أصحاب ولا أعز
* مفاجاة، قد تكون في انتظارك في السطور الأخيرة، وأعدكم بأن يكون كلامي مفيدا وموضوعيا قدر الإمكان.
غريب أمر الفئة التى لديها وقت ومال وبال لمشاهدة فيلم “أصحاب.. ولا أعز”، ومع ذلك تستعجب من وجود مثيل لشخصيات الفيلم في الحياة الحقيقة حولها.. (حديثي وكلامي هنا سيتركز بالأساس، حول هذه الفئة تحديدا) !
ظني، أن أغلب من يجادل ويهاجم ويدافع عن الفيلم، لديه في محيط عائلته وأصدقائه نماذج “مقاربة”، ولا أقول “مطابقة” لشخصيات الفيلم، وإذا لم يكن سمع أو قرأ عن حوادث ووقائع أبطالها شخصيات تخون في الواقع أو على الإنترنت وتخون الأصدقاء بل والأقارب، شخصيات مثلية الجنس، شخصيات تقبل الجنس خارج نطاق الزواج، فعلى الأغلب يجب أن يتم الاحتفاظ به في متحف التاريخ غير الطبيعي !
يا عزيزي، ويا عزيزتي، الدراما والأدب بشكل عام، معنية في الأغلب بقصص الخيال Fiction Stories، وهذا يعنى أنها قد تعكس بعض الواقع أو كله أو لا تعكس مطلقا، الباب مفتوح هنا للابداع والخيال بكل ما فيه من شطحات، أما إذا كنت تبحث عن قصص تعكس وتلتزم بالواقع كما هو، والتى يطلق عليها Non-Fiction، في المكان الأفضل هو نشرات الأخبار، أو بعض برامج التوك شو، وإن كان بعضها يخلط الواقع بالكذب Mal-Information ! وهذا أسوا ما يمكن أن يتناوله عقله في المطلق !
إذا وصلت معي لهذه النقطة، فقد تكون اعتقدت أني ادافع عن الفيلم، وفي الحقيقة أنا كنت أوضح كيف تنتقذ الأعمال الدرامية، المبنية على خيال المؤلف بالاساس وليست سردا لوقائع أو قصص حدثت في الواقع !
أما إذا كنت مصرا على أن نحتكم لمقياس “واقعي أو ليس واقعي” على أي عمل درامي، ولا تنسي أننا قلنا بالأعلى أنه ليس المعيار الاساسي، ومع ذلك سوف أجيبك وبصورة موضوعية، ولكن بعد تحليل لشخصيات الفيلم المأخوذ عن فيلم إيطالي بعنوان “Perfect Strangers”والتغير في الأسم بين العملين قد يكون التغيير الأكبر بين النستختين، مع التأكيد أن الحديث عن الوقائع شائك ونسبي جدا، فالجتمع أصبح متشعب جدا، وليس كل الفئات تشترك في نفس القيم، ثم أن القرب من الواقع لا يعنى بأنه يمثل، أو يمثل ظاهرة منتشرة، وهكذا !
نأتي لتحليل شخصيات الفيلم، ورغم أن نسخه طبق الأصل من عمل إيطالي، لكن يمكن الإدعاء بأنه يعكس جزء من حالات وأشخاص واقع الفئة المستهدفة بالفيلم وبمنصة نتفليكس بشكل عام في المنطقة العربية، وهي فئة تعيش في هذا العصر ذو الطبيعية الرقمية بروح انفصامية، بين ما تربت وتعودت عليه في بيئة شرقية محافظة، وبين ما أصبح جزء من الواقع العالمي حولها، وكلمة السر هنا في موبايل وسوشيال ميديا.. ..
ولو شئنا بعض الدقة، وشيئا من التفصيل، سنقول إن شخصيات الفيلم (8 شخصيات رئيسية) تعكس واقع “منتشر ومتعارف عليه” بنسب متفاوتة، وإجمالا لا يمكن القول أن كل الشخصيات تمثل “ظاهرة” في الجتمعات العربية بشكل عام، كيف هذا:
– شخصية الشباب مثلي الجنس، وجوده والتعامل معه بهذه النظرة المستهجنة من قبل أغلب أصدقائه بعد انكشاف أمره، مع حرصه على اخفاء حقيقة ميوله الجنسي، أمر طبيعي جدا وفقا لقيم المجتمع الإيطالي الذي يعد محافظا مقارنة بالمجتمعات الأوربية عموما، وهنا ليس ببعيد عن قيم المجتمع الشرقي.
