لولا ثورة الشعب في “ميدان التحرير” لما صدرت “جريدة التحرير”، الميدان الذي كان قلب الثورة وعبر جورنال باسمه عن صوت الثورة، صدر في الثالث من يوليو عام 2011 وتوقف إصداره في الأول من سبتمبر 2015 ومن بين ذلك التاريخ وذاك مر الجورنال بما مر به الميدان.
كنت واحدًا من الملايين الذين شاركوا في ثورة الخامس والعشرين من يناير وكنت واحدًا من المئات الذين شاركوا في “جورنال التحرير” منذ العدد “الزيرو”، وكان حلمي مثل حلم ملايين الشباب في الميدان “مصر جديدة” وحلمي مع الشباب في الجورنال “صحافة جديدة”، وكنا نرى في الميدان والجورنال أن المستقبل لنا وسيصنع بأيدينا.
مر حلم شباب “ميدان التحرير” بالكثير من الأزمات من بينها ما يُسأل عنه الشباب أنفسهم والأعظم منه يُسأل عنه الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على حكم مصر منذ 11 فبراير، ومر “جورنال التحرير” بالكثير من الأزمات، وتلخصت الأزمات في الميدان والجورنال في سوء الإدارة والصراعات على الكراسي وسيطرة رأس المال، واتفقا في تلك الأزمة على عنوان كتب في نص السطر “قتل حلم الشباب”.
وإذا تطرقنا إلى ما حدث في مصر على مدار أربعة أعوام وشهور قليلة وتناقشنا “من حكم ومن ثار ومن باع ومن خان”، فأنا أرى أن يكتبه التاريخ أفضل، ولهذا فمن الأفضل أن أكتب عما حدث في “جورنال التحرير” على مدار أربعة أعوام وشهور قليلة، الجريدة التي ولدت من رحم الثورة ومن رحم أزمة جريدة الدستور، شارك في تأسيسها برئاسة تحرير الأستاذ إبراهيم عيسى مع مجموعة من خيرة شباب الصحافيين في مصر، وظل الجورنال طوال عهد المجلس العسكري منبرًا لصوت الشارع، وكان مقره مقرًا لانعقاد المؤتمرات الصحافية لائتلافات شباب الثورة، وظلت صفحاته مفتوحة للحوارات مع الرموز الوطنية المصرية، وكانت صفحته الأولى يرفعها المتظاهرون في كل شارع وميدان، ومع حكم جماعة الإخوان المسلمين وتزايد أخطائها كان “جورنال التحرير” في مقدمة الصحف التي رفضت حكم الدكتور محمد مرسي للبلاد واستمر على النهج كصوت للثورة وجورنال لا يعترف بالحاكم أو حكومته، ومهد الجورنال بل وشارك في الموجة الثورية التي قامت في الثلاثين من يونيو ضد حكم الإخوان حتى جاء الرئيس عدلي منصور كرئيس انتقالي للبلاد.
وحاولت التحرير الوقوف مع الدولة وشعبها في إعادة بناء المؤسسات ورفض العمليات الإرهابية حتى جاء حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن تاريخ هذا الحكم تغير الكثير والكثير في الصحافة والإعلام وفي قلبهم “جورنال التحرير”، عملنا في صالة التحرير داخل “جورنال التحرير” وفق خطوات عريضة وهي الدفاع عن مصر وجيشها وشعبها ومتحدين مع إدارة الشعب المصري جزءًا كبيرًا من دول العالم، إلا وأن النظام الحاكم لم يترك فرصة للتكاتف بين كافة القوى الوطنية والشباب إلا وانتهكها بممارسات أعادت إلى الأذهان ممارسات نظام حسني مبارك، ووسط تلك الأحداث ترك الأستاذ إبراهيم عيسى “جورنال التحرير” وتولى رئاسة تحريره الأستاذ إبراهيم منصور، وتصاعدت أزمات الحريات في البلاد وأصبحت الأزمات الاجتماعية تزداد يومًا بعد الآخر وفي الجانب الآخر تزداد العمليات الإرهابية الغادرة في مقتل الجنود الأبطال في سيناء حتى وصلت للعاصمة، حاولنا كثيرًا خلال هذه الفترة أن نكون مع الوقت صوت الشارع والثورة والشباب مرة أخرى الذي ربما لم يجدوا صوتًا في وسائل الإعلام في هذا الوقت، نجحنا في البعض وفشلنا في البعض الآخر.
حتى وإن جاء لرئاسة التحرير الأستاذ أنور الهواري الذي لم يتولى منصبه إلا شهور قليلة وأحدث طفرة شعر بها الشباب والثوار والنظام والمواطن في الشارع، تسببت تلك الأصوات في بعض القلق لدى بعض أجهزة الدولة بطبيعة الحال لأن الجورنال أصبح يغرد خارج السرب وأصبح لديه تأثير من جديد وساعد في ذلك اسمه الذي استلهمه من ميدان الثورة، ووسط كل هذا كان للجورنال خسائر اقتصادية “وللعلم والإحاطة كل صحف مصر لديها خسائر اقتصادية وليس التحرير وحده”، فقرر مالك الجريدة المهندس أكمل قرطام وقف الإصدار والإكتفاء بالنسخة الإلكترونية ، ليغلق “جورنال التحرير” أبوابه كما أغلقت أبواب “ميدان التحرير” ويظل القاسم المشترك، ورغم كل هذا لايزال للشباب أمل في تغير هذا الوطن وهذه الصحافة، لايزال الشباب متمسكًا بمبادئه التي لا تعرف السلطة ولا الحكم ولا المال، لايزال الشباب لديه أمل العودة لـ “ميدان التحرير” معبرًا عن صوت الثورة وتعود صحافة “جورنال التحرير” لتكون منبر الثورة.