قبل أن تقرأ : ينشر إعلام.أورج بالتنسيق مع الزميل محمود عبد الرازق جمعة مقاله “كنتم كما ظننَّا.. لا كما تمنَّينا” الممنوع من النشر في العدد التذكاري والأخير لجريدة التحرير.
انتهت أيام “التحرير”…
هل أكتب كلامًا مليئًا بالأمل وأن هذه ليست النهاية وأنها بالتأكيد بداية لمشوار جديد فيه الإصرار والتحدي، إلخ؟
هل أكتب كلامًا عن جمال أيام التحرير والعمل مع الأستاذ إبراهيم عيسى والزملاء الأعزاء في كل الأقسام الذين تَعلّمت منهم والذين أفادوني وشعرت معهم بأني في بيتي ومع أهلي؟
هل أكتب عن الليالي العصيبة التي قضيناها في العمل أيام مجلس طنطاوي العسكري، ثم أيام الإخوان ومرسي، حتى وصلنا إلى أيام صار فيها التفجير والجثث والضحايا خبرًا معتادًا؟
هل أكتب عن كل فرد باسمه وذكرياتي معه ومفارقات العمل الطريفة والمثيرة والمفرحة والمحزنة؟
هل أكتب عن سعادتنا يوم التعيين في الجريدة، وصولًا إلى عضوية نقابة الصحفيين؟
هذه هي الموضوعات التي تليق بعدد نودّع فيه جريدتنا التي قضينا فيها نحو خمس سنوات من أجمل وأقسى ما عشنا في حياتنا…
ولكن هل أكتب عن كل هذا أو عن بعضه، وقد انتهى وأصبح أو سيصبح لا شيء؟ لماذا أكتب إذًا؟ هل أكتب من باب عبث الجريح بجرحه والضغط بالنصل على شقّ الجرح؟
ما أراه حقًّا أنني لا يحقّ لي أن أكتب عن كل هذه البدايات الجميلة، بسبب هذه النهاية المُخزِية. نعم، النهاية مخزية رغم كلاسيكيتها، فصاحب رأس المال يقرِّر بين يوم وليلة أن يُنهِي تجربة ثرية دسمة، خلال أسبوع واحد، ويُلقي بأصحابها في الشارع يبحثون عن قوت يومهم. ومهما قلنا عن الإطار القانوني الذي سارت أو تسير فيه الأمور، فإن هذا لا يُصلِح ما فسد في الإطار الإنساني والمهني الذي يجب أن لا تخرج عنه الأمور. لقد أهاننا رأس المال وصاحبه، وأهان تجرِبتنا، وأساء إلى الوسط الصحفي كله. ولم تكُن نقابتنا ولا رؤوس الجريدة على مستوى الموقف، فلم يحرّكوا ساكنًا ولم ينقذوا الجريدة من سلطة رأس المال وصاحبه…
لهذا لا يسعنا في النهاية إلا أن نقول لكل تلك البدايات الجميلة: “وداعًا”، وأن نقول لتراب الشارع: “منك وإليك نعود”، وأن نقول للنقابة ولكبارنا الذين خذلونا: “شكرًا لكم، كنتم كما ظننَّا لا كما تمنَّينا”.