إيمان مندور
في بداية دخول الفنان هاني شاكر لمجال الغناء قيل إنه لعب على أرضية الخلاف المفتعل بينه وبين الفنان عبد الحليم حافظ، والتأكيد على أن العندليب يحاربه، ولمّا لم تفلح هذه الخطة دأب يعلن للناس أنه أستاذه وتعلّم منه الكثير، حتى تردد أنه “خليفة العندليب”، وكان يصر على تقديم أغانيه باستمرار في حفلاته، ولمّا سئل في حوار صحفي قبل نحو 20 عاما، عن سبب ذلك الإصرار، أجاب: “لا يوجد أي مطرب يستطيع تقديم أغاني عبد الحليم سواي، كما أن الجمهور أحبني في أغانيه”.
الجانب الآخر للقصة كشفه الملحن سيد إسماعيل في نهاية التسعينيات، حين أكد أن العندليب تأثر في بداية ظهور هاني شاكر، لذلك جاء بالراحل عماد عبد الحليم وأشركه معه في الحفلات ليكون ندًّا لهاني، وصرّح وقتها لـ”سيد”، عندما جعله مديرا فنيا لحفلاته بعد موت عرابي وكيل الفنانين، أنه جاء بعماد عبد الحليم في الحفلات “عشان يبقى عيل قصاد عيل”، أي حتى لا يوضع اسمه في مقارنة مع هاني شاكر أصلا!
السؤال هنا: المطرب الذي كانت طريقة التعامل معه هكذا في البدايات.. كيف أصبح موقفه من الوجوه الجديدة بعد أن وصل للنجومية؟
“زحمة الأصوات التي نعيشها الآن تركت أثرا وانطباعا سيئا، ليس كل من يغني يعد مطربا، ليس كلهم لديهم الموهبة التي تؤهلهم إلى أن يمتهنوا هذه المهنة التي تحولت إلى تجارة للأسف.. الآن يسمح لأي شخص بالظهور والغناء، كان زمان من يغني في الإذاعة والتليفزيون يمر أولا بمشوار طويل.. لكن للأسف المسألة الآن أصبحت سهلة”.
هذا ليس تصريحا جديدا للفنان هاني شاكر، بل من حواره بصحيفة الأهرام بتاريخ 10 أبريل 1999، حيث انتقد تواجد الكثير من الأصوات الجديدة على الساحة الفنية، وتقديم شركات الكاسيت لعدد كبير من المطربين، مطالبا بتوقف الإذاعة والتليفزيون عن تقديم إعلانات لأي صوت جديد، بل لا بد أن يكون صوتا له خبرة وتاريخ فني، وأن تكون هناك لجنة استماع تجيز الأصوات التي تتقدم للغناء، وأن يكون اكتشاف وتقديم الأصوات الجديدة عن طريق الملحنين الكبار مثلما كان يحدث في السابق، وليس من خلال شركات الكاسيت التي أصبحت تقدم عشرات الأصوات سنويا!
هذا ما اقترحه هاني شاكر للتعامل مع المطربين المبتدئين حينما وصل هو للنجومية قبل أكثر من 20 عاما، وقبل أن يتوقع أنه سيكون نقيبا للموسيقيين أصلا…
السؤال هنا: النجم الذي تبنى هذا الموقف ضد الأصوات الجديدة التي لا تعجبه.. تُرى ماذا سيفعل معهم حين يصبح نقيبا عليهم؟
بالعودة للوقت الحالي، نجد نفس الموقف بنفس التصريحات، مع تبدل الأحداث والأبطال بالطبع، فلا شيء يتغير أبدا سوى اختلاف أسامي الأبطال، أما القصة فواحدة ومتكررة، لأن كلا منهم يقوم بنفس الدور بحذافيره حين يصل للبطولة والنجومية.. أو المنصب! فهاني أصبح النقيب وليس الوجه الجديد، ومطربو المهرجانات هم أحدث أفراد الساحة الفنية والأكثر انتشارا.. النقيب يعتبرهم “عيال”، وأن مهمة النقابة الحفاظ على الفن المدعوم بالسلوكيات والأخلاق القويمة، وهم يرونه يحاربهم بلا مبرر، بل يعتبره البعض “غيران” من انتشارهم السريع بين الجمهور، على اختلاف فئاته وطبقاته.
بخلاف أن هاني شاكر لم يتغير موقفه تجاه الأصوات الجديدة، فما قاله قبل 20 عاما لا يختلف عما يقوله اليوم أيضا، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كونه يعتبر نفسه وصيا على الغناء، بل ويضع حدودا وهمية لكلمة “الفن الراقي”، التي هي بالأصل كلمة مطاطة لا تعريف واضح لها، فضلا عن كونه لا يجيد إدارة أزمته إعلاميا مع مطربي المهرجانات، وبالتالي حتى مبرراته المنطقية في بعض القضايا لا تلق رواجا، بل تصل أحيانا بمعنى معكوس، فما بالنا بقرارات المنع غير المبررة في أوقات كثيرة؟!
الرجل بدلا من أن يصدر للجمهور صورة عن النقابة تدل على أنها تستوعب جميع الأطياف والمواهب الغنائية، بدليل أنه مسموح لعشرات مطربي المهرجانات والراب بالغناء هم فلان وفلان وفلان، ويتم منحهم تراخيص مزاولة المهنة بدون تعنت، نجده يجدد قرارات المنع التي أصدرها قبل سنوات تجاه مطربين توقفوا عن الغناء أصلا، ويصدرها للإعلام في بيانات رسمية صادرة عن النقابة، وكأنه يريد التأكيد على أنه يمنع أكثر مما يمنح!
في الحقيقة، الخطر ليس على مطربي المهرجانات أو غيرهم، فهذا منع وهمي، لأنه في زمن الإنترنت لا يمكن منع أي شيء أيا كان، لكن الخطر الحقيقي على التاريخ الفني لهاني شاكر الذي تضاءل حجمه كثيرا إلى جوار أزماته مع المطربين الجدد، فحين يتم ذكر اسمه، لم يعد يتبادر للذهن الأغاني الرومانسية والابتسامات والقبلات التي كان يوزعها على الجمهور طوال حفلاته، بل خلافاته مع مطربي المهرجانات ومنعه لهم من الغناء.
وبالتالي، لا يهم من سيخرج منتصرا من معركة النقابة والمهرجانات، سواء كان هاني أو المطربين الجدد أو المؤيدين لهذا أو ذاك، لأن الجمهور فقط هو من سيحدد إلى من سيستمع في النهاية، حتى ولو كان ممنوعا، المهم أن يخاف هاني شاكر على تاريخه من ذاكرة الجمهور “الانتقائية”، التي عادة ما تختصر سير المشاهير في مواقف وقصص بعينها.. قد لا يكون لها علاقة بما قدموه من فنون وإنجازات أصلا!