سلسلة جديدة نبدأها إذن، في الأولى حكينا حكايات مطولة عبر تسعة عشر أسبوعاً عن مطبخ القنوات الفضائية (الكونترول رووم).. وتعرفنا على بعض المهن داخل تلك القنوات، واستطعنا أن نضع أيدينا على السؤال الأهم على الإطلاق والذي يسأله الكثير من زملاء المهنة لأنفسهم .. من يعمل ماذا؟ .. أو أنا جاية أشتغلي إيه؟؟.
أما هنا في (تاه في الزحمة) فحكايانا ستكون مختلفة، سأرتدي فيها حُلة المنقبين والباحثين في تاريخ الإعلام المصري.. لنشاهد سوياً كيف وصلنا إلى قمة الكفاءة الإعلامية؟.. وكيف وصلنا إليها؟.. وكيف فقدناها تدريجياً لصالح كفاءة الإعلام والإعلاميين بلبنان ودول الخليج، وكيف انحدر بنا الحال إلى الموقف المعقد الحالي؟؟.. إلى قلب المتاهة سيئة الرائحة والسمعة المسماة بالإعلام المصري الذي كان يوماً ما .. ريادياً.
بالنسبة إليَ، فتلك السلسلة مفخخة، فأنا مازلت في بدايات السلم المهني الإعلامي، ومهما بلغ أرشيفي الخاص من حجم، فلن أستطيع أن أجزم بصحة ما لدي من روايات، بأهمية ما تحت يدي من وقائع، بصدق من حاورتهم من شخصيات… لكنني وعلى أقل تقدير أمتلك الكثير من الروايات والحكايات والمواقف التي تؤهلني للحكي، ولأنني أعترف بصغر سني وحداثة عهدي بالإعلام – فقط 10 سنوات من العمل- فإنني أرجو ألا تاخذ حكاياتي في تلك السلسلة على أنها من المسلمات، فأنا رجل قرأت الكثير عن تاريخ القطاع الذي أعمل به، و فهمت مدلولات بعض الحكايات على نحو جعلني أمتلك وجهة نظر، وكذلك أمتلك بعض النميمة والكثير جداً من المآسي، لذا فإنني أُعيد عليك رجائي بألا تأخذ كلماتي طوال حلقات السلسلة على أنها مسلمات، لأنني أكتبها بالأساس كدعوة للتفكير والتفكر.. كدعوة لعقد المقارنات بين ماضينا القريب وحاضرنا المؤسف (وكلامي عن الواقع الإعلامي ليس إلا).. وكذلك كدعوة للسيطرة على مشاعر فرحة الزملاء والأصدقاء وفرحتي معهم حين نقدم بضاعة غاية في السوء ونظن في أنفسنا –وبعض الظن إثم- أننا نقدم مواد إعلامية طازجة مفيدة مبهجة ثرية المحتوى.. وهو مالا أفعل ولا يفعلون إلا في نوادر النوادر.
في تلك السلسلة، سنتكلم عن فن (النحت).. هذا المصطلح الذي غزا عالم الإعلام المصري منذ سنوات ونمارسه جميعاً بلا كلل.. ولغير العاملين بالإعلام أقول أن النحت هو تقليد وسرقة ومحاكاة الأعمال لبعضها البعض، وهو ما أثر كثيراً بالسلب في سوق الإعلام لتنعدم القدرة على الإبداع والتجديد، ولنجد عشرات البرامج المستنسخة من بعضها بدءاً من اسماء البرامج وانتهاءاً بملابس المذيعين والمذيعات.
في تلك السلسلة، سنستمع إلى برامج إذاعية مصرية متميزة، وبرامج إذاعية غاية في الرخص.. سنقارن بين المهنة الآن وبين المهنة قبل سنوات، سنتناقش سوياً حول أهمية فض الاشتباك بين مهنتي الصحفنجي والتلفزيونجي.. سأتساءل معكم عن إختفاء عنصر أساسي للغاية داخل الكثير من البرامج المصرية وهو “المحتوى” … آه والله، يمكنني أن أضرب لكم العديد من الأمثلة الآن لعدد من البرامج التلفزيونية الخالية من المحتوى.. والتي نشاهد فيها جميعاً قدراً لا بأس به من الغثاء، وهي برامج موجهة إلينا جميعاً بدءاً من سن الطفولة وإنتهاءاً ببرامج التوك شو.
في (تاه في الزحمة)، سنترحم سوياً على الساعات التي كنا نقضيها في انتظار برنامج كـ “الموسيقى العربية”، و “أوسكار” و “كلمتين وبس” .. وسنؤكد سوياً أنه لا أحد منا ينتظر أي شئ بذات الشغف، لنتأكد مع الوقت أن الإعلام المصري الرائد أصبح كهلاً بطئ الحركة مريض بالألزهايمر يدعي قدرته على مصارعة الشباب بدون أن يفكر حتى في فهم ما يفعلونه، فكان طبيعياً أن يسبقه الشباب في البلدان الأخرى وأن يتركوه وحيداً.. تايه في الزحمة.
في الحلقة القادمة، سنتكلم عن “الصراصير” المستوردة أعزكم الله.
إلى اللقاء.