من النشأة لتحقيق الأرباح.. إلى أين وصلت الكلمات المتقاطعة في الصحف الغربية؟

أسماء مندور

أعلنت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا عن زمالة جديدة لمنشئي الكلمات المتقاطعة، وذلك بعد الانتقادات التي وُجهت للتايمز بأنها كانت بطيئة في تنويع ألعاب الألغاز والإجابات والمحررين، وهو ما يطرح تساؤلات حول استمرار الكلمات المتقاطعة في الصحف رغم كل التطور الذي شهدته صناعة الميديا حول العالم، وسبب كل هذا الاهتمام بها، ما فائدتها بالنسبة للصحف؟ وهل مازال لها جمهور حتى الآن؟

أول لغز

الكلمات المتقاطعة هي نوع من أنواع الألغاز التي تجمع بين الإثارة التنافسية للحصول على الإجابة الصحيحة مع متعة التلاعب بالألفاظ، وتعد بالنسبة للكثيرين روتينًا يوميًا يعتزون به، وبالنسبة لـ “صانعيها الأذكياء”، تمثل تحديًا عقليًا من نوع خاص.

نرشح لك: تفاصيل اتهام BBC بتهديد مستقبل الصحافة البريطانية

يعود تاريخ ألغاز الكلمات المتقاطعة إلى عام 1913، عندما نشر الصحفي آرثر وين أول لغز كلمات متقاطعة في صحيفة نيويورك وورلد. منذ ذلك الحين، ظل ابتكار آرثر وين عنصرًا أساسيًا في الصحف، وكانت الكلمات المتقاطعة الأولى مرتبة في شكل مُعَيَّن، وليس المربع، وكان يُطلق عليها “تقاطع الكلمات”.

وعلى الرغم من أنه من الواضح أن وين كان شخصًا يتمتع بدرجة عالية من الذكاء، نظرًا لصعوبة تلك الكلمات المتقاطعة البدائية، إلا أنه لم يكن يتوقع مدى استمرار وانتشار فكرته، وجنون العالم بالكلمات المتقاطعة حتى يومنا هذا.

بناء الكلمات المتقاطعة

قام آرثر وين ببناء كلماته المتقاطعة يدويًا، كما فعل صانعو الكلمات المتقاطعة الأوائل، لكن على مدى عقود، استخدم المنشئون أجهزة الكمبيوتر للمساعدة في التوصل إلى تعبئة الكلمات المتقاطعة، لكن مثل أي شيء ثقافي يتطلب قدرًا كبيرًا من المعرفة، مثل الكلمات المتقاطعة، هناك اتجاهات في تصميمها.

نظرًا للتخطيط ذي المظهر العلمي للألغاز، حاول مبرمجو الكمبيوتر الأوائل جعل أجهزتهم تقوم بعمل كتابة الكلمات المتقاطعة، لكن للأسف أدت الجهود المبكرة في تصميمها بمساعدة الكمبيوتر إلى ظهور شبكات صغيرة هامشية مليئة بالكلمات الغامضة.

وفي أواخر الثمانينات، خطرت فكرة لمبرمج الكمبيوتر الأمريكي إريك ألبرت، حيث قال: “يمكن لجهاز الكمبيوتر إنشاء ألغاز كلمات متقاطعة عالية الجودة إذا تم تصنيف كل إدخال في قاعدة بيانات الكلمات الخاصة به على مقياس من واحد إلى 10، فمن خلال ترتيب الكلمات، سيتم ترك العنصر غير المهم وإدخال العناصر الصحيحة فقط”.

لا تزال هذه هي الطريقة التي يستخدمها مُنشئو الألغاز المتقاطعة من خلال قواعد بيانات الكمبيوتر اليوم، حيث يقومون بترتيب الكلمات الرئيسية والمربعات السوداء في شبكة، ثم العمل مع الكمبيوتر لملء المساحة الفارغة المتبقية بكلمات أخرى، لكن لا تزال الإجابات الطويلة والمليئة بالتورية أبعد من مستوى مهارة الكمبيوتر.

الكلمات المتقاطعة والصحف الغربية

لطالما كانت الكلمات المتقاطعة عنصرًا أساسيًا في الصحف الأمريكية لأكثر من قرن، حيث وجدت صحيفة وول ستريت جورنال أن حمل الناس على لعب الألغاز كان أكثر فاعلية في الاحتفاظ بالقراء من أي تكتيك آخر، بما في ذلك الاشتراك في النشرات الإخبارية وتنزيل تطبيق المجلة.

