قلنا في الحلقة السابقة أن تلك السلسلة ستكون مخصصة للحكايات والحواديت والنميمة في جانب كبير منها، والحق أقول أنني أمتلك العشرات من الحكايات حول تاريخ وحاضر الإعلام المصري (التايه)، حكايات قد تزن العشرات من الأطنان، أستدعيت الكثير منها بسبب شروعي في الكتابة فوجدتني في قمة (التوهان).. فهل أكتب عن لقائي الأول والأخير بتوفيق عكاشة؟؟.. أم أكتب عن ذكرياتي مع برنامج (كلمتين وبس).. أأكتب عن معرفتي بطريقة (طبخ) برامج التوك شو أم عن مهازل البرامج الطبية والرياضية؟؟
وحين منعت أفكاري عن التدفق مستدعياً عفريت الكتابة أخيراً، قررت أن تكون أول حكاياتي إليكم من هناك.. من “جونية” الجميلة.
من الأمور التي أجبرني أكل العيش عليها يوماً هو ترك حياتي الإعلامية هنا بالقاهرة بصورة مؤقتة، منضماً إلى فريق عمل برنامج مسابقات مصري شهير يتم إذاعته على فضائية مصرية كبيرة، بيد أن القائمين على البرنامج استحسنوا أن يتم تصويره بلبنان.. فهناك أفضل جداً.
– تاخد كام يا أشرف؟
– آخد كذا…
الرد بــ OK كان بمثابة الإذن لي بالبدء في إجراءات السفر، وتجهيز نفسي للعيش لمدة تزيد على الخمسة أسابيع في مدينة “جونية” الجميلة الواقعة شمال بيروت عاصمة لبنان… كاتب سكريبت يعيش في تلك الأسابيع من الأوتيل للأستوديو ومن الأستوديو للأوتيل.. يلتقط التفاصيل الصغيرة، يدونها .. ويضعها بين يديكم.
العمل بين فريق من المحترفين بحق، تغمرني التساؤلات حول إختيار القناة لهم، ودفعها آلاف الدولارات ليخرج هذا البرنامج إلى النور، رغم قدرة المحطة على صناعة البرنامج هنا في القاهرة، فالكوادر موجودة، والمحطة تمتلك واحداً من أكبر استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي هنا، والمذيع مصري، والمتسابقين كذلك.. فلم السفر والشحططة؟؟.
جاءتني إجابات عديدة على تساؤلاتي طوال تلك المدة، يمكنني أن أحكيها لكم في عشرات الصفحات، فطريقة عمل الإخوة اللبنانيين هي ببساطة (طريقة عمل)… لا مجرد تواجد بالاستديوهات وتداخل بين الواجبات الوظيفية والكثير من التنازلات التي نقدمها جميعا أثناء العمل بالقاهرة، فنحن نتنازل عن صرامة جدول التصوير، ونتغاضى عن تأخر بعض أعضاء الفريق، يتنازل الـ Producer عن بعض المعدات على حساب الصورة، ويتنازل المخرج عن العمل مع مساعد متميز على حساب الجودة.. الخ، وهو ما لم أعيشه في تلك التجربة على الإطلاق.
ما عشته هو إهتمام حقيقي من الشركة المنفذة بكافة التفاصيل، فالاهتمام والاحترافية في التعامل مع الجميع بدءاً من الأجر المتفق عليه (وهو أجر عادل ومحترم للجميع)، وليس إنتهاءاً بجودة وجبة العشاء المقدمة لفريق العمل بالكامل، مروراً بتحديد المهام الوظيفية لكل منا بصرامة، ومتابعة تنفيذ تلك المهام بصرامة مماثلة، فالمتابعة والدقة تعني النجاح، والنجاح يعني المزيد من التعاقدات في المستقبل، بما يعني المزيد من العمل فالربح.. بهذه البساطة.
قبل الشروع في تصوير برنامج المسابقات هذا، وجدت صديقتي اللبنانية تنبه المسؤولين عن الإكسسوارات بالبرنامج إلى أهمية الحفاظ على صندوق زجاجي يحتوي على عدد ضخم من “الصراصير” أعزكم الله.
كان برنامج مسابقات، وكنا سنستخدم الصراصير لإخافة المتسابقين والمتسابقات.
الأهم إنني وحين سألت صديقتي عن سر إهتمامها بالصراصير لهذه الدرجة، كاد أن يقع فكي من الدهشة لأنني سمعت منها إجابة (تأكدت انها حقيقية) مفادها أن تلك الصراصير قامت الشركة المنفذة باستيرادها من أمريكا الجنوبية وأن سعر الواحد منهم يتراوح بين دولار وأربعة دولارات!!!.
أما عن السبب، فهو واضح تماماً بالنسبة إليهم، فتلك الصراصير من سلالة معينة بألوان متميزة تجعل شكلها أفضل أثناء تصويرها بالكاميرات في لقطات مقربة…. آه والمصحف.
لن أمارس معك الحيلة الشهيرة المتعلقة بالمقارنات وأحكي لك عن منتج فني قابلته هنا في مصر كان (بيستخسر) إيجار كاميرا ذات جودة أعلى أو مدير إنتاج يسرق سعر وجبات العمال أو كذا أو كذا أو كذا.
فقط سأتركك لتفكر في فريق ينتج برنامج تلفزيوني قرر أن يجند أحد أعضاؤه ليبحث وينقب ويتواصل مع أصحاب الصراصير في أمريكا الجنوبية، ثم جند فريقاً كاملا من عمال الاكسسوارات للحفاظ على تلك الصراصير من الضياع أو الهروب.. لأن شكلها أحسن على الكاميرا التي ستأخذهم في لقطة مقربة وحيدة طوال ثلاثة عشر حلقة مدة كلا منها خمسون دقيقة.
فكر واكتب لي رأيك.
إلى اللقاء.