هذا الصباح كنت أتصفح صفحتى الفيسبوكية المسكينة كعادتى، و كعادتها كانت مليئة بالأخبار الحزينة هنا و هناك ما بين جريمة داعشية و لاجئة تقبل يد شرطية أوكرانية لكى تسمح لها بالعبور و آخرين ماتوا غرقاً أثناء محاولاتهم التسلل إلى أوروبا ، صراع أفضى إلى الموت هنا وموت سيدة أفغانية رجماً هناك ، موت و حداد صفحات تتشح بالسواد و صفحات أخرى لنساء تشكو شح العدل و المساواة ، ورجال تشكو تسلط النساء ، إتهامات و لوم و قلق و دموع ، صفحات تملؤها الأدعية فلا يمكنك أن تخرج منها قبل أن تقول سبحان الله و أخرى لفتاه خرجت لتوها من دينها من هول ما رأت من تصرفات من يدينون به ، بوستات تحذر من دخول النار و أخرى تحذر من عشرة أخطاء شائعة فى الصلاة.
ظللت هكذا حتى تعثرت بملف صوتى لأغنية بعنوان إغسل قلبك كلمات الشاعر السكندرى أحمد شبكة غناء و ألحان محمود بدراوى ، حتى أستريح من هول ما لقيت فوق صفحات الأصدقاء و إعمالاً للمثل الغجرى القائل ” إبق حيث الغناء فالأشرار لا يغنون ” .
قررت الإستماع إلى الأغنية في المرة الأولى صاحب هذا الإستماع سرعة فى ضربات قلبى، و نشوة تسري في شرايينى و إبتسامة لا تفارقنى ، لا أدرى كم مرة أعدت الأغنية لأستمع لهذا الصوت الذى تميز ببحة غربية ساحرة وهذا اللحن الراقى الرائق كنبع ماء ينساب داخل أذنيك ، محمود بدراوى الموهوب الذى لحن و غنا هذه الكلمات العبقرية للشاعر السكندرى أحمد شبكة كل منهما أكثر عبقرية من الآخر ، هذا المزيج الفريد الذي يشبه نور الفجر الذى فر لتوه من ظلام الليل و ها هو يركض فى الأفق نوراً على نور ، و لكى أتأكد من تأثير هذه الكلمات على غيرى و هل ستصيبه بحالة شبيهة من الوجد و النشوة أعدت سماع الأغنية على أصدقائى حيث قابلوها بكثير من الدهشة الممزوجة بالبهجة و التساؤل ” هو لسة فى حد بيغنى حلو كدة كلام حلو كدة ؟؟؟
لم أكتفي برأى جيلى في الأغنية ، فأردت لو عرفت رأى من هم أكبر منى، و رأى المراهقين أيضاً حيث يسكن أحدهم بيتى فأنا أماً لمراهق قد خلع عنه ثوب البراءة للتو و لا يعجبه أى من إختياراتى فى الموسيقى تقريباً ، لكن ما إن سمعها هو و أصدقاؤه حتى صاروا يرددونها و يستخدمون مفرداتها فى الحوار فيما بينهم و أمسكت أحدهم متلبساً و هو يدندنها بدلاً من المهرجانات التى ضقت بها و بكل ما تحمله من أرواح متعبة لم تعرف طريقها للحياة بعد ، كل هذا كان رهان بينى و بين الحياة على أن مثل هذا الفن النابض بالحياة لابد و أن ينتصر و مثل هذه الكلمات المغسولة النقية لابد و أن تفرض نفسها وسط كل ما نراه من إسفاف ، هذا النوع من الفن من أمثال أغنية إغسل قلبك سماعه يفرز فى دمك هرمون السعادة المصحوب بالنشوة المستمرة ، ليت كل الغناء على هذا القدر من الإبداع و الرقى .
اقرأ أيضًا: