إيمان مندور
في لقاء حصري استمر ما يقرب من ساعتين، حاور الإعلامي عمرو أديب، محمد صلاح لاعب فريق ليفربول ومنتخب مصر، في لقاء هو الثاني بينهما بعد أكثر من 3 سنوات، وهو ما ركز عليه مقدم اللقاء في حديثه، موضحا أنه يرصد هذه المرة التغيرات التي طرأت على صلاح خلال تلك الفترة الزمنية بين اللقاءين.
المتابع للحوارين، الأول والثاني، يدرك التغيرات التي طرأت على الضيف وعلى المذيع نفسه، فعمرو أديب مذيع ليس سهلا على الإطلاق، يستخدم أسلوب المزاح في كثير من الأوقات، لكنه يمرر من خلاله أسئلة وإشارات يصعب على غيره توجيهها بهذا الذكاء، لكنه هذه المرة سيطر عليه شعور “الانبهار” طوال الحوار، وترك المساحة للضيف دون مراوغته بالأسئلة الملغمة.
عمرو أديب الذي ينبهر به أغلب ضيوفه لمجرد اللقاء معه، تحول الأمر معه للنقيض، بل وصف المقابلة بأنها ليست سهلة، واستغرق الإعداد لها شهورا، نظرا للأهمية الكبيرة للضيف. استعداد عمرو للحلقة يتضح في الفرق بين اللقاء الأول له مع صلاح مطلع مايو 2018 عبر قناة ON، واللقاء الثاني عبر قناة “mbc مصر” بالأمس، ففي الأول كان يمسك بورق الأسئلة في يده، يتعامل مع الحوار كأي حوار عادي يجريه في برامجه، بدون أي مبالغات في التقديم حول الضيف، حتى طريقة الأسئلة لا تختلف كثيرا عن أي ضيف آخر، بالإضافة لكونه كثيرا ما كان يقاطع صلاح أثناء الإجابة.
أما بالأمس فكان مستمعا جيدا.. ربما على غير العادة، ولم يضع أي أوراق أمامه، وكان مستعدا بالأسئلة في ذهنه، كما أنه لم يتعامل مع صلاح كأي شخص آخر استضافه من قبل، لدرجة أنه عبّر أكثر من مرة عن سعادته الكبيرة بالحوار معه، واستمر في الإشادة به وبموهبته وتطوره الشخصي والمهني في مقدمة استمرت 9 دقائق متواصلة من المدح والفخر بإنجازاته.
أما حديث محمد صلاح الذي تطرق فيه لجوانب مختلفة في حياته، ربما لم يتحدث عنها من قبل، لم يلفت انتباه الجمهور منه سوى رده على موقفه من شرب الخمر، وأنه لم يفكر في شربها أصلا ولم يرغب فيها من قبل، لكن يبدو أن البعض أرادوا منه توجها “كلاميا” مختلفا، رغم أنه “سلوكيا” يتوافق تماما مع صحيح الدين والأخلاق، وهذا هو المطلوب أصلا.
المهم أنه بعيدا عن هذه النقطة التي ركزت عليها الصحافة بكثافة، وبالتالي انشغل بها الجمهور، إلا أن الحوار كان ثريا بالفعل، وغير ممل حتى للمشاهد غير المتابع لكرة القدم، ويمكن من خلاله رصد جوانب مختلفة عن محمد صلاح، ليس فقط من خلال ما قاله، لكن من خلال تصرفاته في اللقاء، فقد كان حريصا كالعادة على الحديث باللغة العربية فقط دون إقحام أي كلمات أجنبية، ربما باستثناء كلمة “mentality”، التي ذكرها ردا على من هاجموه بسبب الموقف الذي قيلت فيه، وعندما شرحها بالأمس استبدلها بكلمة “عقليتنا”، لأن ما يهمه المعنى وليس الكلمة في حد ذاتها.
الفكرة ليست في عدد الكلمات الإنجليزية التي يستخدمها، ولكن في حرصه على الحديث باللغة العربية دون الاستعانة بأي كلمات أجنبية في حوارته مع وسائل الإعلام العربية، عكس ما يفعله بعض النجوم الآن، فبالرغم من أنهم يعيشون في مصر، ويتحدثون مع مصريين، وتكون اللقاءات على قنوات مصرية ولا يعرفهم أحد في الخارج أصلا، لكن لا تكاد تمر جملة بدون استخدام كلمات إنجليزية، وكأنها دليل على الرقي!
وبما أننا أشرنا للنجوم، فلا بد أن نستدعي ما قاله نجم ليفربول عن الشهرة، وأنها علمته أن يصبح أكثر هدوءا، وأن يكون متصالحا مع نقصان مساحة حريته الشخصية في التنقل والحركة بسببها، فمحبة الناس لا تُقابل إلا بردود فعل هادئة.. “الشهرة علمتني أبقى أكثر هدوءا.. الناس لما بتشوفك بتبصلك كفرصة اللي هو لو يطول يشيلك ياخدك البيت.. فلازم تتعامل بهدوء وتتفهم ده، لأن طبيعي الشهرة تقلل مساحة حريتك الشخصية”.
