رباب طلعت
الوصف الصوتي
خلال الاحتفالية الكبيرة التي حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مطلع ديسمبر الجاري “قادرون باختلاف”، مع بعض المواطنين من ذوي الهمم، أعلن الفنان المصري يوسف الشريف، عن نية الدولة في تطبيق خاصية “الوصف الصوتي” للمكفوفين، على الأعمال الفنية المختلفة، واستعرض خلال الاحتفالية، أحد مشاهد مسلسل “الاختيار 2” الذي تم عرضه في رمضان 2021، مطبقًا عليها الوصف الصوتي، مما فتح بابًا للتساؤلات حول أهميتها.
في الوقت نفسه، لاهتمام الدولة بتطبيق “الوصف الصوتي – audio description“، توسعت منصة “نتفليكس” في تطبيق الخاصية على الأعمال المصرية المتوفرة عليها، حيث بدأت بالتعاون مع عدد من الأصوات المصرية المعروفة من خلال الدوبلاج والتعليق الصوتي، لتقديمها على عدد كبير من الأعمال، لضعاف النظر، والمكفوفين، مما يساعدهم على فهم الأحداث الصامتة.
تلك الخاصية، اعتمدتها الكثير من منصات العرض منذ عام 2015، ومنها “نتفليكس” أي أنها ليست جديدة، ولكن تطبيقها على الأعمال العربية، بذلك القدر هو الجديد عليها، ولكن سبقتها في ذلك شبكة OSN التي تقدمها على أعمالها العربية منذ منذ عام 2015.
كما أن OSN قدمت في 2015 أعمالًا مجانية لمدارس المكفوفين، تلك الأعمال كانت حصرية عبر المنصة، ولكنها منحتها لتلك المدارس وقتها، لإيمانها بدورها المجتمعي، بالتزامن مع الاهتمام العالمي بتقديم خدمات لذوي الهمم من ضعاف البصر والمكفوفين والصم والبكم وغيرهم ممن يصعب عليهم التفاعل مع الأعمال الفنية لسبب ما.
وقد اعتمدتها أيضًا نتفليكس في أعمالها بلغاتها الأصلية في عدة دول، وبدأت الاهتمام بتقديمها في الوطن العربي، بالتزامن مع اهتمامها بالمحتوى العربي خلال العامين السابقين، وإنتاجها لأعمال أصلية باللغة العربية، سواء خليجية أو شامية أو مصرية، والتي لاقت صدى واسعًا في المنطقة.
اتجهت الكثير من دول العالم، خلال السنوات الماضية، بالاهتمام بتقديمه للمكفوفين، في العروض الفنية، سواء على التلفزيون، أو السينما والمسرح، في خطوة لدعم المكفوفين وضعاف النظر، وتمكينهم من فهم التفاصيل الصامتة في العمل التي تفوت عليهم فهم بعض الأحداث.
كما أنه يقدم خدمة قراءة اللافتات الهامة في المشهد، والجمل أو الكلمات المكتوبة، والهامة في سياق العمل، بالإضافة إلى وصف دقيق لتغير ملامح الفنانين، وهيئتهم، وتحركاتهم، التي تكشف عن مبرر لمشهد ما العمل، على سبيل المثال في أحد المشاهد أن تحتضن الزوجة زوجها قبل خروجه بحب، وتودعه بكلمات رقيقة، ولكن ملامح وجهها يبدو عليها الكره الشديد، فإذا لم يدرك فاقد البصر بذلك التغير على ملامحها، لن يفهم سبب إقدامها على قتله في المشهد التالي، لأن ما وصله من صوتها هو التودد له بالكلمات وليس الغضب الظاهر على وجهها.
