إيمان مندور مصطفى حسني
“أنا حابب أعتذر عن فيديو الحجاب القديم.. ده فيديو من حوالي 13 سنة، الحجاب طبعا فريضة وشروطه ألا يصف ولا يشف، وكانت نيتي وقتها إني أحسن في الشرح فجبت اللبس بتاع موضة وقتها وشرحت عليه، لكن الحقيقة أنا مكنتش موفق في الطريقة دي.. لذلك بعتذر لكل اللي استاء من الفيديو ده.. آه الحجاب فريضة لكن كمان انتقاء أكتر طريقة رحيمة فريضة، وأكتر طريقة فيها ذوق ورقي فريضة، والابتعاد عن الهزار اللي ممكن يوصل إحساس السخرية وأنت بتدل الناس على الله فريضة”.
بهذه الكلمات اعتذر الداعية مصطفى حسني لجمهوره، قبل نحو عام، بطريقة بسيطة وواضحة عن خطأ سابق، دون الحاجة لمبررات أو مطالبة الجمهور بالدفاع عنه… والبداية بهذا الموقف رغم مرور أكثر من عام على حدوثه “مقصودة”، نظرًا لكونه يلخص طريقة مصطفى حسني في مخاطبة جمهوره، دون الخجل من الاعتراف بالخطأ علنا، والعمل على تداركه بشكل حقيقي.
المتابع لمصطفى حسني منذ بداياته وحتى الآن يدرك مدى التطور الكبير في أسلوبه وتثقيف نفسه وزيادة معلوماته وحرصه على الاستعانة بالمتخصصين في مجالات عدة، سواء باستضافتهم في برامجه، أو نسب الفضل إليهم بالاسم عند الاستعانة برأيهم أو مشورتهم، مما زاد من مصداقيته لدى الشباب وجعله الداعية الأكثر شهرة وتأثيرًا وقربًا منهم. وللمفارقة هذا ما انتقده فيه البعض واصفين إياه بأنه شخص يتحدث في “العموميات” والأخلاقيات الممزوجة بأحاديث عن التنمية البشرية لاستمالة الشباب، وهو ما ليس بتهمة من الأساس، بل يحسب له أنه لا يصدر نفسه كـ شيخ وعالم، بل ينصح الشباب باللجوء للمؤسسات الرسمية الدينية، وفي الوقت ذاته يتحدث في أمور تنفع الناس وتفيد الشباب دينيا ودنيويا، وهو ما يجذبهم إليه.
سهولة وصول مصطفى حسني للشباب، جعلت عدد متابعي صفحاته وقنواته الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتجاوز 82 مليون متابع، فضلا عن تحقيقه لأكثر من نصف مليار مشاهدة عبر قناته على يوتيوب، و546 مليون مشاهدة عبر هاشتاج “مصطفى حسني” على تيك توك. مما يجعله – تقريبا – الشخصية الأكثر متابعة في الوطن العربي، بل إن عدد متابعيه يتجاوز عدد متابعي لاعب الكرة الشهير محمد صلاح بنحو مليون ونصف المليون!
والتأكيد هنا على كلمة “المتابعين” مقصود، بخلاف معناها الحرفي عن مستخدمي السوشيال ميديا، لأن المتابعين له هم من يدركون كل هذه التغيرات وكل هذا التأثير وكل هذا النضج الذي يظهر عليه بمرور العمر. فمصطفى حسني البالغ من العمر حاليا 43 عاما، والذي دخل مجال الدعوة في مطلع العشرينات من عمره، عقب تخرجه من كلية التجارة، حيث انضم إلى صفوف معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف، تأثر بالعديد من مشايخه ومعلميه في المعهد، فقرر في تلك المرحلة أن يغير مجال عمله وأن يتجه إلى العمل الدعوي، الذي حقق فيه ما لم يحققه أي من الدعاة الحاليين حتى الآن.
أما غير المتابعين فينقسمون لقسمين؛ الأول لديه فكرة مسبقة منذ أكثر من 15 عاما حين كان مصطفى حسني في سنوات نشاطه الدعوي الأولى، ويراه امتدادًا لموضة عمرو خالد أو ما يعرف بـ “الدعاة الكاجوال”، الذين يجذبون الشباب بسهولة، وبالتالي يراه هذا الفريق بأنه ليس داعية ومجرد “موضة” تعجب الفتيات والشباب لأنه في نفس سنهم. بينما يراه الفريق الثاني أنه من الذين يقومون بـ “تمييع الدين” بالحديث دوما عن أمور دينية ودنيوية مخلوطة بأحاديث علماء النفس، فضلا عن مصاحبة الفنانين وعلاقته الوطيدة بهم، بالإضافة لابتعاده عن السمت المعروف لرجل الدين في الملبس والمظهر.
وبين هذا وذاك تختلف مبررات الانتقاد، لكن يتفق كلاهما في عدم متابعة مصطفى حسني، أو بمعنى أدق عدم إدراك مراحل تطوره، والاكتفاء بأخذ مقاطع معينة للتأكيد على انطباعات مسبقة.
وجمهور مصطفى حسني يعلم أنه لا يصدِّر نفسه باعتباره شيخ أو عالم، بل يقول إنه يستعين بآراء العلماء والمشايخ والمتخصصين لربط الدنيا بالدين، لذلك يغلب على برامجه في السنوات الأخيرة طابع التنمية البشرية، لكن ليس بالصورة “التسويقية” المعهودة عنها، بل بأسلوب يربطها بالدين والحياة ككل، والأهم أنه يقدم ذلك بأسلوب غير منفر، ولا يتعالى على أسئلة الشباب مهما كانت “تافهة” في نظر البعض.
في الحقيقة الإنجاز الأكبر الذي حققه مصطفى حسني هو نجاحه في الوصول لجيل الشباب على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم وأعمارهم، وهو ما فشلت فيه مؤسسات متكاملة وجهات كبرى ومشاهير كثر، خاصة أنه لا يعتمد على البرامج فقط، بل يتواصل معهم عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويرد على تساؤلاتهم بانتظام، وبالتالي يعتبرونه أحد المؤثرين بشكل مباشر في قراراتهم. ويحسب له أيضا القدرة على ترويض نفسه باتباع الأسلوب السهل والليِّن في الدعوة، والربط بين التعاليم الدينية والمعاملات الإنسانية، وإثبات أن الالتزام الديني لا يتعارض مع الاستمتاع بالحياة.
الأكثر لفتا للانتباه في كل ذلك هو قدرته على تجاوز السنوات الماضية دون أن يكون محسوبا على جهة ضد أخرى، فضلا عن كونه الوحيد تقريبا في المشاهير المصريين الذي نجا من الدخول في الصراعات السياسية والتحولات الكبرى التي حدثت عقب ثورة يناير. هذا بالإضافة إلى نجاحه في الوصول للشباب بطريقة لم تحدث مع أي من المشاهير الحاليين، وليس الدعاة فقط.
في النهاية، من المهم تقدير سعي مصطفى حسني لتطوير نفسه، والذي بلغ ذروته خلال السنوات الماضية عبر العديد من البرامج أبرزها “كنوز” و”الثمن”، ثم برنامج “القناع” الذي يقدمه عبر قناة ON في الموسم الرمضاني الحالي، وحصد من خلاله إشادات واسعة تستحق الالتفات إليها، وتستحق من البعض إعادة النظر في تقييمه، وتقييم التطور والنضج الكبير الذي وصل إليه الآن، دون أن يكون محسوبا على أحد سوى فئة الشباب.. الذين أنصفوه من البداية وما زالوا!