أحمد أسامة أدباء خارج الترند أدباء خارج الترند
اسم ذو وقع مميز، يجذبك بسهولة ويسر ويحرك الفضول بداخلك لمعرفة من هي صاحبة ذلك الاسم المتميز، خاصة إذا اقترن الاسم بلقب الكاتبة أو الروائية قبله، ويصبح الفضول مضاعفا مع معرفة المواهب المتعددة التي تنافس الكتابة، مثل الرسم والديكوباج، فكلها مواهب تتفنن صاحبتها في إتقانها والتمكن منها إلى حد بعيد، وتمارسها جميعا بنفس الشغف والاهتمام.
مي خالد، تخرجت من الجامعة الأمريكية كلية الإعلام عام 1985م، وتعمل مذيعة بالبرامج الإنجليزية الموجهة بالإذاعة المصرية، كما تعمل في ترجمة وتمصير الأعمال الدرامية التلفزيونية. صدر لها الكثير من الأعمال إبداعية تنوعت ما بين الرواية والمجموعة القصصية وأدب الرحلات. حصلت روايتها “جيمانيزيوم” على جائزة أفضل رواية ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2016م، كما حصلت روايتها الأخرى ” تمار” على جائزة أفضل رواية ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020م.
صدرت أخر أعمالها منذ فترة وجيزة، أواخر عام 2021م، رواية “سر العنبر” عن دار العربي للنشر والتوزيع.
هناك سمة مشتركة تجمع بين كل الفنانين والأدباء، ألا وهي أن لكل منهم شخصيته الفنية المستقلة، كل عمل فني تجد فيه ما يميزه عن غيره، ويجعله في مكانة فريدة، وبالتالي يكون مرجع ذلك لصاحب العمل الفني، الذي يستطيع إبراز تلك الميزة دونا عن غيره بشكل مميز للغاية، تكون تلك الميزة أشبه بتوقيع شخصي، يملكه شخص واحد فقط. صحيح أنه يوجد من يحاول الاقتراب وأداء أعمال أخرى بنفس الكيفية، أو بطريقة مشابهة، لكن تبقى الأصالة أحادية المنبع، وبعيدة إلى حد كبير عن مستوى المنافسة، ويحتفظ صاحبها بحقه الأصيل في أن يقرن الآخرون اسمه بتلك الميزة، وهذا ما ينطبق بالفعل على مي خالد، التي تتميز فيم يعرف برواية الأماكن، حيث تشترك كل أعمالها الإبداعية في أن عنصر المكان يكاد أن يكون هو البطل الرئيسي فيها كلها.
تتميز مي خالد باهتمامها الشديد بأدب الأماكن وتاريخها، تطغى فكرة الحنين إلى الماضي أو ما يعرف بالنوستالجيا على كتاباتها، تمزجها بحرفية شديدة داخل العمل مع رسم دقيق للشخصيات، تأخذ القارئ في رحلة مدهشة وانتقالات سلسة بين الماضي والحاضر، بأسلوب سردي متصل، كأنها تكتب تأريخا لمجموعة أشخاص في فترة زمنية ما، تؤرخ لذكريات الأشخاص والأماكن وكأنها تصنع لهم ذاكرة جديدة وتحفظها على الورق. تبدي اهتماما خاصا بالأماكن الشعبية، لا فرق إن كانت أحياء أو أزقة، تؤمن أن تلك الأحياء هي من تخلد ذاكرة قاطنيها. أيضا تتميز باعتمادها على بطلين في معظم أعمالها الأدبية، لا تفضل البطولة المطلقة لشخصية واحدة، لإعطاء الفرصة لظهور الكثير من التفاصيل.
