هالة أبو شامة أحلام سعيدة
“دع الماء يسكن وسترى نجوما وقمرا ينعكس في كيانك”.. ربما هذه المقولة التي تعود للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، هي أفضل ما يمكن أن نصف به ذلك الانطباع الذي رسخه مسلسل “أحلام سعيدة” حتى الآن على مدار الحلقات السابقة.
فمنذ الحلقة الأولى حرصت الكاتبة هالة خليل، على كشف أدق التفاصيل التي تميز كل شخصية، والظروف المحيطة بها والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تشكيل طباعها أو معتقداتها؛ فمثلا نجد السيدة الأرستقراطية “فريدة” التي تجسدها الفنانة يسرا، تعيش حياة مترفة خالية من المسئوليات، وتعشق كل ما هو أنيق ذو قيمة، إلا أنها حادة الطباع متسلطة، أما “شيرين” التي تقوم بدورها غادة عادل، هي فتاة جميلة ناجحة في حياتها العملية، إلا أنها تعيش صراع نفسي نظرا للضغوطات التي تتعرض لها بسبب تأخرها في الزواج، فيما تتصف “ليلى” التي تلعب دورها مي كساب، بأنها ربة منزل كل ما تطمح إليه هو إسعاد زوجها حتى وإن كان هذا على حساب سعادتها، وذلك بسبب حرمانها من الإنجاب.
ورغم اختلاف الشخصيات ومستوياتها الاجتماعية، إلا أنه تم صياغة الأحداث بطريقة ناعمة متناغمة، قدمت أسبابا منطقية للصداقة القوية التي جمعت بينهم، والتي لعبت دورا مهما في سير أحداث العمل.
الديكور والإضاءة والموسيقى والأزياء وطريقة الحوار بين الشخصيات، صنعت توليفة أنيقة هادئة لا تخلو من الكوميديا، والتي ظهرت بقوة في أداء كل من شيماء سيف ومحمد أوتاكا وحمدي الميرغني، هذا بخلاف يسرا التي ظهرت أيضًا في العديد من المشاهد الطريفة المعتمدة على كوميديا الموقف وطبيعة الشخصية ذاتها، بعيدا عن الإيفيهات المُقحمة غير المبررة.
العمل دراما اجتماعية خفيفة، إلا أنه لفت الانتباه إلى موضوعات هامة، أبرزها التعليم، وهنا لم تنحاز مؤلفة العمل لفئة أو طبقة دون الأخرى، إذ أنها أشارت في بعض المشاهد إلى ضرورة حل مشكلة تكدس الطلاب في المدارس الموجودة في القرى وبعض الأقاليم، فيما بينت على الجانب الآخر مدى المعاناة التي يواجهها الأهالي لقبول أبنائهم في المدارس الإنترناشونال.
كما تناولت الأحداث موضوعات أخرى من بينها تأثير البطالة التي يمكن أن تلحق بأرباب الأسر نتيجة الفصل التعسفي، والصعوبات التي تواجه الفتيات اللاتي تأخرن في الزواج، والضغط النفسي الذي تعاني منه السيدات المحرومات من الإنجاب، والنظرة المجتمعية القاسية تجاه الفتيات اللاتي يعيشن بمفردهن في المجتمعات الشرقية المتحفظة، وتحكم الأهالي في تحديد مستقبل أبنائهم، بالإضافة إلى التطرق للحديث عن الطريقة الصحيحة للتعامل مع المكفوفين وكيفية توظيف التكنولوجيا لدمجهم في المجتمع دون أن يشعروا بنقص أو احتياج.
فيما أكد على مدى أهمية الاهتمام بالصحة النفسية، والاعتراف بنقاط الضعف وعلاجها حتى وإن تطلب الأمر اللجوء للطب النفسي، وظهر ذلك من خلال مشاهد جلسات العلاج الجماعية.
أما حالة التمرد، والأنانية، والتلسط، والعِند، والتضحية السلبية، تمكن العمل من معالجتها تدريجيا ببراعة متناهية، أكدت على أن النفوس والطباع يمكن أن تتغير للأفضل، إذا ما هدأت ومنحت لنفسها فرصة لترى ما بداخلها من جمال، ربما يكون سببا سعادتها وحل أزماتها.