تقدم “نتفليكس” أيضًا خاصية، الترجمة بلغة الإشارة للصم والبكم عبر منصتها، في الكثير من الأعمال، حيث إن ذلك التوجه أيضًا بات أساسيًا لدى صناع الأعمال الفنية في العالم كله، وبالتالي طبقته “نتفليكس” كونها واحدة من أبرز منصات العرض التدفقي عبر الإنترنت خلال السنوات الماضية، وقد كانت تلك الخاصية متاحة بالفعل في مصر على بعض البرامج ونشرات الأخبار منذ عدة سنوات.
ولفهم الوصف الصوتي، يمكن العودة بالذاكرة للمسلسلات الإذاعية القديمة، حيث كان يوجد معلق صوتي، يشرح للمشاهد الهام من الأحداث والتفاصيل التي لا يستطيع لمسها من خلال صوت الفنانين فقط، مثل تحركات الأبطال، ونظراتهم اتجاه بعضهم، بعض الملابس أو الأدوات التي يجب الإشارة إليها وغيرها، وقد كان تكنيكًا ناجحًا في إيصال الصورة الفنية التي لا يراها المشاهد عبر أثير الإذاعة.
من أكثر التحديات التي تواجه تطبيق الوصف الصوتي على الأعمال الفنية ذات العرض الحي (السينما والمسرح) أو التلفزيونية، هو كيفية تطبيقها بما لا يضر المشاهد العادي الذي يشكل النسبة الأكبر من الجمهور، فاتجهت بعض المخاوف من النقاد بعد إعلان الرئيس تطبيقها رسميًا في مصر، حول ما إذا كانت ستطبق بشكل أساسي على نسخة العمل المقدمة لكافة المشاهدين، مما يعد تشتيتًا للمشاهد المُبصر عن ما يستطيع استنباطه هو من خلال مشاهدته للعمل، وكذلك إمكانية أن يُخل الوصف ويؤثر بشكل كبير على الحوار بين الأبطال.
في حل لتلك الإشكالية، قدم البعض مقترحًا بوضع نسخة الوصف الصوتي احتياطيًا، بطريقة يمكن الوصول إليها عبر الريموت كونترول، بالطريقة التي يتنقل بها المشاهد ما بين خيارين للتعليق الصوتي على المباريات، أو الدبلجة من عدما في بعض الأعمال الدرامية.
وتلك النقطة، يمكن أن تعد إشكالية بالفعل في التلفزيون والسينما والمسرح، ولكنها بالطبع محلولة عبر منصات البث التدفقي، فعلى سبيل المثال، تقدم “نتفليكس” أكثر من نسخة للأعمال المعروضة عليها، منها نسخة ناطقة بالوصف الصوتي، باللغة الأصلية للعمل، حيث لا تتوافر إلى الآن أكثر من لغة للوصف الصوتي غير اللغة الأصلية، ليتمكن المكفوفين من مشاهدته من خلالها، بجانب نسخ أخرى بدون وصف.
مما يشغل بال علماء النفس في مسألة الوصف الصوتي، هو كيفية تقديمه بما يتناسب مع “سيكولوجية” الكفيف، وهو الأمر الذي حرصت “نتفليكس” على تنفيذه، فبحسب أحد المصادر المشاركة في تطبيق الوصف الصوتي باللغة العربية، أكد أن كتابة سكربت الوصف الصوتي يتم كتابته وتدقيقه بعناية بالغة، حيث يتم استبدال أية عبارة دالة على الرؤية بعبارات أخرى يفهمها الكفيف دون حساسية، على سبيل المثال يمتنع المؤدي الصوتي عن كلمات مثل (ينظر إلى) ويستبدلها بـ(يتطلع إلى)، بالإضافة إلى عدم وصف الألوان، حيث إن الكفيف لا يعلم ما هي الألوان، وكل ما إلى ذلك من تفاصيل، تُحجب عنه بسبب عدم الإبصار، وذلك الأمر يحتاج إلى دراسة واستشارة مختصين للتأكد من نقاء الحوار من أية تعبيرات قد تضر بنفسية المستمع.