إيمان مندور
قبل أكثر من 20 عاما اتصل الدكتور محمد نور أستاذ جراحة العظام بنيويورك بالكاتب الصحفي الكبير منير عامر، ليسأله عن “واسطة” لتعيين ابنة أخته -التي تخرجت في كلية الإعلام- في الإذاعة والتليفزيون!
قبل هذه المكالمة كان منير عامر يتحدث مع صديقه حسن حامد رئيس قطاع القنوات المتخصصة آنذاك، والذي وضع قواعد محددة لعمل المذيع أو المذيعة معه مُذ كان رئيسا لقناة النيل الناطقة باللغة الإنجليزية. وعلم منه منير عامر أن القواعد التي وضعها لا تزال سارية، وهي أن يكون المذيع مقبول المظهر، ناجحا بدرجة جيد على الأقل في كليته، قادرا على أن يذيع باللغة العربية وبجانبها لغة أخرى.
المهم أن منير عامر تعجب من طلب الواسطة، بل وأقسم في إحدى مقالاته بمجلة “صباح الخير” أنه لم يفعل ذلك، بل لم يتوسط عنده حتى لابنه، فقد خاض الشاب شريف عامر كل اختباراته بتفوق ملحوظ، وعمل تحت قيادة حسن حامد ليتعلم منه كيف يكون المذيع وحدة متكاملة، بدءا من قدرته على تصوير برامجه، مرورا بقدرته على صياغة نشرة الأخبار بلغتين هما العربية والإنجليزية، وغيرها من الأمور.
شريف اختار العمل الإعلامي وترك العمل کمرشد سیاحي رغم وفرة الدخل الذي يزيد أضعافا مضاعفة عن مرتب المذيع آنذاك، ورفض العمل في أكثر من شركة من شركات القطاع الخاص، بل رفض حتى التقدم لامتحان السلك السياسي، رغم أن والده كان يتوقع له نجاحا ملموسا فيه.
لذلك اعترف الأب بأن أكثر شيء يعجبه في نجله المذيع الصاعد بخلاف اجتهاده وأخلاقه، أنه لا يفضل حتى أن يقول اسمه كاملا، لأنه يعتز تماما بقدراته و”لا يريد لظل الأب أن يسقط عليه بأي شكل من الأشكال”، على حد تعبيره.
مرت السنوات، وأثبت شريف أنه نجح بموهبته بالفعل لا بالواسطة، وأصبح مشهودا له بالمهنية ودماثة الخلق والأداء الإعلامي الاحترافي، إذ لم يتأثر بسخونة نقاشات برامج التوك شو في أوج انتشارها، فبينما كان الجميع يبحث عن مواضيع ليشعل بها الرأي العام، كان شريف يهدئ من حدة المواضيع المشتعلة أساسا، وذلك بمناقشتها بهدوء مع أطراف الأزمة والمختصين، دون استخدام البرامج والقنوات كمنابر للتصريح عن آرائه الشخصية، ودون الاستعانة بـ”المقدمات النارية” والجمل الرنانة التي يستسيغها معظم الإعلاميين.
بالتأكيد هذا ليس رصدا لمسيرة شريف عامر ولكن تذكير سريع بتاريخه المهني، لأنه من المهم عدم نسيانه عند تناول أزمة استضافته ليوسف سوسته مطرب مهرجان “شيماء” الشهير، الذي تصدر تريندات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
مطرب المهرجانات الذي تحدث عبر أكثر من قناة تلفزيونية شهيرة، وعبر العديد من المواقع الإلكترونية، لم يكترث البعض بكل هذا الظهور وحصروه فقط في حواره مع شريف عامر عبر قناة “mbc مصر”، واتهموا المذيع بـ”ركوب التريند” والمساهمة في نشر الإسفاف والفن الردئ، رغم أن الحوار كان لمناقشة الظاهرة ككل وليس الترويج لأغنية أو شخص بعينه.
بشكل شخصي، لم أحبه فيه، لأني اعتادت متابعته في حوارات ومواضيع أكثر أهمية، فضلا عن كوني أؤمن أن المنابر الإعلامية الكبرى لا تصلح لكل من هب ودب من عاشقي الشهرة، الذي يفعلون أي شيء وكل شيء لمجرد توجيه الأضواء نحوهم، لكن يظل هذا انطباعا شخصيا بحتا لا يُبنى عليه اتهامات حقيقية تجاه المذيع ولا يقلل من شأنه، خاصة أن كل ما فعله أنه تناول “ظاهرة” شغلت ملايين المشاهدين، من خلال استضافة مطرب الأغنية وإلى جواره خبيرين في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لمناقشة سبب كثرة هذه الظواهر المؤقتة، أي أن اللقاء بالأصل ليس لتلميع نجم الأغنية بل لمناقشة وتحليل ظاهرة لا ينكرها أحد.
لكن يبدو أن الواقعة تم حصرها في الاستضافة بحد ذاتها وليس النقاش والتناول ككل، رغم أن الرجل معروف عنه أنه لا يروج للإسفاف ولا يحرض الجمهور عليه، وبالتالي من الظلم تجاهل تاريخه المهني الممتد لنحو 25 عاما، وحصره فقط في فقرة حوارية من إحدى الحلقات، أيا كان الضيف محل الخلاف فيها.
الخلاصة، من حق الجميع الاتفاق أو الاختلاف حول محتوى اللقاء المثير للجدل، ومن حق الجميع أيضا نقد أداء شريف عامر وكل من يتصدر للعمل العام سواء بالسلب أو الإيجاب، فمن يراه مخطئا هذه حقه، ومن يراه على صواب هذا حقه، المهم إدراك أن هذا الحق في النقد والتعبير لا يهدر مسيرة صاحب أي واقعة، فالإنسان يُحاسب على مجمل أعماله في النهاية، والمجمل هنا في حالة شريف عامر لصالح الإيجابيات..
لذلك حتى وإن اعتبره البعض مخطئا في استضافة أحد الأشخاص، فهناك مئات الحوارات الجيدة الأخرى التي تشفع له، بل ربما يكون الإعلامي الأكثر مهنية في وقتنا الحالي.. أو على الأقل حتى الآن!