حسام عبد القادر
منذ عدة سنوات افتتح في حي الورديان وهو حي شعبي في غرب الإسكندرية ولدت وما زالت أعيش به فرعا لدرينكز، و”درينكز” لمن لا يعلم هي سلسلة محلات للنبيذ.
وقتها وقفت مشدوها أمام هذا المحل، الذي أختار حيا شعبيا يتميز سكانه بالعادات والتقاليد والتمسك بالدين كما كنت أعلم وأظن، وقلت لنفسي أكيد تخطيط فاشل وسوف يغلق بعد شهور قليلة، ولكنه لم يغلق واستمر.
كانت محلات الخمور تتواجد في وسط البلد بالإسكندرية فقط، ولكن واضح أن انتشارها في أحياء مختلفة شرقا وغربا جاء نظرا لحاجة السوق وهي نظرية اقتصادية ليس لها علاقة بأي أشياء أخرى.
لماذا تذكرت هذا الموضوع الآن؟ لأني ما زلت أسمع عن المجتمع المتدين بطبعه، وعن القيم والمبادئ التي لا تتجزأ من مجتمعنا، ولكن بنظرة سريعة لأخبار الحوادث اليومية تكتشف أنك تعيش في وهم كبير وأنك تصدق هذا الوهم مع الأسف، ولا أعمم بكل تأكيد.
والمشكلة أن كثيرا من الأسر المحافظة والمتمسكة بالتقاليد والدين إسلامي أو مسيحي، أنهم ينظرون للمجتمع فقط من خلال منظورهم للحياة ومن خلال ثقافتهم وثقافة المجتمع المحيط بهم فقط، وأي شيء شاذ عن ذلك يعتبرونه استثناءا، وبالتالي فإن هذا الاستثناء لا يمثل مجتمعنا، بينما الذي لا يعرفه هؤلاء أن الاستثناء أصبح هو القاعدة مع الأسف، وجزء من المعالجة –إن أردنا- هو الاعتراف بوجود المشكلة.
ولا توجد إجابة واضحة أو شافية، ولكنها وجهات نظر على كل حال، وأنا من أصحاب وجهة النظر أن الدراما تنقل من المجتمع، وقد يحدث تأثير عكسي فيما بعد، ولكن الأساس هو المجتمع.
فإذا صور فيلم من الأفلام شابا يقتل آخر في الشارع ويفصل رأسه ويسير بها بكل فخر، لثارت الدنيا ولم تقعد، وأن هذا لا يمكن أن يحدث في مجتمعنا أبدا، وضد القيم والأخلاق، وأن الفيلم يحرض على العنف، إلى آخره.. بينما هذا المشهد حدث بالفعل وتم نقله بكل بشاعته على وسائل التواصل الاجتماعي، والأغرب أن الناس وقفوا يصورون الفعل، وكأنه مشهد يتم تصويره للسينما.
ولو صور فيلم آخر أخا يحرق شقيقته من أجل الميراث لقامت الدنيا ولم تقعد أيضا، ونفس الكلام سيحدث، ولكنه حدث أيضا بالفعل في الواقع.
وأستطيع أن أسرد مئات بل آلاف من القصص والحكايات التي إن صورت في الدراما لقلنا إنها مبالغة وضد المجتمع وقيمه، ولكن مع الأسف الواقع دائما أصعب وأقوى مما يعرض على الشاشات.
في عام 1955 أنتج فيلم “إني راحلة” تأليف يوسف السباعي ، وبطولة مديحة يسري وعماد حمدي، ويعرض الفيلم كيف أن زوج مديحة يسري “أبن الأكابر” يخونها مع زوجة صديقه، وعندما واجهت صديقه قال لها بكل بساطة “خلينا نعمل مثلهم”، وهو ما عرف بـ”تبادل الزوجات” والذي ننكر وجوده بشدة في مجتمعنا، وفيلم “إني راحلة” يتحدث عنه في عام 1955، والأهم أن البطلة مديحة يسري رفضت العرض، ولكنها ذهبت لحبيبها الذي رفض والدها زواجها به وقامت بعلاقة معه في شاليه على البحر، ثم جاءت له أزمة ومات فقامت بحرق البيت كله لتموت مع حبيبها.
لاحظوا أني أتحدث عن فيلم عرض عام 1955، ولم يتحدث أحد عن القيم والتقاليد والمجتمع رغم أن وقتها الوضع كان أفضل كثيرا، أو هكذا أعرف.
ولكني ألاحظ أن هناك ازدواجية في المعايير لدى المشاهد لم أفهم أسبابها حتى الآن، فيتساهلون مع أفلام ويتشددون مع أفلام أخرى، ولا أعرف ما هي الأسباب في الحقيقة والتي تحتاج أن تدرس.
فلماذا مثلا نتعاطف مع الحرامي في السينما، هل لأنه وسيم مثلا؟ أم لأن المخرج أو المؤلف يجلعونه يتوب في آخر دقيقة بالفيلم؟ ولماذا مثلا تعاطفنا مع فاتن حمامة في فيلم “سيدة القصر” وهي تخون زوجها “زكي رستم” مع حبيبها “عمر الشريف” هل لأن عمر الشريف أحلى بكثير من زكي رستم؟ ألم تكن آثمة بهذه العلاقة؟ بغض النظر عن العوامل التي أدت لها، والتي تكشفها الدراما بالطبع، ولماذا تعاطفنا مع نور الشريف في دور الحرامي والنصاب في فيلم “أهل القمة”، ولماذا أطلقنا على مشاهد سعاد حسني في فيلم الكرنك بالجريئة فقط دون تجريم، هل لأنه فيلم سياسي، بالمناسبة شخصية سعاد حسني في فيلم الكرنك أقامت علاقة غير شرعية مع حبيبها نور الشريف، وغيرها أمثلة كثيرة جدا.
وعندما منع هاني شاكر منع مطربي المهرجانات من الغناء في مصر، نسى أن يمنع ملايين المشاهدين من متابعتهم، وأيضا هم لجأوا للغناء في دول أخرى، فهل هذا القرار ساعد على حل المشكلة؟ إن كان هناك مشكلة.
هل صحيح ان كل مشاهدي السينما لا يقرأون الصحف والمواقع الإلكترونية ويتابعون ما يحدث من حوادث يومية لا تعبر عن واحد من الألف مما يحدث يوميا؟
هل الناس لا تتابع ما يدار على صفحات السوشيال ميديا ونشر الصور والكلام الخارج الذي أصبح طبيعياً جدا؟
من المهم أن نرى الواقع من حولنا بكل واقعية ولا نعيش في الوهم، وننظر للتغييرات الجذرية التي حدثت وما زالت تحدث منذ عشرات السنيين وبدأت نتائجها تظهر خلال السنوات القليلة الأخيرة.
فهناك من لا يدفن رأسه في الرمال بل يدفن نفسه بالكامل، ولابد أن نعترف بداية الإصلاح هو الاعتراف بوجود العيوب ثم عملية الإصلاح سوف تستغرق سنوات أيضا إذا أردنا الإصلاح.
إن الواقع سيء مع الأسف وعندي مشاهداتي الشخصية التي لو عرضتها قد يظن البعض أني أبالغ أيضا مثل الأفلام.
بالمناسبة برنامج رامز جلال هو أعلى نسبة مشاهدة على الاطلاق في برامج رمضان، وكل سنة وأنتم طيبين.