أيضا هذا الخطاب يتناقض مع ما يردده كثير من المشاهير، لا سيما نجوم الفن، الذين كثيرا ما يتأففون من التفاف المعجبين حولهم، وأنهم في معاناة دائمة بسبب فقدان جزء كبير من حريتهم بسبب الشهرة، وكأنهم لم يبحثوا عن الأضواء ولا يعلمون ضريبتها، بل ويطالبون الجمهور بتحمل ضريبة الشهرة عنهم وليس العكس!
في حواره الصريح للغاية، كشف محمد صلاح سر نجاحه بوضوح، أو بالتحديد 3 أسرار أساسية في الوصول لما هو عليه الآن، أولها أنه يبحث دوما عن تطوير نفسه ويغير من نفسه ومفاهيمه وخبراته ومهاراته، ولا يقتنع أبدا بأن يقف عن نفس النقطة دوما، بل أكد في جملة عابرة للمذيع أنه لو قابله من أسبوع كان سيجده بشخصية مختلفة عن تلك التي يراها اليوم، وهو السبب الذي أرجعه لابتعاد كثير من اللاعبين المصريين عن الاحتراف، وفشل البعض عند المحاولة، بأنهم لا يستطيعون التأقلم أو تغيير طريقة التفكير والحياة بشكل مستمر لما هو أفضل.
“اللي عايز يحقق أفضل من اللي أنا عملته، هيبقى شخص عنده طموح وإرادة وقدرة على التطوير والتغيير وعايز حاجات أكتر من اللي أنا عوزتها”.. طريقة واضحة وصريحة وتنطبق على الأشخاص والمجتمعات على حد سواء، فلن يرتقي مجتمع دون تغيير العقل الجمعي له، ودون رغبة من أفراده في التغيير، ودون محاولات مستمرة للتغيير للأفضل.
لكن الأهم من تلك الطريقة، هو الثقة الكبيرة التي يحملها الشاب، والتي تشكل السر الثاني من أسرار نجاحه، فقد وصل لمرحلة أنه لا يحتاج لإثبات شيء لنفسه حتى وليس للأخرين، ويدرك يقينا في نفسه أنه أفضل لاعب في العالم.. “مش محتاج اعمل شيء معين أو تصرف معين عشان أثبت حاجة لنفسي أو لحد.. أنا بطور من عقليتي وتفكيري ومنضبط في حياتي عشان عاوز ده”.
أما السر الثالث فقد انتقده البعض بسببه أيضا، حين تحدث عن كونه يحاول الابتعاد عن السوشيال ميديا، وعن الآراء السلبية التي تكتب خلالها.. “بحاول متابعش اللي بيتكتب عني ويتقال فيا.. مش عايز أعرف أصلا أي حاجة.. عندي أهداف معينة بسعى ليها وبس”… هذا السر الأهم والأخطر فآراء الناس ليست مرشدا على الدوام، بل كثرة الالتفات لها تكون حجر عثرة في أوقات كثيرة وتؤخر الإنسان عن الوصول لأفضل مما هو عليه، لذلك ربما سبب النجاح الأكبر لمحمد صلاح أنه لا يلتفت لأي شيء سوى تطوير نفسه فقط.
حوار محمد صلاح مع عمرو أديب ليس مجرد حوار مع لاعب كرة قدم ناجح، لكنه حوار مهم يجب مشاهدته لغير متابعي الرياضة حتى، لإدراك مدى قدرة الإنسان على تغيير نفسه للأفضل دوما، ومن المعيب ونقص التفكير حصره في مجرد سؤال ساخر من المذيع عن الخمر وموقف اللاعب منها، وهو ما استشعره اللاعب بذكائه في نهاية الحوار.. “أنا كل ما بعمل لقاء بيطلع عيني بعدها شوية بس أنا مبخافش وبقول الصراحة، وأتمنى الناس متركزش على حاجة سلبية أو تاخد حاجة سلبية واحدة، أتمنى الناس تاخد الموضوع ككل لأني اتكلمت من قلبي وبصدق!”.
في النهاية، محمد صلاح ليس زعيما دينيا أو سياسيا، الرجل يروج لشخصيته ككل بسلوكياته، والتي لا ينفصل عنها دينه وجنسيته ورياضته واسمه ونسبه وكل شيء عنه، كما أن عدم التفكير أصلا في إتيان أمر محرم عبادة في حد ذاته، مثلما أوضحت دار الإفتاء بالأمس، لذلك إجابة محمد صلاح لا تحتاج لمزايدات بقدر ما تحتاج لجمهور واع لرؤية شخصيته ككل، وعقول مشغولة بأمور أخرى بخلاف الجدال والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشخاص لا يحكمون على تدين غيرهم بمجرد الكلام.. الذي ما أسهله!