– شخصية الخائن والخائنة/ أونلاين أو أوفلاين (نصف الأبطال يعيشون حياة الخيانة)/ هنا قد تكون نسبة الانتشار متفاوتة، ولا أظن أنها مماثلة بنفس النسبة في المنطقة العربية عن إيطاليا “منشأة العمل الأصلي ! وكان الأفضل لصناع “النسخة العربية” أن يراعوا هذه الاختلافات، ويبدعوا في حدود الخيوط الدرايمة الأصلية، عوضا عن النقل الحرفي!
– الجنس خارج نطاق الزواج/ وتحديدا فكرة التساهل مع إقدام فتاة عمرها 17 سنة على ممارسة الجنس مع صديقها (كان عمرها 16 في النسخة الإيطالية) أمر مستغرب بهذه الطريقة، خاصة فكرة التعامل بهذا الهدوء، وهذه الحكمة المفرطة، وأعتقد أن هذه النمط من السلوك يعكس قيم المجتمع الإيطالي، أكثر ما يعكس قيم المجتمع العربي، حتى بنسخته المتفتحة في بيروت ودبي !
سؤال الحلقة.. هل نتفليكس تتعمد نشر هذه القيم في أعمالها ؟
هناك الكثير من التقارير الصحفية ونقاشات عدة على الشبكات الاجتماعية العربية، تضع علامات استفهام بل وتعجب من طريقة دعم نتلفيكس لهذه الأعمال التي تروج بصورة مفرطة للعنف والجنس، وتلعب دورا متعمدا لانتاجها ونشرها بصورة كبيرة على مناصتها، وبات الأمر أكبر بكثير من الاطار الدرامي الطبيعي، وهناك عشرات المقالات والتقارير تتحدث عن وجود استراتيجية واضحة وفجة من نتفليكس لدعم مجتمع LGBT بتضمين شخصيات بطرق وبنسب أكبر بكثير من الواقع، حتى بالنسبة للمعايير العربية!
جرب البحث عن جوجل على هذه الكلمات Why Netflix LGBT.. (النتيجة 2- أو3 سوف تدهشكم)، وهنا، لا يجب أن نتصور أن الأمر يتم في إطار مؤامرة على أي أحد، هذه خزعبلات، ولو كنت تتحسس عقلك أو اشتراكك في نتفليكس، فيجب أن تعلم أن سوق المنطقة العربية كله بالنسبة لها لا يتجاوز 10% في أفضل الأحوال، من إجمالي عائدات نامية وصلت العام الماضي 7.7 مليار دولار، بعدد مشتركين يصل الي 222 مليون مشترك، نصفهم تقريبا من الأمريكيتن، وأقل من الثلث يأتي من أوربا وأفريقيا والشرق الأوسط !
– ولكن لماذا تفعل ذلك نتفليكس؟ هذه قصة طويلة، تحتاج بحث وتقصي طويل لأنها تحمل ابعاد قيمية وتجارية- الأقبال على هذه الأعمال كبير في الواقع- وشخصية أيضا، لاحقا ربما نخوض فيها !.
الختام: أدبيات العصر الرقمي تعلمنا دروسا قاسية، أهمها أن وجودك في الواقع، قد يكون مربوط بوجوك الرقمي، وطريق المجتمعات النامية للتطور مرهون بقدرتها على حماية عملية التطور، لكي تتم في بيئة طبيعية وصحية قدر الإمكان، وهذا بدوره مربوط بقوتها الرقمية، لكي لا تقع فريسة الاستنساخ السهل لقيم مجتمعات أخرى، مرت بدروها على محطات وتجارب مختلفة، وحصلت على وقتها كاملة، قبل أن تصل لمحطتها الحالية.
نفس المعادلة تقريبا تنطبق على التقليد الأعمى للتجارب الاقتصادية والاجتماعية والديموقراطية، وتجارب حقوق الإنسان والتغيرات المناخية وغيرها من المفاهيم وليدة البيئة المحلية ونتيجة تطورها الطبيعي، وأي محاولة لاقحام قيم قبل أو بعد آوانها، قد تؤدي لخلق مجتمعات مشوهة، لا هي قادرة على المحافظة على قيمها، أو هضم قيم الأخر الأقوى “رقميا”.. باختصار، هذه قواعد العالم الجديد، قواعد العولمة الرقمية.
فهل نعي حقا ذلك، وهل نحن مستعدون لذلك؟ ! أصحاب ولا أعز
أصحاب ولا أعز