رباب طلعت
انتهت الحلقات العشر من مسلسل “موضوع عائلي”، بطولة ماجد الكدواني، ومجموعة مميزة من الفنانين، والمذاع على منصة “شاهد vip”، وسط إشادات “حقيقية” وليست مصطنعة كالتي يختلقها البعض للترويج لأعماله، حيث إن العمل خلف ورائه حنينًا لأبطال العمل الذين مروا خفافًا على الجمهور، دون مط أو تكرار، وبكوميديا بعيدة عن الإسفاف، وبقصة أسرية نادرًا ما يتم تداولها عن علاقة الأب بأبنائه، بشكل خارج الإطار المعتاد.
وشعور الدفء الذي خلقه العمل في نفوس المشاهدين، له عدة أسباب، يمكن رصدها فيما يلي:
الأب والابنة.. قصة قصيرة بمشاعر كبيرة
علاقة “إبراهيم” بـ”سارة” الأب بابنته، أحد أهم عوامل الجذب للعمل، حيث إنها خارج المألوف من قصص الآباء والأبناء، حيث اعتمدت القصة على إخفاء إبراهيم أبوته لـ”سارة” التي تفاجئ هو الآخر بعد 20 عامًا أن لديه ابنة، لو تولد أمامه، ولم يربيها، ولكن المشاعر المتبادلة بينهما ظهرت خلال الأحداث فطرية للغاية، فحب الأب لابنته وحبها له لا يحتاج لسنوات لكي ينمو، وإنما يُقذف في القلب دون وعي أو إرادة منهما.
فـ”إبراهيم” عندما شاهدها للمرة الأولى، وبرغم خوفه من المسؤولية ورفضه لها، التزم الصمت في حضورها، وبدأ في تحمل أعبائها بشكل فطري رغمًا عنه، و”سارة” عندما احتاجت للدعم وجدته أقرب لها من خالها أو أي أحد آخر، ليس فقط لأنه كما أخبرته “لأنك المحامي بتاعي”، بل لشعور الاطمئنان والسكينة التي تشعر بهما في حضوره، كإنه سند حقيقي، لا تحتاج إلى اختبار متانته، فقط لجأت له دون تفكير.
تلك القصة، التي دارت حول المشاعر الحقيقية والكبيرة بين الأب والابنة، رابحة دائمًا، فيذكرنا ذلك بالالتفاف حول مسلسل “أبو العروسة” الذي يصور صناعه الجزء الثالث منه، حيث إن “دفء الأسرة” له مكانة خاصة عند المشاهد المصري، وزاد عليها هنا في “موضوع عائلي” أن الأمر تناول المشاعر الفطرية بعيدًا عن التقليدية في إبراز واجبات الأب تجاه أبنائه، فالمشاعر هنا تغلب.
وما زاد من تأثير القصة هو الإهداء الذي ذيل نهاية العمل، والذي كتبه المخرج أحمد الجندي، لوالده الفنان القدير الراحل محمود الجندي، الأمر الذي لمس مشاعر المشاهدين بشدة، ليس فقط لحنينهم للراحل، ولكن لتأثيره كأب على ابنه.
ظواهر العمل الكوميدية.. الكدواني ليس الوحيد
بمجرد طرح البوستر الرسمي للمسلسل، حاز تفاعلًا واضحًا للبطولة المستحقة للفنان ماجد الكدواني، الفنان الذي نضجت موهبته على “نار هادية”، فـ”الكدواني” بذل الكثير من الجهد الواضح والذي شهده الجمهور خلال سنوات عمله كنجم ثاني للأفلام التي قدمها بجوار نجوم من جيله كان هو أحد أهم أسباب الأعمال التي شاركهم فيها، وعلى رأسها ثنائيته مع كريم عبد العزيز، في كثير من الأعمال (حرامية في تايلاند، وحرامية في كي جي تو، ونادي الرجال السري)، وأحمد مكي في “لا تراجع ولا استسلام”، والثلاثية التي حققت صدىً واسع في رمضان 2021، من خلال ظهوره مع كليهما في “الاختيار 2” ليكشف عن جانب مختلف تمامًا عن الكوميديان الذي أحببناه، وهو الفنان “الثقيل” قدرًا وفنًا، فكان لظهوره طابع خاص، كشف مدى حب الجمهور له ودعمه لفنه، مما جعل خبر الإعلان عن أول بطولاته أمرًا يستحق الاحتفال.
