جوجل
انقرضت الديناصورات، واختفت الأشجار من مواقع عديدة بدعوى الرصف والتجميل، والآن الصحافة التي أعرفها تختفي بسرعة مذهلة.
عقب سنوات لن يكون هناك رؤساء تحرير، سوف يصير المتحكم الرئيس والمايسترو هم خبراء الـ SEO، أو ربما صاروا بالفعل، عبر مجموعات الواتساب التي تجمع هيئة التحرير، وقبل اللقاء الفعلي، إن التقوا أصلا، الكلمة العليا والأولى لذلك الشاب او تلك الشابة المسئولين عن الـ SEO، إليهم ترجع الكلمة الأولى صباحا حين يقولون ما هي الكلمات الأكثر بحثا من قبل الناس، ثم يعودون عقب كتابة الموضوعات لصياغتها بطريقتهم، حتى لو بدت رديئة، الجودة من عدمه لم تعد هي المهم، المهم الآن هو الـ search engine optimization (تحسين محركات البحث) كي يظهر الموضوع أكثر ويحظى بقراءات أكثر، كم القراء هو المعيار وليس نوعيتهم.
صار جوجل هو المتحكم، عما يبحث الناس؟ عن طريقة كفتة الحاتي على طريقة فلانة إذا ذلك هو الموضوع الأهم، لم نعد صحفيين، صرنا موظفين لدى الذكاء الاصطناعي جوجل، ليس هذا فحسب مضى الأمر لأبعد من ذلك.
من بعد جوجل يأتيك الذكاء الاصطناعي عبر ووردبريس ليخبرك بالكلمات التي يجب أن تستخدمها حتى تظهر في عمليات البحث، العدد المطلوب، التنسيق، باختصار أنت مجرد منفذ، لا أفضلية لك بأي شكل، المادة موجودة ويمكن لأي شخص في الكون أن يفعل ما تفعله، لأنه لا يحمل أي ميزة أو اختلاف، أنت لست مهما، المهم هو الـ SEO أو سيرش إنجنين أوبتيمايزيشن، المهم أن تظهر، وأن يضغط عدد أكبر على موضوعك، كلما زادت الزيارات زادت الإعلانات، ليس مهما أن يستفيد الجميع، الفائدة أمر ثانوي، المهم الرقم و”اللي ما يشتري يتفرج”.
حين صرت أعمل وفق تلك الآلية بحكم عملي الجديد، أصبحت أخجل من أن أقول لمحدثي أنني صحفية، هذا كذب بين، أنا موظفة يا سيدي، لدى محرك بحث عملاق، يجبرني أن أعمل وفق الخوارزمية الخاصة به، بالطريقة التي يحددها لي ووفق كلمات محددة وتنسيق معين.
يتم تقييمي باستمرار يا سيدي، مهما بذلت من جهد يشير لي ووردبريس بعلامة برتقالية تقول لي “أوك” نادرا ما يخبرني أن ما كتبته جيد ومن المستحيل أن يخبرني أنه جيد جدا إلا في حالات نادرة، حين لا أكتب سوى سطرين أو ثلاثة، حين يكون كلامي ركيك جدا وغير مترابط، لكنه يوافق الـ SEO، وورد بريس يميل للاختصار والاختزال، ليس المهم الكيف، ولكن الالتزام بما يقول وبعدها سيكون كل شيء على ما يرام وسأصبح الموظفة المثالية في جريدتي حين يصبح موضوعي عن أحدث فضيحة لفلان الفلاني هو الأعلى قراءة بالموقع.. في العصر الجديد لا مكان للصحافيين، المجد للموظفين.