إسراء إبراهيم
تشارك الكاتبة الصحفية علياء أبو شهبة، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ53، بكتاب “الوصم” الصادر عن دار المصري للنشر والتوزيع.
الكتاب يناقش معاناة مرضى “الإيدز” في مصر مع الوصم المجتمعي والحكم عليهم، وتقدم “أبو شهبة” خلال الكتاب مجموعة من الحكايات الحقيقية لمرضى “الإيدز” التي عايشتها خلال صناعتها إحدى التحقيقات الصحفية، وكذلك تقدم العديد من المعلومات العلمية والطبية حول طبيعة المرض وكيفية انتقاله وتاريخه وتطور اللقاحات الخاصة به، في شكل معلوماتي مبسط.
حاور إعلام دوت كوم الكاتبة الصحفية علياء أبو شهبة، لمعرفة العديد من كواليس كتابتها لكتاب “الوصم”، والتي ذكرت أنها منذ نشرت تحقيقها بعنوان “الترياق القاتل” عام 2014، تلقت العديد من التعليقات التي تفيد بأن تجمع تلك القصص في كتاب توثيقا لما عايشته. مشيرة إلى أن ذلك التحقيق غير الكثير في حياتها المهنية والشخصية. كما أنها كانت ترى وقت نشر التحقيق أنها لا تمتلك الخبرة الكافية لنشر كتاب، إذ أنها خطوة كتابة الكتاب لا يُقدم عليها سوى من يمتلك الثقافة الواسعة.
أشارت إلى أنها كانت تمتلك العديد من القصص الجيدة التي لم تستطع الحديث عنها خلال التقرير، ومن هذا المنطلق بدأت في تقديم ورش تدريبية عن الفئات الموصومة اجتماعيا. لافتة إلى أنها عام 2018 قررت العمل على الكتاب وبدأت في وضع خطة خاصة للعمل عليه، حيث تفرغت بالكامل للعمل على الكتاب وتوقفت عن صنع التحقيقات.
أوضحت أنها استعانت خلال كتابتها الكتاب بتجارب أخرى لصحفيين وثقوا تجارب مشابهة، وكانت أغلبها تجارب أجنبية وفي ذلك الوقت بدأت بوضع مسودتها الأولى للكتاب التي مرت بمراحل عديدة إلى أن خرج في شكله النهائي، وقالت: “من حسن حظي في تلك الفترة إني اتخصصت في الصحافة العلمية، ودا خلاني عايزة أعمل توعية بالفيروس وازاي نتجنبه، ويعني إيه وصم وكيف بدأ.. وكنت عايزة أعمل دا في كتابة علمية مبسطة، ولو كنت عملت الكتاب سنة 2014 مكنش هيطلع زي دلوقت، لأن الخبرة والمعلومات بقت أعلى”.
تحدثت عن سبب ذكرها لمعاناتها مع نشر التحقيق في بداية مشوارها الصحفي خلال بداية الكتاب، موضحة أنها كانت تريد إعلام الناس أن الأشياء ليست سهلة لكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة فهي تحتاج لمجهود ومثابرة، لذلك تعمدت وضع الأحداث الصعبة التي مرت بها خلال فترة صناعة التحقيق، إذ أن الفكرة حُرقت خلال عملها على التحقيق من صحيفة أخرى لذلك اضطرت لتغيير فكرة التحقيق وكتابته من أول وجديد. موضحة أنها خلال العمل أدركت معنى كلمة “الوصم” جيدا التي تمُارس كنوع من الثقافة المجتمعية في مجتمعنا للأسف.
وعن قرارها لاتخاذ خطوة “الكتاب”، لفتت إلى أنها كانت لا تستطيع ذكر كل ما لديها من معلومات خلال التقرير الصحفي، لذلك حاولت توصيل أجواء معاناة المرضى من خلال الكتاب، لأن التحقيق الصحفي يعتمد على الحقائق وليس الرأي الشخصي أو الانطباعات. مردفة: “قبل ما أكتب التحقيق ومن بعده الكتاب، كنت متخيلة أصعب حاجة هتقابلني هي مقابلاتي مع المتعايشين مع الإيدز، لكن دي كانت أسهل نقطة في التحقيق، وكان هما من نفسهم بدأوا يقولوا معلومات خاصة عنهم فأنا كنت حريصة عليهم وحسيت بالمسؤولية الكبيرة عليهم وكنت خايفة عليهم من نظرة المجتمع”.
أضافت: “أنا طول الوقت كنت متعثرة في نشر التحقيق، وكان بيتقالي ليه مهتمة بمرضى الإيدز هما كام واحد! بس التعليقات دي حفزتني أكتر”. مشيرة إلى أنها كانت متعاطفة في البداية مع من أصيبوا بالخطأ سواء من خلال نقل الدم الملوث أو عبر شركائهم، موضحة أنها تعلمت من خلال التعامل مع المرضى أن تفصل مشاعرها الخاصة عن حديثهم حتى ترى الحقائق، ومن ثم تعلمت أن دورها ليس الحكم على الناس، مضيفة: “أغلب السيدات اتصابوا عن طريق أزواجهم وكنت بسأل الأزواج أنتوا كنتوا عارفين كان بيتقالي أه، وبيقول لزوجته بعد ما تتصاب.. بس أنا اتعلمت أني أقوم نفسي ومحكمش على حد.. وبقيت برا الكتاب بدور على دا في حياتي أن محدش يحكم عليا”.
