخلي عنه من خلال تذوق القدرة على ضبط النفس من خلال اليوجا التي تحقق لهم ذلك، بالإضافة إلى منحهم الراحة من التعب الجسدي في بعض الأجزاء من أجسامهم مثل آلام الظهر! مثلما تحقق لبعضهم اللياقة البدينة بديلا عن الذهاب للچيم بتمارينه البدنية الشاقة!
أما ملاحظاتنا حول إقبال النساء أكثر من الرجال على اليوجا، فقالت دينا عمر: إذا اعتبرنا اليوجا تمارين، سنكتشف أن جمهورها من النساء أكثر! أما إذا اعتبرناها تدريبات وتمارين روحية، فيلجأ الجنسان إليها! مؤكدة أن الأمر لا يتوقف على جنس الإنسان، بل على الثقافة التي تحيطه والخبرات التي يمر بها.
تختلف وتتنوع أنواع اليوجا، أما أشهرها في مصر، قالت دينا: فهي الهاثا يوجا التقليدية مع اختلاف إيقاعها لأنها تعتمد على تمارين التنفس والتأمل، وهي التي خرجت منها كل الأنواع الأخرى… مثل اشتانجا يوجا، وبينجار يوجا، وأكرو يوجا، وأنوسارا يوجا، وبابتيست يوجا، وبهاكتي يوجا، وبيكرام يوجا، وفينياسا وبيناثا يوجا، وكارما يوجا.. وغيرها! والأشتانجا التي تعتبر بمثابة تمارين للجسم ويمكن علاج بعض مشاكل الجسد من خلالها! وبشكل عام، يمكن استهداف أكثر من نوع يوجا في جلسة واحدة بهدف علاج مشكلة ألم ما، أو مشكلة ضيق تنفس، أو لفك الشاكرات (مراكز الطاقة في الجسم).. إلخ.
وحول ما إذا كان المترددون على فصول اليوجا يبحثون عن السمو الروحاني؟ كما يعتقد البعض! قالت دينا أن السمات التي تميز شخصيات اليوجا والتأمل تكاد تكون موحدة في العالم كله! وأهمها أنهم غالبا يعملون تحت ضغط وظائفهم التي تستلزم التفكير والتوتر.. أو يعيشون في بيئات تعرضهم للضغوط الصحية والعصبية والنفسية، فيكونون في حاجة لممارسة اليوجا والتأمل والاسترخاء. أو يكونون من أتباع الديانات الهندوسية والبوذية التي تعتبر اليوجا والتأمل من صميم دياناتهم! وربما كان هذا السبب في الخلط بين اليوجا كممارسة ذهنية وممارسة روحية دينية!
وبصفة عامة، جميع المترددين غالبا ما يكونون شخصيات إيجابية وغير تقليدية، ومثقفين، وظرفاء ودودين، لديهم نموذج واضح للحياة التي يريدون عيشها. وتؤكد دينا أن أغلب من يتردد عليها من جميع الوظائف، كالأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، وغيرهم.
وحول تأثير مدرس اليوجا في تلاميذه، قالت: كل مدرس يوجا لديه اهتمام وشغف معين في التدريس، بالإضافة لأنه يعطي جزءا من ذاته وثقافته وتجاربه في الحياة!
أما هي.. فتقوم بإدارة حلقات علم النفس والعلاج النفسي، وتركز بشكل شخصي على المشاعر النفسية والأحاسيس الصعبة، مثلما تهتم في التأمل بفكرة الغفران، بناء على دراستها لعلم النفس! ولهذا تعتقد أن هجوم بعض رجال الدين المسيحي أو الإسلامي على اليوجا ليس إلا أفكار متطرفةّ؛ فاليوجا ليس لها علاقة بجوهر الأديان،
أضافت موضحة: بالعكس، أنا شخصيا صرت مسلمة أفضل بعد اليوجا التي ساعدتني على التركيز في الصلاة! صحيح إن الشخص لا يحتاج لليوجا ليصير متدينا، ولكن التأمل يجعلنا أكثر تسامحا وتقبلا للآخرين! حيث يتعلم الإنسان كيف يركز ويصفي ذهنه ويروض العقل الأشبه بالقرد الذي يتنطط من فكرة لفكرة! ويساعده على توسيع الوعي بدون مشاعر أو أفكار تشتته، مثلما يساعده على الرؤية في الاستجابة للأحداث التي حوله، فلا يتصرف بناء على رد الفعل!
اختارت دينا عمر، أن تكون مدرسة يوجا، تحقيقا لشغفها في التعرف على سر قدرة الإنسان في السيطرة على انفعالاته ومخاوفه وغضبه؛ وذلك منذ قضت وقتا عصيبا في فترة الثانوية العامة! فبدأت تتردد على المركز الثفافي الهندي، ودرست به اليوجا لمدة عامين، وهناك، شجعتها مدربتها على المزيد من الدراسة وأخبرتها أنها مؤهلة للتدريس! وثانية ما استمرت دراستها لعامين آخرين، حتى بدأت تمارس دورها كمعلمة منذ عام 2006 لوقتنا هذا!
وما إذا كانت هناك علاقة بين اليوجا والبرمجة اللغوية العصبية والتنويم المغناطيسي، قالت دينا أن هناك نِقَاط مشتركة بينهم، وأحيانا ما تقوم هي بدمج بعض التدريبات الخاصة بكل فرع منهم في خطة علاجية معينة ضد الاكتئاب مثلا، كأن تلجأ للتنويم المغناطيس، أو تمارين PMR (استرخاء العضلات التدريجي)! فكل ما له علاقة الجسد، له علاقة باليوجا!
ورغم أنها مُدرسة يوجا، إلا أن القلق والتوتر والاكتئاب قد يصيبها أيضا، فتقوم بمساعدة نفسها من خلال التأمل وتمارين النفس! إلا إذا تطلب الأمر مساعدة من أحد زملائها؛ نظرا لوجود ما يعرف بالبقع العمياء داخل النفس التي لا تجعل صاحبها واقعيا في معالجة نفسه! فتعلمت اللجوء لرياضة الجري الموصى بها لمعالجة الاكتئاب.
كما تقول إحدى الدراسات، التي أكدت أنه يساعد بنسبة 40% على التخلص من هذا المرض، نظرا لوجود ارتباط بين الجسد والعقل، فالجسد المتعب لا يكون مزاجه سليما، والعكس صحيح، ولو مزاج الإنسان فيشعر الإنسان بالتوتر، وإذا صار توتره مزمنا يصبح عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكر.
وحول معنى مودرا يوجا Mudra Yoga، قالت: هي تمارين التنفس والتأمل التي تتم من خلال استخدام اليد، وهي معروفة في الثقافة الصينية والبوذية والهندوسية التي تؤمن بتدفق الطاقة إلى الجسم وتحفيز مناطق مختلفة من الدماغ، حيث أن كل إصبع يتوافق مع عنصر واحد من عناصر الطبيعة، وهي الماء والهواء والتراب والنار والفضاء.