ربيع السعدني يكتب: قل حكومة الصفر ولا تقل طالبة الصفر

1-حلم الطفولة تحول إلى كابوس

ربيع السعدني
ربيع السعدني

ما أن تنتهي مريم من تحصيل دروس الصباح في المدرسة وجولتها اليومية في المساء بين “سنترات” المدرسين بالخارج، كانت تعكف علي الكتاب طوال الليل وتلتهم ما في جعبتها من مذكرات وواجبات للحصول علي الـ”full Mark” في كل المواد بشهادة مدرسيها وهي تقضي أكثر من 15 ساعة يوميا علي هذه الحالة دون كلل أو ملل وضيق من روتين اليوم المدرسي الطويل وثقل المناهج الدراسية وجو المذاكرة الشاق الذي لا ينتهي وطوارئ الثانوية العامة التي تقتل الأهل بالبطئ وتصيب الطالب بالعته الفكري من جراء أسلوب الحفظ والتلقين والحشو الفارغ الذي يعبئون به عقولهم دون شرح أو فهم وتوعية وتنمية قدراتهم العلمية والذهنية والحوارية، حتي صار يضرب بهم المثل في الجهل والغباء، “سيبك منه دا عيل حافظ مش فاهم”، “أدي اللي خدناها من التعليم الحكومي”، “كده ولا لأ .. يامتعلمين يابتوع المدارس”، .. الأزمة هنا في التعليم الذي يعلم “التبليم”، لا فيمن يتلقونه.

نقطة ومن أول السطر افتح قوسين بألوان قوس قزح وضع بداخلهم تلك الزهرة المتفتحة والأيقونة المصرية الخالصة.. (مريم ملاك ذكري).. ليس هناك في بر مصر وشرقها وغربها وصعيدها وبحرها من لا يعرف تلك الطالبة النابغة التي وصموها إعلاميا ورسميا زورا، بإسم “طالبة الصفر”.. وياعجبا لدولة توزع الأصفار علي أبنائها وتطردهم من أرضها وفي كل ركن بها تحمل أصفارا خاوية من الحجم العائلي تدخل بها موسوعة “غينيس” من أوسع ابواب “الخيبة”.

2-ياريس.. لا تقل طالبة الصفر وقل حكومة الأصفار

مريم ليست مجرد طالبة عادية مثل غيرها، تحضر دروسها وتحصل واجباتها طلبا للنجاح نهاية العام الدراسي فحسب، بل هي فتاة مثالية تسعي نحو حلمها منذ التحاقها بالصف الأول الإبتدائي بأن تكون “جراحة عالمية مشهورة”، وتحقق حلم طفولتها بدخول كلية الطب البشري لتخفيف أوجاع المرضي ومعاناة المصابين التي تراهم طوال الوقت علي شاشات الفضائيات.. عملت لذلك منذ نعومة أظافرها، اجتهدت.. تفوقت.. نبغت .. حتي شهد لها الجميع بالتفوق والتميز وكانت تحصل علي الدرجات النهائية لأكثر من ثمانية أعوام علي التوالي، حتي جاءت المرحلة الفاصلة في حياتها المستقبلية”السنة النهائية من الثانوية العامة” وأبلت بلاءا حسنا في دراستها ودروسها واختباراتها الشهرية وأخير اختبار أخر العام وانتظرت نتيجة الإمتحان بفارغ الصبر وكلها ثقة وأمل مشوبين بالخوف والقلق والرهبة التي تلازم الجميع في ذلك التوقيت، طلبة وآباءا علي حد سواء وكانت علي يقين بأنها ستسمع اسمها يتردد بقوة بين الطلبة الأوائل علي مستوي الجمهورية، ولكن أذيعت الأسماء ولم يأت اسم مريم.. هنا أصيبت بالصدمة والحسرة والألم من خروجها من “دائرة المتفوقين” حتي توالت عليها الصدمات لاحقا كاللهب الذي يخرج من فوهة البركان.. واتجهت إلي مدرستها “صفط الخمار” الثانوية بالمنيا للإستعلام عن نتيجتها التي تأخرت كثيرا، فكانت الصاعقة الكبري لها ولأهلها حين نزل عليهم الخبر التالي: “الطالبة مريم ملاك ذكري حصلت علي صفر بجميع مواد الثانوية العامة، عدا اللغة العربية التي حصلت فيها علي “1,5درجة”، رغم تفوقها ونبوغها خلال السنوات الدراسية السابقة .

