أدباء خارج الترند (7).. هدرا جرجس

هدرا جرجس
أحمد أسامة

تعد الجوائز الأدبية وسام رفيع المستوى، يتشرف به حامله، ويرفع من روحه المعنوية، كما يمنحه الكثير من الثقة، فيم يتعلق بمحتوى ما يقدمه وقيمته الأدبية، ويكون دافعا ومحفزا لصاحبه للشروع في عمل جديد. ورغم أنها قد تكون هدفا في حد ذاته لبعض الكتاب، نظرا لفائدتها في إيصال العمل الأدبي لشريحة أكبر من القراء. أغلب الأدباء لا يحالفهم الحظ في الحصول على جائزة، رغم ترشحهم لنيلها، وآخرون قد يحصلون على جائزة واحدة رغم طول قائمة أعمالهم، ولا تتوقف النقاشات التي ترى استحقاقه لتلك الجائزة من عدمه، إلا أن هناك فئة من الأدباء، يقتنص جائزة كلما أصدر عملا، بل قد يحصل على عدة جوائز عن ذات العمل، وهؤلاء نادرا ما يحدث عليهم خلاف بشأن موهبتهم، وقيمة منتوجهم الأدبي، نظرا لتنوع أعضاء لجان تحكيم الجوائز، واختلاف أذواقهم، إلا أنهم اتفقوا على منح الجائزة لمن يستحقها، وإلى هذه الفئة ينتمي الكاتب والصحفي هدرا جرجس.

هدرا جرجس زخاري، من مواليد محافظة أسوان. تخرج من قسم الصحافة كلية الآداب جامعة جنوب الوادي عام 2000م، عضو بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة. تنوعت إصداراته بين الرواية والقصص القصيرة وقصص الأطفال، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات، فحصل على جائزة مؤسسة الصدى الإماراتية عن روايته غير المنشورة “الجسد اللين لامرأة الصلصال” و جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2007م عن روايته “مواقيت التعري” والتي حاز عنها كذلك جائزة مؤسسة الأهرام وجائزة ساويرس للثقافة فرع شباب الأدباء عام 2008م، كما ترشحت للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة إعلاميا بال”بوكر”. أيضا حاز على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 2012م عن متتاليته القصصية “بالضبط.. كان يشبه الصورة” وأخيرا نال جائزة ساويرس للثقافة فرع شباب الأدباء عام 2016م عن روايته “صياد الملائكة”.

نرشح لك: أدباء خارج الترند (6).. أمينة زيدان

 

صرحت لجنة تحكيم جائزة ساويرس الثقافية في كلمة حفل تسليم الجائزة عام 2016م عن رواية “صياد الملائكة”: رواية تصوغ العالم من عين تقف خارج المشهد وداخله في وقت واحد، من ثم يصبح حضور هذا العالم مجردًا من وقائعيته ومجانيته، وتبدو أشياؤه حية متألقة في سرد خافت النبرة ينحى النثري ويمنح الصدارة للكائنات الصغيرة التي نحيت جانبًا، كأنها واقعة في منطقة بين الواقع والحلم، فتدعم الصفة الطيفية لها. ومع ذلك تفيض بمعان تتجاوز هشاشتها لتدل على ما هو بعيد الغور في الإنسان.

رغم أن أغلب ما كتبه حصل على جوائز، إلا أنه يشعر أنه لم يكتب عملًا ناجحًا بعد، ولو كتب عملًا يرضيه، ويخرج كل ما لديه من أسئلة، ستكون هذه جائزته الكبرى. لا يزال مقتنعاً بأنه لم يخرج بعد كل ما لديه في الكتابة، أو بتعبير أدق أنه لم يرض عما يكتبه حتى الآن، رغم أنه يكتب بكل أحاسيسه وكيانه، لأن الكتابة عنده تعني الحياة، بكل ما تحمله من معان كبرى وتفاصيل صغيرة وتعقيدات لا متناهية، فالإنسان برغم ما يحمله من قوة خارقة، تقع على عاتقه محاولة اكتشافها، إلا إنه ضعيف، وضعيف جداً، لدرجة أن فيروس أصغر من أن تراه يجعله يتهاوى، ولا أحد يمكنه أن يدعي امتلاك الحقيقة، أو الإمساك بيقين ثابت، من دون أن يرتجف رهبة وخوفاً، وكتابة الرواية بالأخص في نظره هو الادعاء بأنه أمسك اليقين أو امتلك الحقيقة، حتى وإن ظهرت في الكتابة حائراً في بحثك عنها.

لطالما رفض هدرا جرجس مصطلح الأدب القبطي، ورفض كذلك وصفه بأنه يكتب أدباً قبطياً، فالأصل عنده أدب عربي وأدب فرنسي، لا أدب إسلامي وأدب مسيحي، هناك أدب قبطي فعلاً، ولكنه يقتصر على تلك الكتابات التي وجدت قبل الفتح العربي، تلك التي كتبت باللغة القبطية، لغة مصر قبل الفتح العربي، وهذا الأدب أو ما وصل لنا منه، صار أثاراً على أوراق البردي، ولا ينبغي أن نقول عمن تأتي في نصوصه الأجواء القبطية إنه يكتب أدباً قبطياً، وإلا كان نجيب محفوظ الذي كتب عن المساجد القديمة والتكايا والأسبلة يكتب أدباً إسلامياً. لا يستطيع أن يكتب عما لم يعشه أو يحس به، ولكن تدور أجواء رواياته كافة في نطاق مصري في الأساس، وواقعي بالفعل، لذا لا وجود لمصطلح كاتب قبطي من الأساس.

