جمال الجمل يكتب: كيف تصنع صحيفة ناجحة؟

بوووم.

اهتزّت القاهرة قبيل الفجر على صوت دوي الانفجار، ونشطت الأسئلة على صفحات الإعلام الشعبي: هل سمعتم صوت الانفجار؟ أين حدث؟

وبعد دقائق، كانت الإجابة معروفة للساهرين: الأصدقاء في شبرا الخيمة أكدوا أن التفجير استهدف مبنى الأمن الوطني هناك.

شهادات، وصور، وتحليلات، وتكهنات عكس الاتجاه، وأحاديث عن تلفيق ومؤامرات، وكل شيء يمكن أن يُقال في أي اتجاه قيل.

ماذا يتبقى إذن للإعلام الاحترافي؟

لم يعد معقولًا ولا مقبولًا أن توزع الصحف في مثل هذا العصر بطريقة: «اقرا الحادثة»، فلا يليق بالصحافة أن تلوك ما سبق للجمهور مضغه.

يا له من تشبيه مقرف!

لا أحب أن أتخيله، وبالطبع لا أقبله لمهنة عملت بها سنوات طويلة، لكن المؤسف أن المهنة نفسها تقبله، وتقبل أسوأ منه، ولا تخجل وهي تعيد تدوير الأخبار التي تلقفتها من قراء تستهدفهم!

إنهم يرتكبون هذه الحماقات، ثم يقولون لك بغباء مفضوح: الصحافة تخسر!

اللي يخسر يقفل، اللي يخسر لا يستحق أن يتشدق بأي حديث عن المهنية، ورسالة الصحافة، وغير ذلك من الأكاذيب المشبوهة.

(الرأي للأستاذ هيكل، والصياغة من عندي).

كان الأستاذ يتحدث بأسف عن الحال التي وصلت إليها الصحافة في مصر، حدثني عن لحظات عرض رئاسة تحرير الأهرام عليه، لم يكن مرشحًا من الأساس، وعندما تم طرح اسمه استهجن البعض عمره الصغير، لكن الحسابات انتهت إلى اختياره، فسأل المُلّاك: ماذا تريدون مني؟

لم يفهموا السؤال، وتحدثوا عن أمور شخصية وطلبات بعيدة عن رسالة الصحيفة، أعاد طرح السؤال، فلم يفهموا أيضًا، صمت قليلًا عندما انتبه لملاحظة أن المُلّاك يتحدثون الفرنسية ولا يجيدون العربية (لغة الصحيفة التي يصدرونها)، فتطوع باقتراح سياسة تحريرية، وشرع في إعداد دراسات عن سوق التوزيع، وكيفية توسيع الكتلة القارئة، واتجه لتحديث الأدوات، وعصرنة الشكل والرسالة الصحفية أيضًا، وبعد سنوات قليلة كان قد صنع مجد أعظم وأشهر صحيفة عربية «الأهرام».

قد لا يروقك هيكل، وقد تعتبره هامان، ومحتكر أخبار، و«مفبركاتي»، وأي شيء مما يطيب لكارهيه ترديده.

لا يهمني الآن موقفك أو موقفي الشخصي من هيكل، يهمني الطريقة التي فكر بها في إعادة تأسيس صحيفة خاسرة، لم يفكر أن يطلب من «فرعون» أموالًا كثيرة لينفقها باليمين واليسار، اختار أن يصنع صحيفة ناجحة، صحيفة تفرض شروطها ولا تخضع لشروط سلطة أخرى غير سلطة القارئ، صحيفة تؤجل الإعلانات بدلًا من أن تتسوّلها، وتقتنص لنفسها حق محاسبة المسؤول بدلًا من «التخديم» عليه، صحيفة تتقصّى الحقائق، وتستهدف المصداقية، بدلًا من صناعة الأكاذيب والمقامرة بثقة القارئ.

قال هيكل: هاجموني كثيرًا، وكان عبدالناصر يرد: انجحوا مثله ولا تطلبوا شيئًا من ميزانية الدولة، ثم تعالوا وانتقدوه، ساعتها يمكن أن أسمع لكم.

إن شروط صناعة صحيفة ناجحة معروفة ولا تحتاج إلى بحث طويل، وهي بالمناسبة نفس شروط صناعة أي مؤسسة ناجحة، ونفس شروط صناعة أي دولة ناجحة، وإذا لم تستطع الصحافة أن تواجه التحديات التي تهددها، وإذا لم تستطع تحديث نفسها وتوسيع جمهورها، والتغلب على الاحتكارات التي تعصف بتمويلها، إذا لم نستطع أن نصنع صحافة ناجحة، تعتمد على نفسها وتربح وتؤدي دورها بلا تبعية لسلطة (سياسية أو تمويلية)، وبلا ابتذال يغازل جمهور الفَرشَة العابر، إذا لم نستطع أن نصنع صحيفة تقود ولا تنقاد، فلن ننجح في صناعة دولة، ولا حتى فانوس رمضان.

نقلا عن “المصري اليوم”

اقـرأ أيـضًا:

دوت مصر يحذف عنوانًا مسيئًا للسيدة عائشة

لماذا قالت هيفاء وهبي لمتابعيها “صباح الزفت”؟!

مذيع الحياة ينفرد بلحظة تفجير مبنى الأمن الوطني “بالصدفة”

عكاشة: “الفراعين” رفعت ثقافة الشعب وصححت التاريخ

مفيد فوزي يحرج سعيد طرابيك على الهواء بتفاصيل جنسية

16 صورة من حفل زفاف مي كساب و أوكا

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا