يستحق الرابع عشر من أغسطس أن يسجل كيوم تاريخى وفاصل فى مسيرة هذا البلد. لحظة ألقى القبض على توفيق عكاشة أو «اختطفته فرقة خاصة من الداخلية تابعة للوزير مجدى عبد الغفار»، كما قال بيان قناته «الفراعين»، مستنكرًا تزامن ذلك مع ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية.
البيان وما أعقبته من تعليقات محبّى عكاشة وأفراد معسكره اعتبر ضبط «صرح مصر العظيم» تطورًا مفصليًّا فى جبهة الثلاثين من يونيو، وعقابًا على انتقادات الرجل لرأس الجهاز الأمنى اللواء مجدى عبد الغفار، رغم أن أمر القبض عليه صادر فى قضية تبديد منقولات رفعتها طليقته التى خرجت مئات المرات على الشاشات وفى الصحف لتهاجمه وتطارده بالبلاغات.
بيان وزارة الداخلية وتفسير إجراءات الضبط وأسبابها لم يتأخر كثيرًا كما حدث مع عشرات المواطنين الذين اختفوا قسريًّا وظهروا بعد ذلك فى أقسام وسجون الشرطة دون توضيح أو تعليق أو حتى اتهامات تستدعى التحقيق، جاء البيان بعد دقائق ليصف عكاشة بالدكتور ويسرد الأحكام النهائية واجبة النفاذ التى استدعت ضبط الرجل، لتنهال تعليقات أنصار عكاشة متهمة الداخلية ورجالها بنكران الجميل والتربص بالرجل وبدء عصر تكميم الأفواه! وتسفر عن تذكر قضايا قديمة فى هذا التوقيت.
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فرحابة صدر الدولة وأجهزتها وصلت إلى حد غير مسبوق. الصحف بدأت فى تغطية «مسيرة» قادتها والدة عكاشة باتجاه قسم مدينة نصر، والسيدة لم تتردد فى أن تسأل رئيس الدولة لماذا ألقوا القبض على ابنها.. هل انتهى دوره؟ ثم كانت حياة الدرديرى رفيقة درب عكاشة نجمة لعشرات الفيديوهات التى بدأت فى الظهور على مواقع التواصل الاجتماعى من محيط القسم وهى تهاجم وزير الداخلية وتستنكر الأيام التى تأكل فيها البلاد أسودها.
قبل أن تنقل الشرطة عكاشة من حجز قسم مدينة نصر إلى سجن طرة كانت الهتافات تعلو أمام أسوار القسم وداخله، والمتضامنون من متابعى عكاشة والعاملون فى قناته يتوافدون على المكان ويصرخون بأن سجنه يحرر الوطن، دون أن يخرج أحد ليعتبر ذلك اعتداء على الشرطة ومنشآتها أو عدم تقدير للحظة الراهنة من عمر الوطن، ولا تهديدًا للأفراد الذين يواجهون الإرهاب ويضحون بأرواحهم، ولا خرقًا لقانون التظاهر، لم تحتجز الشرطة أيًّا منهم لا نقول حتى محاكمتهم وإلقائهم فى السجون لأعوام كما حدث مع أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل.
بات عاديًّا ومنطقيًّا ولا يستدعى التوقف أو الاستفسار بعد هذا كله أن نرى اجتماعًا لوزير الداخلية مع أشخاص من دون صفة «لبحث أزمة توفيق عكاشة» ثم يخرج مصطفى بكرى ومرتضى منصور بعدها ليعلنا لنا أن الاجتماع تطرق إلى إمكانية الإفراج الصحى عن صديقهما المحتجز فى قضايا سب وقذف وتبديد منقولات، لم يخرج بيان رسمى للداخلية لينفى ذلك أو يؤكده ولا خرجت النيابة العامة لتصحح للناس أن العفو الصحى يصدر منها، لا من الداخلية أو وزيرها أو أصدقائهم.
بل اقتصر الأمر على مداخلة هاتفية لمساعد وزير الداخلية أبو بكر عبد الكريم، بعدها بثلاثة أيام قال فيها إن الاثنين طلبا زيارة المسجون، وهو أمر متاح لجميع المسجونين.. كانت معلومة جديدة نضيفها لكم.
المعارف التى اكتسبناها من واقعة توفيق عكاشة، فطلبات زيارات المحبوسين باتت تحدث فى لقاء خاص بوزير الداخلية.
ساعات قليلة مرت قبل أن يعلن القضاء تحديد جلسة لنظر استشكال عكاشة فى الأحكام الصادرة ضده فى التاسع عشر من الشهر أى بعد أربعة أيام فقط من القبض عليه. خطوة انتظرها متهمون آخرون فى السجون لستة أشهر، وآخرون فى قضايا أخرى يقضون أيامهم الأولى فى عام سجنهم الثالث دون حتى معرفة متى تبدأ إجراءات محاكمتهم، لكننا هنا نتحدث عن عكاشة الرمز الذى بات له أنصار ومندوبون ومحبون وأجهزة دولة تحتضنه حينًا وتخشاه حينًا، ويتحول إلقاء القبض عليه بسبب قائمة من الأحكام النهائية إلى خبر غريب يثير علامات الاستفهام والتساؤل والتفسيرات المؤامراتية.
نقلًا عن “جريدة التحرير”
.