لم يخيب “الكدواني” ظن جمهوره، بل أكد في “موضوع عائلي” أنه فنان “عارف بيعمل إيه” ويحترم جمهوره في اختياراته لأدواره التي يقدمها فهو لم يبتذل يومًا، أو يخلف توقعاتهم أبدًا، وقدم “إبراهيم” بصورة الأب الذي نعرفه ونحبه، ونجح في خلق ابتسامة على وجوه المشاهدين، من وسط قصة شديدة الألم في الحقيقة، بأن يعيش أب لعشرين عامًا دون أن يعلم أن لديه ابنة، وعندما يعلم بوجودها يتهرب من مسؤوليته اتجاهها، إلى أن تغلبه عواطفه نحوها، فيكتشف نفسه كأب من جديد.
ولكن نجاح العمل الكوميدي لم يتوقف على الكدواني فقط، فلقد كشف الغطاء عن مواهب بارعة، أبرزها سما إبراهيم، التي قدمت دور العمة زينب، التي نجحت بأن تصنع من البكاء مادة للضحك، لتستمر في إمتاع جمهورها، ورفع سقف توقعاتهم منها، بعدما نبغت في أكثر من من دور سابق لها، آخرهم كان “صباح” في “شقة 6” والذي لم يحظَ بالقدر الكافي من الإشادات إلا على مستوى بعض الفنانين كانت هي أولهم، وفي رمضان 2021، جذبت الجمهور بدور “أم بسنت” في “ملوك الجدعنة”، بالإضافة إلى “رئيفة” في “ما وراء الطبيعة”، مع أحمد أمين على “نتفليكس”، وهنا قدمت “زينب” الزوجة والأم والأخت والعمة التي نعرفها كمصريين جيدًا، التي تعالج كل أمور الحياة بطريقة “أحمرلك فرخة”، فالمطبخ التي تجيد التعامل معه جيدًا، طريقتها المثالية في التعبير عن حبها واهتمامها للآخرين.
وبالطبع، “رمضان” زوج “زينب” والذي جسده الفنان الرائع محمد رضوان، الذي فاجئنا بلقبه في الحلقة قبل الأخيرة “رمضان حريقة”، والذي نجح في خطف ترند “على الله حكايتك يا ست”، حيث نجح ببساطة شديدة في تحويل ذلك الإفيه الذي قاله الفنان أحمد العوضي في مسلسل “اللي مالوش كبير” رمضان 2021، ولكن بطابع خاص بعيدًا عن مواصفات “الرجولة” التي رسمها “العوضي”، حيث تحول هنا لإفيه كوميدي، لا يستطيع المشاهد تجاوزه، فيعلق في ذهنه ويردده بصوت “رمضان” بطريقة “مش رومانسية خالص”، ولكنها قناصة للضحك، والحقيقة أن “رضوان” ليس جديدًا على الساحة الفنية، فهو وجه مألوف لجيل الثمانينات والتسعينات من متابعي مسلسل “ونيس” حيث قدم دور “حلئوم”، في عمر أصغر، وكانت موهبته الفنية لافتة وقتها، وتتابعت أعماله، إلا أنه تم اكتشافه من جديد في “موضوع عائلي”.
الاكتشاف الحقيقي كان الفنان السوري، وأحد نجوم المسلسلات السعودية محمد القس، الذي قدم دور “غازي”، فعلى الرغم من قلة مشاهده نسبيًا، أو قلتها بما كان يطمح المشاهد من شدة إتقانه للدور، إلا أنه استطاع ترك بصمة واضحة جدًا، فلا أحد شاهد “موضوع عائلي” إلا وعلق في رأسه جملة له وأبرزها (مو مو مووو، وحبيبي حبيبي) والأخيرة تحديدًا التي علت عليها الضحكات في الحلقة الأخيرة حتى بدون ظهوره، من خلال “استيكر” أرسله إلى “خالد” الذي قدمه محمد شاهين، بعدما فجر له سيارته التي كات ابنته وزوجته يتجهان لها، فعلى الرغم من شره، وأذاه الذي لا حد له، كان “الاستيكر” كافيًا بأن تضحك دون توقف خلال الحلقة، لأنه أعاد ببراعة شخصية الشرير المضحك التي أحببناها في السينما المصرية (توفيق الدقن، ومحمود المليجي، واستفيان روستي، وعادل أدهم) وغيرهم.
طه الدسوقي أيضًا كان اكتشافًا، فمتابعي السوشيال ميديا يعرفونه جيدًا من خلال “الاستاند أب كوميدي” الذي يقدمه، وعلى عكس الكثيرين ممن يتم اختيارهم للمشاركة في أعمال فنية بناء على شهرتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كان “الدسوقي” موهوبًا حقيقيًا استحق التجربة، وقد لفت الأنظار له.
بعيدًا عن الترند ذلك الحب نريده
من خلال حلقات العمل، ظهرت 3 قصص حب ليست مثالية أبدًا، ولكنها طبيعية، وعادية، وواقعية، كان أهمها حب “إبراهيم” لـ”ليلى” التي جسدتها الفنانة أمينة خليل، ضيفة العمل، فعلى الرغم من عدم التقاء الثنائي أبدًا في مشهد واحد، حيث كانت تظهر له كطيف من الذكريات، إلا أن “نظرات” الكدواني لكل ما يخصها، كانت كافية لتعبر عن مدى حبه لها، بالإضافة إلى أن قصته مع شيرين رضا، التي ظهرت على هامش الحلقات، ونيته في الزواج منها في النهاية، انتشلت القصة من إطار “المثالية” النادرة، في أن يفني أحد الزوجين حياته بعد وفاة الآخر، لتصبح القصة أقرب للواقع.
واقعية القصة أيضًا كانت في إظهار عيوب “إبراهيم” فهو يحب “ليلى” بالطبع، ولكنه بالطبع يحتاج إلى تجارب أخرى، أو حب جديد، ولكنه كالعادة يتهرب من المسؤولية، ويهرب خوفًا من المواجهة والتحدي، بالإضافة إلى أنه “شخص عادي” وذلك يعيدنا إلى ما افتقدناه في الدراما بشكل كبير، بأن قصص الحب تنشأ بين بطلين “مفيش فيهم غلطة” كل منهم “فورمة وشيك” وخارج الشكل الدارج للعلاقات والأشخاص من الفئات المتوسطة في مصر.
علاقة حب “سارة” مع ابن عمتها “” كانت أيضًا لافتة لأن “حسن” ليس “الجان” التي تتلهف الفتيات للارتباط به، وليس غنيًا يسعى لكسب قلبها بالمفاجآت والورود والهدايا، تلك الصورة المزيفة التي روجها “الإنفلونسرز” مؤخرًا عن الحب، ولا ميزة له سوى أنه “بيحبها بجد”، ويحاول إرضائها ببساطته وشخصيته “طيبة الأصل”.
أما قصة حب “رمضان حريقة وزينب” فكانت هي القصة الأكثر كوميدية، وكأنها خرجت من عباءة قصص الحب التي أحببناها في الدراما من قبل على الرغم من بساطتها الشديدة، فتعيد مشاهدهما سويًا قصة “عبدالغفور البرعي وفاطمة”، تلك المدرسة الكلاسيكية في الحب “الشعبي” ولكنه ليس شعبيًا بإسفاف.