أحمد الضبع
تركت الفنانة سهير البابلي سحابة من المحبة غمرت قلوب المصريين؛ ليتصدر اسمها عناوين الأخبار، وتتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة عزاء عقب إعلان خبر وفاتها، مساء الأحد، عن عمر يناهز 86 عاما، بعد صراع مع المرض، وجهاد مع النفس ورحلة فنية ثرية تليق بسيدة أحبت الله فأحبها وحبب فيها خلقه.
«إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء».. هكذا عبرت الراحلة عن علاقتها بربها، وهدايتها إلى ارتداء الحجاب وحفظ القرآن الكريم واعتزال التمثيل الذي كان شغفها الأعظم، لكنها زهدت فيه واختارت طريق آخر بعيدًا عن حياة الثراء والأضواء.
سهير البابلي التي كانت تعشق المسرح وتتمنى الموت على خشبته، كرهته فجأة، إذ ناجت ربها «رب كرهني فيه واجعله شيطانا بالنسبة لي» أثناء أداءها العمرة وهي ساجدة تبكي من خشية الله، تقول «شعرت بأن هناك هاتف يوحي لها بهذا الدعاء».
وبعد عودتها من العمرة في التسعينيات اعتزلت المسرح وغابت عن الساحة الفنية؛ لتذهب إلى السعودية، وعاشت هناك لمدة عامين تفرغت خلالهما للعبادة والتقرب إلى الله، وبين الحين والآخر تعود إلى مصر لرؤية ابنتها نيفين الباقوري التي قرأت القرآن وارتدت الحجاب أيضا قبل أن يتجاوز عمرها 17 عاما.
كانت رغبة داخلية تحركها لاكتشاف نفسها ودراسة شخصيتها والتعمق في أمور دينها، فتبرعت بكامل ثروتها، لتعيش حياة الفقراء وتتاجر في العباءات كبديل عن الفن، لكنها فشلت في ذلك واضطرت للعودة مرة أخرى إلى الفن -وهي ترتدي الحجاب- في عام 2005 بعدما تأكدت أن الفن ليس حرامًا طالما لم يتضمن أشياء محرمة.
ولم تكن سهير البابلي ترى أن الفن محرمًا لذاته بل كانت تعتقد أن هناك أفعالا محرمة، وفي إحدى لقاءاتها التلفزيونية ردت سهير على سؤال المذيعة «هل العمل بالفن حرام شرعا؟» قائلة: «سألت الشيخ الشعراوي وقالي آه، بس التمثيل نفسه مش حرام، وضحّي للناس قولي حاجة تعلّم الخلق مش بوس وأحضان والحاجات اللي انتو بتعملوها دي، ومن ساعتها وأنا مبعملش أي حاجة.. والله يا بنتي ربنا بيوسعها عليكي أوي كفاية إني بنام سعيدة».. ذلك ما كانت تؤمن به نجمة المسرح والسينما المبدعة التي ستظل ذكراها ومسيرتها الملهمة حاضرة في أذهان الملايين.
ومن المواقف التي تبرز مدى تعلق الجمهور بـ سهير البابلي، ظهور سيدة -منذ يومين- عبر فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تقول إنها حفظت القرآن ودرست العلوم الشرعية بعدما شاهدت لقاء تلفزيوني لـ«سهير» مع الداعية عمرو خالد في إحدى حلقات برنامجه بعنوان «حب الله للعبد»، وبعد انتهاء اللقاء انهارت السيدة بالبكاء من صدق حديث سهير، وظلت تداوم على الصلاة والتقرب إلى الله منذ 20 عاما.
جسدت ابنة دمياط التي ولدت في 14 فبراير 1937 العديد من الأدوار السينمائية والدرامية والمسرحية، أبرزها دورها في مسرحية مدرسة المشاغبين، رفقة عادل إمام، وسعيد صالح، وأحمد زكي، ويونس شلبي، إذ كانت «أبلة عفّت» صاحبة أشهر «إفيه» في تاريخ المسرح المصري، حينما قالت الجملة الشهيرة لـ سعيد صالح الذي يمثل دور الطالب مرسي «هقطعهولك من لغاليغو» مهددة الولد الشقي بسبب شغبه في الفصل قائة: «جاوب بلسانك.. مقطوع؟ ولا أجي اقطعهولك من لغاليغو؟»، ليرد عليها عادل إمام مندهشا:«أنت جبتي لغاليغو دي منين».
أما المفاجأة التي كشفها الفنان سعيد صالح بنفسه فهي أن الحوار الذي دار بينهم في هذا المشهد كان ترجلا وغير متفق عليه في المسرحية، وأصبح اللفظ الذي خرجت بعه سهير أيقونة مسرحية إلى وقتنا هذا.
وجسدت سهير أيضا شخصية بكيزة هانم الدرملي في «ليلة القبض على بكيزة وزغلول» ودور سكينة في مسرحية «ريا وسكينة»، وناظلي في فيلم «ليلة عسل»، إضافة إلى عشرات الأدوار التي عبرت فيها عن فنها الراقي وموهبتها الاستثنائية أهلتها للفوز بمحبة واحترام الجمهور، لدرجة أنها عندما أعلنت الاعتزال تجمهر معجبوها أسفل منزلها وأغلقوا شارع جامعة الدول العربية، مطالبين بعودتها مرة أخرى.
تزوجت سهير البابلي 5 مرات، أولها من محمود الناقوري في عمر 16عاما، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة نيفين، لكنها حصلت على الطلاق بعد فترة وجيزة بسبب اعتراضه على عملها في الفن، وتمسكه بضرورة رعاية شؤون المنزل، ثم الملحن منير مراد -شقيق ليلى مراد- الذي أسلم ليتزوجها، وبعدها تاجر المجوهرات أشرف السرجاني، وبعد وفاته تزوجت سهير من رجل الأعمال محمود غنيم، وكان آخر زيجاتها من الممثل أحمد خليل، وبعد انفصالها عنه قررت عدم الزواج مرة أخرى والعيش مع ابنتها الوحيدة نيفين.
وحتى آخر أيامها كانت سهير تتذكر الموت وتذكر به، وتحرص على الدعاء وتقديم الصدقات للمحتاجين، لترحل نفسها المطمئنة إلى جوار ربها راضية مرضية بعد أن رددت الشهادة وتحققت أمنيتها بألا تموت على خشبة المسرح.. فسلاما طيبا ووردة أيتها النبيلة.