وفي عام 2020، زاد عدد المشتركين في ألعاب نيويورك تايمز بنسبة 40% عن العام السابق. وهذا العام، عينت الصحيفة أول مديرة تحرير لها للألعاب، إيفردين ماسون، وهي مسؤولة عن فريق من خمسة أشخاص، ولا تدير الكلمات المتقاطعة فحسب، بل تدير الألعاب الأخرى، بما في ذلك سودوكو. وقالت ماسون، حول بناء مجموعة أكثر تنوعًا من صانعي الألغاز: “لا أريد أن يأتي الناس يلعبوا ويغادروا”.

اهتمام الصحف بألعاب الألغاز

من جانبها، أطلقت مجلة “ذا نيويوركر” أول قسم كامل للألغاز والألعاب في نهاية عام 2019، وقامت بطرح عددًا من الأشياء الجيدة الرقمية للجمهور، بما في ذلك الرسالة الإخبارية، وألغاز العطلات الخاصة، وطريقة اللعب على تطبيق المجلة، ومقاطع فيديو من وراء الكواليس.

منذ ذلك الحين، وفريق الألغاز في المجلة يتزايد، حيث يضم الآن مدققي الحقائق ومحرر نسخ متخصص. وفي الشهر الماضي، بدأت الصحيفة في استثمار بعض الجهود في هذا المسعى من خلال الإعلان عن أنها ستطبع صفحة كاملة من الألغاز في كل عدد من المجلة المطبوعة.

وكباقي أقسام المجلة، يقبع قسم الألغاز المتقاطعة خلف نظام الاشتراك المدفوع عبر الإنترنت، حيث تبرز صفحة “الاشتراك” الكلمات المتقاطعة، مع ملاحظة أن كل خيار يتضمن الوصول إلى موقع المجلة عبر الإنترنت “newyorker.com“، بما في ذلك الأرشيف وألغاز الكلمات المتقاطعة.

على عكس نيويورك تايمز، التي تقدم اشتراكًا منفردًا في الكلمات المتقاطعة والألعاب الأخرى، فإن الطريقة الوحيدة للوصول غير المقيد إلى ألغاز نيويوركر هي الاشتراك في كل شيء، وعلى الرغم من ذلك، تجاوز عدد المشتركين في النشرة الإخبارية بالكلمات المتقاطعة 100 ألف مشترك.

بدورها، اتجهت المواقع الإخبارية الأخرى حول العالم نحو اتخاذ نهجها الخاص في استخدام الألغاز لزيادة الولاء وزيادة الإيرادات، حيث أصبحت حقبة جديدة من الألعاب تمثل جزءًا متزايدًا من المنتجات الإخبارية التي تشكل العادات.

هل يمكن كسب المال من الكلمات المتقاطعة؟

متوسط الأجر لـ صانع الكلمات المتقاطعة في الولايات المتحدة هو 72 ألف دولار في السنة، و35 دولار في الساعة، وعادةً ما يكسب صانعو الألغاز المتقاطعة ما بين 52 ألف دولار و89 ألف دولار سنويًا.

وتعتبر هواية الكلمات المتقاطعة طريقة لكسب المال من خلال بيع الألغاز للصحف، حيث تخصص نيويورك تايمز من 200 إلى 300 دولار للألغاز اليومية، وألف دولار لألغاز يوم الأحد. والصحف الأخرى لها معدلات دفع مماثلة، على الرغم من أنها أكثر تواضعاً إلى حد ما.

فوائد الكلمات المتقاطعة

يبدو أن الكلمات المتقاطعة وألعاب الألغاز، بشكل عام، شيء لا يُستهان بأهميته في الصحافة العالمية، حيث نُشرت عشرات التقارير والأبحاث التي تؤكد أن حل الألغاز المتقاطعة بانتظام له فوائد عدة على المستوى الاجتماعي والتعليمي والعقلي والمعرفي.

كل ما سبق تناول واقع ومستقبل الكلمات المتقاطعة والألعاب عمومًا في الصحافة الغربية، فهل تهتم الصحافة العربية بتلك الألعاب باعتبارها مدخلًا لجذب القراء وتحقيق الدخل، أم يظل الوضع كما هو عليه الآن؟ استسلام تام لما فرضته علينا السوشيال ميديا دون أدنى مقاومة من تراث الصحافة المطبوعة الذي كاد أن يندثر.

حمادة مراسل إعلام دوت كوم راح يحقق في “#الجريمة” بنفسه، من العرض الخاص للفيلم