مسلسل فاتن أمل حربي
محمد بركة
يبدو عنوان الرواية الأخيرة الصادرة عن دار “الكرمة” للكاتب إبراهيم عيسى “رصاصة في الرأس”، مراوغا ومخادعا إلى حد بعيد، فللوهلة الأولى نظن أنه يتعلق بمشهد محوري في هذا النص وقف فيه أحد أفراد تنظيم “التكفير والهجرة” وهو يصوب رصاصة إلى العين اليسرى “التي يسكن فيها الشيطان” للشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق حين اختطفوه وأهانوه دون مراعاة لشيخوخته وعجزه ثم اغتالوه بخسة ليست غريبة على هذا الفصيل من القتلة.
المعنى الحقيقي للعنوان يتجاوز هذا التفسير المباشر السريع إلى معان أخرى أكثر إلحاحا وديمومة، فإيقاظ الوعي وعدم تكرار “خطايا” الماضي والفصل الحاسم الحاد بين ما هو إلهي مطلق وما هو إنساني نسبي، كل ذلك يشكل الرصاصة الحقيقة التي يصوبها الفن، سواء اتخذ شكل رواية أو مسلسل، ضد كل من نصّب نفسه وكيلا عن السماء وهو يتحدث إلينا وظلا لله في أرضه وهو يحدد لنا ماذا نفعل وماذا لا نفعل.
كانت أجهزة الأمن في السبعينيات وبرعاية “الرئيس المؤمن” تستقبل قيادات التنظيمات التكفيرية في مكاتبها الفاخرة وتقدم لشاب نحيل، يرتدي جلبابا متسخا ويزم عينيه على غضب أبدي تجاه العالم، الليمون والقهوة والحلوى في إطار “صفقة قذرة” بين النظام وحراس الإسلام الجدد الذين هبطوا على المصريين فجأة ببراشوت ليعلموهم دينهم.
ترصد الرواية أيضا حالة النشوى والفوران الروحاني التي تنتاب شابا مغرقا في عاديته لكنه قرر فجأة أن يكون خليفة للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها، والأسوأ حالة الاستعداد لدى المجتمع للتجاوب مع كل نطع متنطع من هؤلاء، وليس ببعيد عنا ما حدث من حالة “التأخون” التي رأيناها حين اعتلى الإخوان السلطة في مصر في لحظة هاربة من التاريخ.
في مسلسل “فاتن أمل حربي” عاد إبراهيم عيسى لممارسة هوايته المفضلة: دع الناس ترى حقيقتها في المرآة! هو لم يأت بشيء من عندياته سوى الإنصات لصوت عظام بشرية تسحقها جنازير دبابة تدعى “قانون الأحوال الشخصية في طبعته المصرية”، الجملة العبقرية في بساطتها وتلقائيتها بين “فاتن” وبين رجل الدين وهى تسأله: “يعني ربنا قال كده بنفسه؟” ستظل تطارد مثل الكابوس مختطفي الإسلام و رعاة التكفير. لماذا؟ لأنها ببساطة تكشف عن فارق هائل بين مراد الله ومراد فقيه في خيمة يعاني من فائض شهوة ويريد منذ أكثر من ألف عام أنثى تخضع له جنسيا خضوعا تاما مبرما يحمل ختم السماء!
يضرب إبراهيم عيسى فيوجع من كان في قلبه مرض وعقله وهم وخياله أحلام بالسيطرة والهيمنة على “العوام”، لكني لم أتوقع قط أن يصل الأمر إلى مؤسسة الأزهر الشريف فيصدر عنها رد فعل غارقا في الغضب الهادر الذي لا يبقى ولا يذر!
تمنيت أن يكون البيان مزيفا، لكن مركز الفتوى التابع للأزهر يؤكده وهو يتهم صناع المسلسل بالاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وتحريف معانيها عمّا وُضِعت له عمدًا، وعَرْض تفسيرات خاطئة لها على أنها صحيحة بهدف إثارة الجدل؛ جريمة كُبرى بكل معايير الدين والعلم والمهنية، وتَنكّرٌ صارخ للمُسلَّمات.
بالله عليكم، إن لم يكن هذا هو التكفير الصريح بحق الإبداع والإرهاب الديني بحق المبدعين، فماذا يكون؟!