بسام سرحان
الجريمة
إذا كنت تريد عمل فيلم إثارة، فيجب عليك الاستماع إلى هيتشكوك.. يقول هيتشكوك مخرج أفلام الإثارة النفسية الشهير وأحد مؤسسي هذا النوع في السينما: “يجب أن يرتبط طول الفيلم إرتباطًا مباشرًا بقدرة المثانة البشرية على التحمل”، في إشارة منه على ضرورة تفاعل المشاهدين، فسحر السينما يتمثل في التفاعل.
لم أرى ذلك في فيلم “الجريمة” فقد رأيت فيلمٍا “مصنوع ” الحبكة، لم يُكتب تلقائيٍا فتنكشف الأمور لذاتها فيبدو الأمر كالطبيعي، فأعلى درجات الاِبداع أن لا نشعر بكتابة مُوجهة حيث تؤول الأمور إلى ما يريده الكاتب “forced writing”.
فكرة الفيلم إلى حد كبير جيدة وربما تغوص في نظرية نفسية فرويدية قديمة: “أن الأم سبب كل المشكلات النفسية” نرى ذلك في أصل الحبكة لعلاقة أبطال الفيلم بعلاَقتهم منذ الصغر بأمهم، إلا أن تنفيذ الفكرة كان متوسط يصل إلى الردائة.
البطل هنا أحمد عز “عادل”.. -Villain | شرير- (ويُحسب لعز اختياره لتلك الأدوار وألا نراه فقط في صورة البطل المثالي) مُصابٍا بهلاوس مَرضية.
يتبين لنا أثناء المشاهدة أن هذا الخط الدرامي لا مغزى له، فلم نستفد منه كأفلام عالمية شهيرة بها هذا الخط مثل “memento” لكريستوفر نولان، أو “Shutter island” لسكورسيزي، فنحن نعرف تماما أين الحقيقة وأين الخيال أثناء مشاهدتنا، وهذا أفقدنا عنصر المتعة.. على عكس إن كنا توحدنا مع البطل وأصبحنا غير قادرين على التباين بين الهلوسة والحقيقة.
نرى البطل ذكي لأنه يوصف لنا بأنه ذكي ولكننا لا نرى أي تصرفاتٍ ذكية حقيقية ,كذلك خصمه ماجد الكدواني الذي قام بدور المحقق يُوصف لنا بأنه ذكي ولكننا لا نري أي ذكاء أو حرب أفكار ساخنة مثيرة بينهما تُصيبنا بالتوتر؟
لماذا لا نرى البطل يقع في ورطة تبدو مستحيل الخروج منها؟ فيخرج منها بحيلة تجعلنا ننتبه ونُصبح مشدودين؟ نرى ذلك في مسلسلات أمريكية مثل”Dexter، “prison Break” و”Breaking Bad “، ورأينا نموذج مصري أصيل رمضان الماضي لمسلسل تشويقي نفسي رائع يُسمي”لعبة نيوتن”، “لتامر محسن” وفريق كتابته بقيادة “مها الوزير” .
ربما أيضاً رأينا في السينما المصرية تجارب أفضل في الإثارة كفيلم “ولاد رزق” لطارق العريان ومؤلفه صلاح الجهيني، و”بدل فاقد” لأحمد علاء ومحمد دياب، الذي يعد أفضل أداءات أحمد عز، وأيضاً فيلم شريف عرفة “ولاد العم” لكاتبه عمرو سمير عاطف.
يتضح في الأمثلة السابقة أن السبب الأصلي في نجاح تحقيق عنصر الإثارة في تلك الأفلام هو “النص”.
في فيلمنا هذا صاحب القصة هو شريف عرفة والسيناريو يشترك فيه هو وأمين جمال ومحمد محرز.. يقول هيتشكوك: “لتصنع فيلمًا رائعًا، تحتاج إلي ثلاثة أشياء السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو”.
أسلوب سرد القصة في الفيلم يبدأ من النهاية إلي البداية وهذا أفقدنا عنصر الجذب في توقع الأحداث فلا يصح أن -تحرق- لي جزء من النهاية بهذا الأسلوب إن كنا نشاهد فيلم مُصنف على أنه إثارة.
إصابة “عادل” أحمد عز بالهلاوس لم نستفد منها كما قلنا من قبل، ولكن في النهاية سوف نكون أمام plot” twist” من هذا الخط الدرامي وكأنه موضوع خصيصاً لنقول ها نحن صنعنا “twist” … مرة أخرى forced writing””. بالإضافة إلي السرعة في عرض الأحداث دون تمهيد كافي , كمشهد منة شلبي وهي تجيب عز عن سؤاله لها في سبب فسادها؟ فنراها لا تحتاج سوى ثواني حتى تسرد له كل شئ .
نري أيضاً استغفال للمشاهدين في مشهد كان من الممكن ان ينهي كل شئ.. مشهد هروب منة شلبي من سجن عز لها فما كان منها سوى أن تغلق الباب عليه بعد نجاح حيلتها في استدراكه، ولكننا نرى بكل وضوح جملة “المخرج عايز كدة”.
أما عن دور سيد رجب فإذا حذفناه من القصة فلا نرى أي تأثير واضح.
وما زلت أحاول أفهم المغزى من ظهور شبح البطلة للبطل وهو يعلم أنها على قيد الحياة على عكس المشاهدين، فاختفى الشبح بعدما اتضح للمشاهدين وليس للبطل انها على قيد الحياة!
ولا أفهم حتى الآن لماذا يَصر عز على تجسيد أدواره بحركة رأسه يميناً ويساراً وهو يتحدث؟ ربما هذا سؤال لا إجابةً له.
كوميديا ماجد الكدواني والممثل وليد أبو المعاطي الذي قام بدور “عبد العزيز” أخرجتنا من جو التشويق العام للفيلم لا لشئ سوى أنها مفتعلة على عكس كوميديا نبيل عيسى، التي كانت موفقة.
من مميزات الفيلم أنه تم إعادة تقديم نجوم لشاشة السينما مرة أخرى، ويأتي في مقدمة ذلك الفنان القدير رياض الخولي، ومن بعده نبيل عيسى، وحجاج عبد العظيم حتى وإن كانت أدوارهم صغيرة فربما ذلك إحدى مميزات شريف عرفة التي تعودنا عليها بإنعاش الممثلين الذين بَعدوا عن السينما كعبد العظيم عبد الحق في الارهاب والكباب “مشهد راكب الاتوبيس الذي يشكو لعادل إمام”، إلى محمد سعد في “الكنز”.
ففي النهاية أتمنى أن تُعاد تجربة الجريمة بشكل أفضل في المرة القادمة بتطبيق ما قاله هيتشكوك دون استسهال أو تغافل عن حجم ثقافة الجمهور.