رجال الأعمال لايحبون الصحافة، وإن عشقوا المصالح والسلطة التى تأتى من وراءها، يحبون التقرب والجلوس إلى رؤساء التحرير- خصوصا المشاهير منهم-، ويتفاخرون أمام موظفيهم فى الشركات الأخرى – نعم دائما هم يمكلون شركات أخرى وإلى جانبها يفتحون جريدة باعتبارها كشك- بأنه أصبح لديهم جريدة تظهر صورهم فيها إلى جانب أخبار هى بالكاد –لو لم يكن هم أصحاب الجريدة- تنشر فى أسفل صفحات الأخبار، هذا إن وجد لها مكانا أصلا وسط أخبار البلد والدولة والحياة عموما، فمن سيهتم بكلمة قليلة الفكر والفهم لرجل أعمال متخصص فى مجالات أخرى كثيرة ولكنها جميعا بعيدة عن السياسة والحياة العامة أى لاتهم القراء من أى ناحية.
ربما تكون هذه مقدمة لا علاقة لها بالكلام القادم فى رأيك لكننى أرها صلب الموضوع وأزمته الحقيقية، فإدارة جريدة التحرير التى قررت مؤخرا غلقها والتوقف عن إصدارها اعتبارًا من أول سبتمبر المقبل، أصدرت بيانا ونشرته فى الصفحة الأولى من عدد اليوم من الجريدة محتويا على كم رهيب وكبير وغريب من الأخطاء فى حق مهنة الصحافة عموما والورقية منها تحديدا، قالت المؤسسة فى بيانها المُوقع من مجلس الإدارة ومجلس التحرير العام أن قرار الإغلاق جاء “فى ظل انصراف أغلب قطاعات المجتمع عن قراءة الصحف المطبوعة خصوصا الشباب، واتجاههم فى الحصول على معلوماتهم من الصحافة الإلكترونية”، يااااه “المجتمع انصرف”، ما هذه الدراسة التى اعتمدوا عليها ورجمت الـ 90 مليونا بالإنصراف عن قراءة الجرائد؟ من أقنع المؤسسة الكبيرة بهذا الانصراف، هل قامت بصرف جزء من الـ 55 مليونا التى يقول مالكها السيد أكمل قرطام أنها خسرتهم فى عامين ملكيتها للجريدة على أبحاث عن علاقة الشباب بالصحافة الورقية وأدركت أنهم يتجهون إلى الإلكترونية؟، فلتخرج لنا المؤسسة هذه الأبحاث لكى نستفيد منها جميعا، خصوصا نحن فى الصحافة الإلكترونية بما أننا – حسب بيان المؤسسة- الأنجح والشباب يفضلوننا عن الصحافة المطبوعة، ثم هل سأل شخص ما فى مجلس الإدارة مثلا السيد مجدى الحفناوى مستشار التوزيع لدي الجريدة ولدى جريدة المصري اليوم أيضا عن هذا الكلام، وقال لهم أن الصحافة المطبوعة فى طريقها للاندثار وبالتالى كان قرار الغلق؟
أيضا ورغم أن البيان الأخير لم يقل ذلك ولم يتحدث مطلقا عن حقوق الصحفيين، فبيانات سابقة تم تعليقها فى المؤسسة تقول أن بعض الصحفيين من أبناء التحرير سيتم توزيعهم على إصدار المؤسسة الجديد وهو جريدة الأهم!، هذه المؤسسة “هتجننا والله”، ألم يتجه الشباب إلى الصحافة الإلكترونية؟ فلم ستصدرون أنتم جريدة ورقية جديدة وستوزعون صحفيي التحرير عليها، ولا هو “هنقفلها وخلاص واللى مش عاجبه يروح الأهم”.
نتفهم جيدا أن يصدر كلاما غير لائق وغير حقيقى من مجلس الإدارة بما أنهم جميعا وفى جريدة التحرير تحديدا لا علاقة لهم بالصحافة من قريب أوبعيد- إلا أن السؤال هنا كيف يوافق السادة رؤساء تحرير الجريدة وهم السيد/ إبراهيم منصور والسيد/ أنور الهواري والسيد /على السيد رئيس مجلس التحرير العام والسيد/ كارم محمود – مدير تحرير الجريدة وعضو مجلس نقابة الصحفيين- على هذا الكلام الخاطئ فى حق الصحافة المطبوعة التى تربي جميعهم فى رحابها منذ سنوات، وكيف يسكتون أيضا على الاتهامات الواضحة التى وجهها لهم رئيس مجلس الإدارة أكمل قرطام فى حواره اليوم لجريدة المصري اليوم بأنهم السبب فى انهيار الجريدة وقرار غلقها، حينما قال لمحاوره :” -خلافات إدارة (التحرير) طوال الوقت كانت من أسباب تراجع توزيع الصحيفة… وطالبت إدارة تحرير الجريدة بتطوير المحتوى الصحفى الذى تقدمه للقارئ والاعتماد على السبق الصحفى دون استجابة”.
فهل هذا يؤكد ما يقوله الصحفيون داخل الجريدة أن القيادات باقية وإن أغلقت الجريدة، لأنهم جميعا – أى القيادات- لديهم عقود عمل حتى نهاية العام الحالي ومصالح مرتبطة بمجلس الإدارة تجعلهم يوافقون على هذه الأخطاء فى حق صاحبة الجلالة والفضل علينا جميعا.
كلام جديد آخر أصبح يتصدر حقيقة صفحات مواقع التواصل الاجتماعى ليس إلا، وهو أن إغلاق الجريدة أمر سياسى من الدولة، بسبب موقفها من السلطة خلال الفترة الماضية –فترة رئاسة تحرير أنور الهواري لها-، وهذا كلام محض هراء لا يليق سوى بصحفيي الفيسبوك، لأن المقربين من جريدة التحرير وإدارتها يعلمون جيدا، أنه منذ فصل الموقع الإلكترونى للجريدة عن الإصدار الورقى، والكلام عن الغلق والاكتفاء بالموقع متداول داخليا، وقد ظهر هذا بوضوح فى ليلة رأس السنة الماضية حينما اعتصم صحفيى الإصدار الورقى اعتراضا على تأخير رواتبهم وصرف رواتب العاملين بالموقع الإلكتروني، وبعدها اقتطاع 30 % من رواتب صحفيي الورقى فقط لصالح الموقع الإلكتروني، وتبع ذلك تصرفات كثيرة كانت تدل على نية مجلس الإدارة فى إغلاق الجريدة، وهو ما اعترف به السيد أكمل قرطام فى حواره مع جريدة المصري اليوم نصا وقال:” أحب أن أؤكد للجميع أن أيا من مؤسسات الدولة لم تطلب منى إغلاق الجريدة، ولو حدث ذلك فلن أسمح به”، ولذا فما يلوكه البعض عن قيام الدولة بغلق الجريدة فهذا هو من لا يقرأ صحفا ولا يعرف شيئا عنها “لامطبوع ولا إلكتروني”.