في روايتها الأولى “جدار أخير” الصادرة عن دار ميريت عام 2001م اعتمدت المؤلفة على قصة الحب الكلاسيكية المعتادة بين طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، الطبقة الشعبية والطبقة الأرستقراطية، بمفارقات ومواقف خفيفة الظل، توضح تفاصيل المجتمع الدقيقة وتغير التصرفات والانطباعات، مع دمج لبعض الألفاظ العامية في الحوارات المتبادلة، كل ذلك أضفى ذلك على الجو العام للعمل متعة حقيقية مدهشة، قلما تجدها لدى أي عمل أدبي أول.
في مجموعتها القصصية “مونتاج” الصادرة عن دار الدار عام 2008م، اعتمدت مي على التعرض بشكل أكبر للبشر بشكل عام، دواخل الشخصيات ودوافعها، الهدف من تصرفاتها وتعاملاتها اليومية والحياتية، أشخاص عاديون جدا نقابلهم يوميا في جميع الأماكن على اختلاف طموحاتهم وأحلامهم.
في كتابها “مصر التي في صربيا” الصادر عن دار العربي عام 2013م والذي يندرج تحت تصنيف أدب الرحلات، تكتب عن تجربتها الشخصية حينما تمت دعوتها للإقامة في بيت الأدباء بقرية “ترشيش” في صربيا، وأوجه الشبه بين المجتمع الصربي والمجتمع المصري والتقاطعات التاريخية بين البلدين، والعودة إلى الوراء فيم يخص الفن الشعبي الصربي، تأكيدا على أن التواصل الإنساني هو أقوى الروابط بين البشر.
في روايتها “جيمانيزيوم” الصادرة عن دار العربي للنشر، تقتحم مي خالد عالم صالات الألعاب الرياضية، ومع لعبتها الكتابية الأثيرة في التنقل بين الأماكن، ومن مصر إلى سويسرا، تقترب من أحلام وطموحات النساء، ومخاوفهم. أيضا البعد عن إصدار الأحكام مهما كانت الأخطاء المرتكبة، ومحاولة التعاطف مع معاناتهن النفسية، وما حدث من اضطرابات وعدم استقرار نظرا للأوضاع السياسية المتقلبة حينها، مما أضفى على الأحداث والشخصيات جوا حميميا وجعلهم أقرب إلى القلب والنفس.
أما في روايتها الأخرى “تمار” الصادرة عن دار العربي عام 2019م، تستكمل مي خالد رحلتها في البحث عن تاريخ الأماكن، ومزج الواقع بالخيال والأساطير، وتعقب الأحداث والوقائع التاريخية، وبين مصر وجورجيا تأخذ القارئ في رحلة عامرة بالمغامرات الإنسانية والصدف البسيطة، في محاولة العثور على رابط بين شقيقتين جمعهما رحم واحد، وفرقتهما تصاريف الحياة، معتمدة على ثيمة الأزياء والموضة، كخط أساسي لتطور الأحداث.
في آخر أعمالها الأدبية “سر العنبر” الصادرة عن دار العربي عام 2021م أقدمت الكاتبة على تغيير طريقتها واكتفت بالبطل الرئيسي الواحد، والمكان الواحد، حيث تدور أحداثها في مدينة القاهرة فقط، ومرتبطة بالزمن المعاصر دون الغوص في التاريخ بالطريقة الاعتيادية، بل التركيز على الاهتمام بعلم الآثار والمواقع الأثرية، وطرق أبواب جديدة، مثل علم “الأركيولوجي” وعلم “الأنثروبولوجي”، واعتماد ثيمة جديدة للشخصيات، تتلخص في أن كل شخصية لها رائحتها المميزة، وعطرها المستقل، استنادا على بحث متعمق في علم العطور والعطارة.
مي خالد تكتب من أجل الإنسانية، تكتب من أجل نفسها، تعتقد في قرارة نفسها أن الكتابة جزء أصيل من شخصيتها، تؤمن أن الإنسانية هي أقوى رابط يربط الشعوب فيم بينها، تكسر العوائق والحواجز والنعرات السياسية والعنصرية، ومحاولة تحجيم مجال القبح المستشري من حولنا، لعل وعسى أن يكون ذلك دربا من دروب النجاة في الحياة