انهارت مريم ودخلت في نوبة بكاء مريرة وحزن عارم وصراخ غير منقطع وانقطعت تماما عن الأهل والأصدقاء ولزمت غرفتها التي شهدت ليال السهر والأرق والمذاكرة والمعاناة في تحصيل الدروس وامتنعت نهائيا عن الأكل والشرب والكلام واعتزلت الجميع، حتي كادت أن تفارق حياتها، لولا لطف الله بها وتدخل الأطباء وحتي الآن وهي تعيش علي المحاليل الطبية..

3-رحلة عذاب من الاستكتاب تنتهي بكشف التزوير

رحلة طويلة من العذاب والإكتئاب والحالة النفسية السيئة عاشتها مريم، صاحبة الثمانية عشر ربيعا طوال سنوات الدراسة وبعد ظهور نتيجة “الصفر” لأول مرة في تاريخ الثانوية العامة.. بداية من تقدمها بتظلمات عديدة ضمن 43 ألفا أخرين تقدموا بتظلمات هذا العام لمديريات التربية والتعليم، لإعادة تصحيح كراسة الإجابات الخاصة بهم، حينذاك أكد محمد سعد، رئيس عام امتحانات الثانوية العامة نصا: “أن الطالبة أجابت إجابات غير صحيحة وهو ما أدَّى لحصولها على درجة الصفر، وخطها في كراسة الإجابات مطابقا لخطها الأصلي ومن الصعب التلاعب في أوراق أي طالب أو الاستهانة بعمليات التصحيح التي تمر بأكثر من مرحلة قبل إعلان النتيجة النهائية” وذلك بعد أن استدعت النيابة العامة رئيس كنترول أسيوط للتحقيق في حالة الطالبة مريم وطالبت النيابة العامة بالتحفظ علي أوراقها .

هنا طالب أهل الطالبة مريم بخبير خطوط من وزارة التربية والتعليم لإستكتابها لمعرفة الفرق بين خط يدها والخط المكتوب في كراسة الإجابات حتي جاء الرد الرسمي من قبل الوزارة بأن تلك الطالبة لا تستحق علامة أكثر من الصفر، لإستحالة سرقة أوراق الإجابة لأنها تحتوي على رقم سري لا يعرفه الطالب ولا حتى المراقبين في لجنة المراقبة ولا حتى المصححين لأوراق الامتحانات، لكن مريم وأهلها لم يفقدوا الأمل في الحصول علي العدل والإنصاف لكشف حقيقة الصفر الباطل، فأمروا باستكتابها غير ذي مرة علي مدار ثلاثة أيام متتالية ومعاينة الخطوط عند خبراء الخطوط حتي المرة الخامسة لفحص أوراقها بمقر أبحاث التزوير والتزييف التابعة لإدارة الطب الشرعي بأسيوط، بعد أن قالت مريم: “الخط ده مش خطي وتم استبداله” وما تزال النتيجة النهائية قيد الإنتظار.. وهذا هو الإنتظار الذي يسبق العاصفة .

4- كذب الوزير وصدقت طالبة

“وآه لو يجدي الكلام آه لو يجدي الكلام.. هذه الأمة ماتت والسلام”.. لعل في كلمات العظيم أحمد مطر خير توصيف وإسقاط بالضربة القاضية لما صرنا إليه اليوم، ففي تصريح سابق لوزير التربية والتعليم الدكتور محب الرافعي عبر فضائية دريم وبرنامج “العاشرة مساءا” أكد أن الوزارة أثبتت بالفعل أن ورق إجابات الطالبة مريم هو ورقها بعد الفحص، وبعدما قامو بإستكتابها ضمن 40 أخرين حصلوا علي صفر % في الثانوية العامة، أقرّ منهم 33 حالة بالنتيجة وتراجعوا عن شكواهم ضد الوزارة وتنازلوا عنها وبقي 7 أخرين في انتظار تحقيقات النيابة التي كشفت مؤخرا عن التلاعب في الأوراق الخاصة بالطالبة مريم وتزوير كراسة الإجابات الخاصة بها .. وكذب الوزير وصدقت طالبة!! هنا أعلن “الرافعي” أنه سيتقدم بإعتذار رسمي لها وتحويل المتسببين في الواقعة للنيابة ويمنحها درجات تصاعدية تعويضا لها !! ولسان حال مريم: خذ اعتذارك وارحل بعيدا عنا.. فما عاد يجدي الإعتذار وما حدث في عهدك عبث وهذر وانتحار !!

 

اقـرأ أيضـاً:

ربيع السعدني يكتب: احنا في زمن محفوظ عجب الأخرس   

ربيع السعدني: مات أبانا الذي يسكن قلبي  

ربيع السعدني: 1980 و أنت طالع.. ضحك كالبكا

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا