كيف أكتب عن جريدة كنت أكتب فيها؟ القرار صعب، وإن كانت الكتابة صنعتنا، هي الآن تحتاج إلى تفكير مختلف، شريط طويل من الذكريات، عن زملاء كانوا معنا، وآخرين تحولوا لأصدقاء، عن علاقات عمل متشابكة، ومتهالكة في آحيان كثيرة.
الخيار الآن،أكتب عن الوجوة التي مرت من هنا، أم عن المكان الذي جمعنا، أم عن مهنة تختفي، وندرك أننا أول الخيط فيها وسيجر خلفه المزيد في الفترة المقبلة.
نعم، التحرير، لن تكون الأخيرة، الآن نقف جميعًا في قلب العاصفة، بينما ربان السفينة لا يجيد التعامل مع تلك الرياح العاتية، في الأصل لا يوجد في مهنتنا ربان الآن، فلما ندهش من الغرق؟
لكن، السؤال الأهم، وهل لازال هناك ما يدعو للاندهاش؟ «التحرير» مثال صغير لبلد يعيش في زمن اللامنطقية، اللاقانون، اللادستور، اللا أي شئ، وجوه كنا نظنها معنا، فاكتشفنا أنهم يحفرون أمامنا كل يوم حفرة، ويسنون خناجرهم، ويرسمون على ظهورنا أماكن غرزها، أكتشفنا أن من أوهمونا بالحقوق والحريات يطبلون لحفلات الدم الجماعية، هؤلاء الذين صدعونا كثيراً عن الثورة باعوها في أول الطريق، بل وشاركوا في اغتصابها مع أول مكان مهجور صادفهم، أكتشفنا أن أحد منهم لم يعترض على خطوات غلق الأبواب، لا أحزاب ولا مؤسسات ولا دولة.
نحن في زمن لابد أن تغلق فيه الصحف، فهذا زمن الكلمة الواحدة، والرجل الواحد، والمؤسسة الواحدة، أما من يتحدث أو يناقش، فلن يكون إلا خائنا أو كافرا.
هذا زمنهم، زمن الإنحطاط الذي يجرنا معه، زمن التسطيح، والتهييس، وإعلانات المنشطات الجنسية، وتحقيقات، ماذا تفعل ليلة الخميس؟
مجموعة منحطة من الانتهازين، والمفلسين، والاستغلالين، والمرتزقة، أضاعوا المهنة ومعها ضاعت القضية، وهذه النتيجة الطبيعية، لا قارئ للصحف، ولا مهتم بالمعلومة، ولا باحث عن الحقيقة، كل فريق يجري وراء ما يريد أن يسمع، لايصدق الطرف الآخر حتى وإن كان تنزيلًا من السماء.
صحيح، أخطأنا، ونعترف، وعلى الطريق كنا نحاول تصحيح ما اقترفناه، لكن إنه السيف الذي سبق العزل، ونزل على رقبتنا.
في لحظات الهزيمة يجب أن نقف، يجب أن نسأل تلك الأسئلة المعلقة، كيف وصلنا إلى هذا اليوم؟ ما الذي يوقف هذا الإنحطاط؟ كيف نعود إلى القارئ ليعود لنا؟ وكيف نعيد احترامنا لأنفسنا ليحترمنا القارئ؟ نبحث عن طرق فك هذا الحصار الخانق على الرأي العام، من جماعات دينية، وأخرى دولتية.
لو حدثت هذه الوقفات منذ فترة ما وقعت الهزيمة، دعونا نعترف، نحن في لحظة هزيمة، انكشفت كل الوجوه، وسقطت كل الأقنعة، وتبددت كل الأوهام، وأغلقت التحرير.