عزيزي “عم جلال” … تحية طيبة وبعد،،
لو بدأت خطابي هذا بعبارة “الله يرحمك ويديك الصحة يا عم جلال” أكيد هتزعل وتقول عليا دمي تقيل وقد لا تكمل الرسالة لآخرها، لكن هذا الإيفيه السمج بالنسبة لعبقري ساخر مثلك، مدخل لموضوع الرسالة الأصلي، أيوا يا عم جلال، وصل الأمر بالمصريين الذين باتوا يتشككون في كل شيء بأن بعضهم صدق أن أحد الشخصيات السياسية البارزة لايزال حيا بعد شهور من إعلان موته، فلم يكن هناك بدُ من خروج الإيفيه بهذه الطريقة.
أرجوك لا تندهش يا عم جلال، حصل ما أحكيه وحصل أكثر منه قبل وفاتك مثل “أنا قتلت واتقتلت” وبعدما قابلت وجه رب كريم هناك من قال “برجاء الحفاظ على سلامة الخاطفين والمخطوفين”، وهنروح بعيد ليه؟ آخر وأغرب تصريح كان من المتحدث باسم وزارة الداخلية الذي برر عدم تطبيق قانون التظاهر على “أمناء الشرطة” لأنها تجمعهم كان “وقفة احتجاجية” وليس “مظاهرة”!!.
طبعا حضرتك بتقول دلوقتي “إيه هو قانون التظاهر أصلا؟” معلش يا عمنا، لا الوقت ولا الظروف تسمح لي بالشرح، المهم الآن الموضوع الأصلي للرسالة، وهو ليس موضوعا بل سؤال واحد مفيش غيره، كيف كنت تواجه الاكتئاب كلما مرّت على مصر ظروف صعبة؟ الكاتب الساخر الفيسلوف اللي مفيش منه اتنين زيك، هل كان يكتئب مثلنا؟ أم كانت لديه حلول وطرق يهرب بها من الاكتئاب واليأس والتفكير في الهجرة؟.
أكمل ولا زهقت مني؟ يعني يا عم جلال، هل كانت الكتابة وحدها طريقك لمواجهة الاكتئاب وعدم الجدوى؟ أم كان يضايقك أن الكلمات نادرا ما تُغير في أمر مصر الواقع؟ بلاش كل ما سبق، تفسر بإيه أن البلد التي بها ملايين أعجبتهم كلماتك وحفظوها عن ظهر قلب ومازالوا يعيدون نشرها، هي نفسها التي بها الساكتون عن الفساد، الصامتون أمام الفشل، المهللون لكل خديعة، المستعدون لتبرير جميع الخيبات؟
لا أبالغ يا عم جلال صدقني، الوضع ليس على ما يرام، هناك ثغرة ما تتسع، تناقض واضح بين ما يقال أنه يحدث وما نراه يتحقق، وجوه وتصرفات وقرارات ومواقف كثيرة تجعلك تشعر أننا لم نعد نلف حول أنفسنا بل نرجع للوراء بسرعة أكبر من المتوقع، فيما ركاب الأتوبيس لم يعودوا يسألون “مصر رايحة على فين” هم فقط فرحون بأن الأتوبيس يتحرك ومش مهم الاتجاه .
يمكنني أن أمنحك أمثلة من كلماتك المأثورة، مثلا أنت تقول “الصحافة هي عين الشعب إلا أن العين عليها حارس”، الله عليك يا عمنا، بس يؤسفني أبلغك أن الحارس بقى “نِمكي” أول وبيمنع حتى مقالات الرأي في الصفحات الداخلية، تقول أيضا “الارتفاع الشديد في درجات الحرارة حولنا من بلد مسروقة إلى بلد مسلوقة”، الله يرحمك مت قبل موضة الإجهاد الحراري الذي بدأ وانتهى دون أن نعرف هل كان إجهادا أم فيروسا أم قضاء وقدر، أما عباراتك ” وطن يطارد المخلصين ويحتفظ بالمنافقين” فلاتزال كما هي تقريبا لكن مع تحول “يطارد” إلى “يحبس” وترقية “يحتفظ” إلى “يحمي ويُكرم”، أما عن “لا تصدق العريس في فترة الخطوبة ولا المرشح في فترة الدعاية” فاطمئن، حتى الانتخابات البرلمانية ستجري بدون فترة للدعاية وناقص يطلبوا من الناس انتخاب قائمة بعينها للتفرغ من أجل الحرب ضد الإرهاب.
هذا هو الحال يا عم جلال، أرجو أن لا تكون رسالتي هذه قد أصابتك بأي قلق على مصر، فأنت من علمتنا أنها قادرة على تخطي كل الصعاب، لكن لم تقل لنا امتى هتخطي الصعب، وماذا نفعل حتى ينتهي الصعب، لهذا أبعث لك برسالتي هذه، ليس فقط لأعرف كيف كنت تكتب كل هذه الفلسفة الساخرة دون أن تصاب باليأس والاحباط، وإنما لعلك ترأف بحالي وتمنحني إجابة مختلفة لأكثر سؤال حاصرك بعد الثورة.. “مصر رايحة على فين يا عم جلال”؟