أردفت أنها كانت حريصة في كتابتها لقصص المرضى المتعايشين مع الفيروس أن تكون بلا عواطف أو انطباعات رغم أن القصص نفسها مؤثرة، ورصدت كذلك خلال عملها على الكتاب تناول الدراما للمرض، وكيف تصالح معه الغرب حاليا رغم أن بدايته لم يكن الغرب متصالحا مع المرض.
وعن البداية الفعلية لكتابتها الكتاب، قالت إن زميلها الصحفي الراحل حازم دياب كان مشجعا كبيرا لها وفي إحدى المرات التي جمعتهما كان في معرض القاهرة الدولي للكتاب وأهداها مجموعة من المراجع التي تتناول مرض “الإيدز” بصور مختلفة وشجعها على بداية مشروعها، موضحة أن تلك الواقعة كانت عام 2017، وبدأت الكتابة الفعلية بعد وفاة حازم بأيام عام 2018، متابعة: “لما الكتاب طلع حسيت كأنه حاسس وفخور، وأنا كتبتلها شكر في الآخر.. وفي الإهداء مكنتش عايزاه يبقى شخصي عشان كده وجهته للناس اللي وثقت فيا ودخلتني حياتها الشخصية”.
نوهت عن أحد أسباب نشر التحقيق الخاص بها، كان رفضها كتابة سبب إصابة الأفراد بالفيروس، إلى أن اتفقنا على كتابة سبب من يريد الإعلان عن ذلك بإرادته. مضيفة: “الفكرة أن الواحد ممكن يكون متعايش مع الإيدز ومش عارف، وممكن يتنقل لأي حد بأي طريقة، في أطفال بتتولد بيه طب دول ذنبهم إيه! أنا عايزة الفكر يتغير لأن التعصب والعنصرية موجودة وأنا عايزة الناس تتعامل بتسامح لأن كل واحد له صندوقه الأسود اللي محدش يحب يشوفه”.
أردفت: “فكرة الوصم دي فئات كتيرة بتعاني منها وفي مهن كاملة بتعاني منها”. مشيرة إلى أن المشكلة تكمن في الوعي وما سيغير فكرة الوصم المجتمعي هو وعي المجتمعات لأن الإنسان عدو الشيء الذي يجهله، وهو الأمر الذي حدث في بداية انتشار فيروس كورونا. مردفة: “أنا مقتنعة تمام إن لا المرض ولا الموت عقاب، وكل ما كان بيقابلني عقابات كان بيحفزني أكتر للعمل على الموضوع”. مؤكدة على أن العمل على الموضوع جعلها تتصالح مع نفسها ومن حولها في حياتها الشخصية.
وفيما يتعلق بالمعلومات الطبية التي تناولها الكتاب، أوضحت أنه تم مراجعتها من قبل أطباء وباحثين أصدقاء لها، وبعض المعلومات الأخرى علمت بها من الإطلاع وحكم تخصصها كصحفية علمية، لافتة إلى أنها حرصت على وضع تلك المصادر في نهاية الكتاب حتى يطلع عليها الناس. مشيرة إلى أن ظهور فيروس كورونا أفادها في العمل على كتاب “الوصم” حيث إنها طورت من الكتاب بعد ظهور كورونا، إذ أنها كانت قد انتهت منه عام 2019 لكنها أضافت إليه بعد الأجزاء بعد ظهور الفيروس الذي يهدد العالم حاليا، ومنه جزء اللقاحات الخاص بالإيدز.
ذكرت أن بعض المرضى الذين تم ذكرهم في الكتاب تواصلوا معها وأبدوا إعجابهم بالكتاب، بينما البعض الآخر قرر عدم التواصل معها على الرغم من موافقتهم على نشر محتوى الكتاب، لكنهم يريدون تخطي تلك المرحلة من حياتهم. مضيفة: “أنا مدركة دا تماما، لأن في ناس بعد الإصابة بتغير حياتها بالكامل، وبتقطع علاقتها كلها وبتغير مكان شغلها وسكنها”. لفتت إلى أن الوضع الدوائي أصبح أفضل عما كان خلال بداية كتابة التحقيق. مؤكدة على أن الوعي هو سر تغيير الحياة.
اختتمت: “واجهت صعوبات في إني ألاقي دار نشر تقتنع بالفكرة لأنها مش رواية ولا قصة قصيرة ولا شعر محدش قادر يستوعب أن دي قصص واقعية”، مضيفة: “شايفة أن الكتاب هيساهم بقدر ما في تغيير فكر المجتمع والثقافة”.