هدرا جرجس
هدرا جرجس                                         

يعتقد أن أفضل ما تفعله الجوائز أنها تعرف القراء إلى الأدباء، والعكس صحيح. تُقرأ الأعمال الفائزة بجوائز على نطاق أوسع، ووفقاً لمعيار مصداقية الجوائز وقيمتها المادية وقدرتها على الدعاية لنفسها، يكون معدل الاهتمام بها. ولكنها تظلّ الجانب التجاري من القضية، فهي ليست مقياساً لقيمة العمل. صحيح أن وجودها أمر مهم وضروري، لكنها لا تخدم الكاتب نفسه بل فكرته، فتفيد كتابه لا قلمه، محققةً له الرواج، وواضعة إياه في نطاق المواجهة مع القراء، إذ تحمل لهم الرسالة بيسر. لكنها، رغم ذلك كله، لا تمنح الكاتب صك التصديق أو الهوية أو الاعتراف. باختصار، هي لا تصنع منه كاتباً، وإن صدّق الكاتب جوائزه سيموت، بل ينبغي عليه أن يصدق همه الشخصي فحسب، وأفكاره ورؤيته، للإنسان وللأرض وللسماء.

نرشح لك: أدباء خارج الترند (5).. نبيل نعوم

 

يرى هدرا أنه لا يملك رفاهية الاختيار في تصنيف ما يكتبه سواء أكان قصة أم رواية، ما يختاره النص أثناء الكتابة يسير معه حتى النهاية، حتى لو كان تصنيفه خارج القصة والرواية معاً.

في قصته “مواقيت التعري” الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2007م، تدور أحداثها حول عالم مرضى “متلازمة داون”، وعالم الأصحاء في أحد القصور الإقطاعية التي تحولت إلى مدرسة فكرية في عصر التأميم. يشعر القارئ لدى قراءته للعنوان بالزيف، وأن الجميع يخافون من التعري حتى عندما يكونون بمفردهم، رغم أن جسم الإنسان ليس فيه ما يجعل صاحبه في حالة خجل منه. في الرواية محاولة للتمرّد على هذا الوضع، ودعوة إلى الثورة على العادات والتقاليد التافهة التي تسبب تعثر وتأخر المجتمع. إنها دعوة مفتوحة كي نصل إلى أن نرى عرينا ونسعد لرؤيته.

مواقيت التعري
مواقيت التعري              
مواقيت التعري
مواقيت التعري                                                 

في متتاليته القصصية “بالضبط.. كان يشبه الصورة” الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب عام 2012م، قصص متتابعة، بنفس الشخصيات، وبنفس الزمان والمكان، وبخط درامي تتطور معه الشخصيات، وتصاعد الأحداث لكشف ما بها من غموض، عبر تقنية الفلاش باك، وإلقاء الضوء على العلاقات الإنسانية داخل الأسرة الواحدة، في جو لا يخلو من الإنسانية، والصدف الدرامية المؤثرة.

بالضبط.. كان يشبه الصورة
 بالضبط.. كان يشبه الصورة        

أما في روايته “صياد الملائكة” الصادرة عن منشورات الربيع عام 2016م، يطرح هدرا جرجس قضية الفتنة الطائفية في الصعيد، وعلاقة المسلمين بالمسيحيين ودور الدولة والكنيسة في التعامل مع مشكلات المسيحيين، والتركيز على حالة التناقض الشديدة داخل كل فرد من أفراد المجتمع، حالة شيزوفرينيا عامة يعانيها المجتمع ككل، ولا تتقبل أي اختلاف مع عاداتها، كما أنها لا تعيد حساباتها ولا تراجع نفسها. يتقمص في الرواية دور الراوي ويعتمد على الأسلوب السردي والدلالات الرمزية، محاولا الوصول لقلب كل قارئ، وعقله أيضا، حتى يراجع كل شخص نفسه، فكل ما هو صواب يحتمل الخطأ، والعكس صحيح.

صياد الملائكة                                 

هدرا جرجس كاتب ذو قلم مميز، يمارس ألعابه السردية في عالمه الذي نشأ فيه ويعرفه تمام المعرفة، لا يهتم بالجوائز ولا بكثرة الإصدارات، فكل ما يشغل باله أن يكتب ما يشعر به، ويطرح الأسئلة التي يرى أنه في حاجة لمعرفة إجابتها، وليس أدل على ذلك أن قصته ” الجسد اللين لامرأة الصلصال” الغير منشورة، ما زالت غير منشورة حتى الان، بسبب اقتناعه أنها ما زالت بحاجة إلى التطوير والتعديل حتى تصبح قابلة للنشر من وجهة نظره.

حفل توزيع جوائز الدورة الرابعة من مسابقة إعلام دوت كوم