محمد عبد الرحمن يكتب: لماذا حققت صورة الطفل السوري كل هذا الانتشار؟

قبل أن ندخل في التفاصيل يجب التأكيد على أنه لا توجد اجابات دقيقة لهذا النوع من الأسئلة، أي لا توجد قاعدة حاكمة تقول متى يصل التعاطف لأقصى درجاته مع صورة مؤلمة بحيث لو تكررت الصورة في مناسبة تالية تحقق نفس تعاطف المناسبة الأولى، لاتزال ردة الفعل البشرية من الصعب توقعها، والدليل أن أطفال سوريا يموتون بالكيماوي وبالبراميل المتفجرة وتحت ثلوج المخيمات وتوجد صور عديدة ومؤلمة لهم ولم تحقق هذا الإنتشار لا عربيا ولا دوليا، بل أن اليوم التالي مباشرة لنشر صورة الطفل السوري إيلان عبد الله كردي، توجد صورة لأم وابنها الرضيع وهم يرقدان على شريط أحد القطارات بالمجر ويعتدي عليهم رجال الشرطة هناك لكن الصورة حققت انتشارا أقل من المتوسط .

بناء عليه ما يلي هو محاولة للإجابة على سؤال أطلقه كثيرون ممن أوجعتهم الصورة ورفضوا نشرها في الوقت نفسه واعتبروا أن هناك “مزايدة” ما وراء انتشارها غير المسبوق بالمقارنة بلقطات أخرى، رغم أن المنطق يغيب عن هذا الإعتبار لأنه لو كانت هناك صور أخرى مؤلمة لم يهتم بها الكثيرون فهذا لا يعني الغضب لأنهم اهتموا بهذه الصورة.

والآن إلى الإجابات والتي ليس من بينها نشر الصحف العالمية للصورة لأنها كانت ستنتشر بنفس القدر لو تجاهلتها صحف الغرب.

أولا : صورة مؤلمة إلى أقصى درجة بدون نقطة دم واحدة، بدون تشويه، بدون قطع رقبة كما يحدث في صور داعش، الطفل كان في وضعية قد تجعل البعض يصدق أنه نائم على الشاطئ، استسلام جثته التام للقدر منح اللقطة خصوصية أصبحت فيما بعد تاريخية لأن هذه الصورة ستعيش دهراً.

ثانيا : دائما ما تغيب الصور عن حوادث الغرق، ولو ظهرت فتكون لجثث طافية وقد ازرق لونها وهنا يصعب إعادة نشر الصور بسبب عدم قدرة الكثيرين على تحمل ملامحها، لكن لأول مرة تطفو جثة لطفل صغير بعد ساعات من غرقه وأكرر وكأنه نائم على الشاطئ .

ثالثا : سبب أخر قد لا يلتفت له الكثيرين خصوصا وأنه غير متوافر بالكادر الرئيسي، لست خبيرا في لغة الجسد، لكن حجم التأثر البالغ لرجل الشرطة التركي الذي كان يقف بجواره وحمله لاحقا بين يديه انتقل – لا شعوريا – للكثيرين ممن أرادوا مشاركة الرجل اللحظة القاسية .

رابعا : وهي مرتبطة بالأولى ولا أملك لها تفسيرا علميا أو مهنيا، معظم من نشروا الصورة كانوا يودون لو أنهم بالقرب من الطفل لرفعه من على الأرض، فكان البديل رفعه على حائط البروفايل مع عبارة وداع مؤثرة .

خامساً : لو أن الطفل كان ملق على ظهره أي ملامحه واضحة للعيان ربما لتراجع معدل انتشار الصورة، الوجع في اللقطة بحيث يبدو الطفل كأنه دمية تركها أطفال لاهون مُكبة على وجهها زاد من الإهتمام بتكريمه عن طريق نشر صورته وتحمل الوجع الصادر منها .

سادساً : لم يكن الطفل محمد الدرة هو أول من يقتله الصهاينة بدم بارد، لكن اللقطة المصورة هي التي أدخلته ذاكرة الملايين، ربما لم يحن لأي طفل سوري أخر تلك الفرصة وجاءت – بكل آسي- لإبن كوباني الكردية، بالتالي تصبح علامة الاستفهام حول انتشار هذه الصورة تحديدا لا مجال لها من الإعراب.

سابعا: تطبيقا على المجتمع المصري تحديدا، جاءت الصورة في توقيت غير متزامن مع أي حوادث إرهابية وسقوط ضحايا على يد جماعات العنف، الأمر الذي حمى “إيلان عبد الله كردي” من المنافسة المحلية بحيث ينشغل البعض بالضحايا المصريين ويصبح ما يحتاجه البيت مُحرم على الطفل السوري .

أخيراً : كل محاولات استغلال الصورة للدلالة على أن المصريين في حال أفضل لم تنتشر، لم يستخدم أحد الصورة لاسترجاع العبارة الشهيرة “احنا احسن من سوريا والعراق” ومن قارن بينه وبين الطفل الذي ركب المحروسة مع الرئيس السيسي في افتتاح قناة السويس، لم يجد من يعيد نشر المقارنة، الصورة الأولى للطفل وهو نائم على وجهه على الشاطئ التركي ظلت لها السيادة وخرج منها عشرات التصاميم الفنية والتعبيرية، لأنها بكل بساطة وبدون الحاجة للأسباب السبعة السابقة، صورة إنسانية نادرة ستحتفظ بها الذاكرة بعيدا عن كون بطلها ليس الأول ولن يكون الأخير.

لمتابعة الكاتب علي تويتر من هنا

لمتابعه الكاتب علي فيسبوك من هنا

اقرأ ايضًا: 

محمد عبد الرحمن يكتب: التنكيت “البايخ” على الزمالك

محمد عبد الرحمن يكتب: العيب من المنبع

محمد عبد الرحمن يكتب: الخطة “السرية” لإقالة وزير الثقافة “الأزهرية”

انتهت مسلسلات رمضان و…بدأ مسلسل “إيهاب طلعت”

محمد عبد الرحمن يكتب: سكوت ..أحمد وفيق بيمثل

محمد عبد الرحمن يكتب: التلقائي ..محمد عبد الرحمن

محمد عبد الرحمن: أستاذ ورئيس قسم الكسل الفني   

محمد عبد الرحمن: الإستثمار على طريقة مجدي عبد الغني

 محمد عبد الرحمن: أحمد حلاوة ..أينشتاين السينما المصرية

محمد عبد الرحمن: رمانة الميزان ..حنان سليمان

 .

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا