خبرة رياض الخولي تتحدث
إسراء إبراهيم
ثقل فني وموهبة كبيرة ارتبطت باسم رياض الخولي تزيده وهجا وألقًا كلما مرت السنوات. انطلقت مسيرته الفنية قبل 4 عقود، قدم فيها ما يقارب من 180 عملا فنيا تنوعت ما بين المسرح والسينما والتلفزيون.
بتمكن الكبار جسد “الخولي” دور كبير “جزيرة غمام”، واستفز الجمهور فنيا للتعبير عن إعجابهم الشديد بأدائه لشخصية “العجمي” على الشاشة الصغيرة.
شخصية العجمي في “جزيرة غمام” من أكثر الشخصيات الواقعية والطبيعية في الأحداث. فهو شخص قوي يتمتع بجبروت ويخشاه الجميع، لكنه يتمتع بالعدل والإحسان في التفكير، وقد يخطئ ويعود فيما أخطأ فيه.
يحب السلطة وقوته معها، لكنه لا يجعلها تسيطر على قلبه. فرفض ظلم الأبرياء في قتل “سندس” وحاول الوصول للحق ولو على حساب أقرب الأقربون. وفي نفس الوقت لديه ميول بشرية كحبه لاستمرار ذريته والسلطة بين قومه فيسعى للزواج للحصول على الولد، لكنه كان حريصا على إخبار زوجته بما سيفعله.
يجمع تناقضات الحياة البشرية اليومية، تراه تارة شديد العنف مع الظالم، وتارة أخرى رحيم ولين القلب مع الضعيف والمظلوم. لكنه قد يصبح ماكرا للحصول على ما يريد معرفته.
يفضل رياض الخولي الابتعاد عن الساحة الإعلامية ويكاد ظهوره في الصحافة والإعلام أن يكون نادرا. ما يضفي هالة خاصة على شخصيته الفنية ويحافظ على رونقه كلما ظهر في عمل ما، فترى المشاهد يهتم فقط بالشخصية والحالة التي يقدمها الفنان بعيدا عن حياته كشخصية معروفة أو شهيرة. فدائما يكون الحديث عنه مصحوبا بالإشادة بشخصيته التي يقدمها في العمل.
استطاع “الخولي” توظيف هذه الهالة بشكل متميز في الأدوار التي يقدمها، خاصة في شخصية “العجمي” التي تعد حالة فنية ممزوجة بالنضج والإتقان الفني الشديد في تقديمها، فتشعر كمشاهد أنك ترى “الخولي” يقدم شخصية بمزاج عال، دون افتعال مبالغ أو نقصان. شخصية وضع بها كل مهاراته وقدراته التمثيلية التي يتمتع بها منذ ظهوره على الساحة الفنية. لكنها بمذاق خاص تلك المرة لحرفية كتابة الشخصية التي يقدمها الكاتب عبد الرحيم كمال ضمن حكاية الجزيرة، ولمسات المخرج حسين المنباوي.
على الرغم من تقديم رياض الخولي لشخصية العمدة وكبير المنطقة من قبل في عدة أدوار، إلا أنها كانت تُظهر جانب الشر فقط، لكن المشاهد شعر بحالة من الألفة مع شخصية “العجمي” التي تقدم صورة كبيرالبلد بالمفهوم الشعبي والمعروف اجتماعيا في القرى والصعيد، والذي يمزج بين القوة ووقوفه بجانب الحق ومساعدة الغير، والذي استطاع “الخولي” تجسيدها بشكل بارع على الشاشة.
يوازن الفنان رياض الخولي في أداء شخصية “العجمي” بين القوة واللين، فهو كبير الجزيرة الذي يحاول فرض إحكامه عليها حتى يستطيع السيطرة على كل ما يحدث بها. لكنه في نفس الوقت حريص على ألا يظلم أو يستخدم سلطاته في الظلم وقهر الضعفاء.
نرى “الخولي” في ذلك الدور كأنه على المسرح، فهو متمرس في تقديم الأدوار المسرحية وقد كان مديرا للمسرح الكوميدي لعدة سنوات. يستخدم قوة صوته باعتدال فتجد صوته يرتفع في التهديد والوعيد ومواجهته مع “البطلان” أو “محارب”. وفي ذات الوقت يكون لينا عطوفا في حديثه مع “عرفات” وابنته “درة” ويغازل زوجته “بنورة” ويعاملها برفق. وكأن صوته جزءا من عوامل نجاح الشخصية الدرامية.
كما تتغير تعبيرات وجهه وفقا للحالة التي يكون عليها في المشهد وانفعاله وقتها، وقد تجده في ذات المشهد قد تغير تعبير وجهه أكثر من مرة وفي كل مرة يدهشك التعبير المناسب الذي يجيده لتجسيد مشاعر الشخصية دون مبالغة.
في حديث للفنانة عايدة فهمي مع “إعلام دوت كوم“، ذكرت أن “الخولي” نجم كبير يهتم بكل التفاصيل ويراعي زملائه ومن حوله من أفراد العمل. كما أنه قبل كل مشهد يدرسه جيدًا كأنه ممثل جديد.
كذلك يقول أيمن عثمان الباحث والمراجع التاريخي للعمل، كتب عن رياض الخولي عبر “فيس بوك”: “في بعض فترات الراحة كنا نقعد على قهوة الجزيرة يغني ويقول أشعار ومعلقات ونتكلم عن مصر سنة 14، وعن أهم مشاهد السينما العالمية.. ابن بلد وجميل وراقي.. وغول قدام الكاميرا، وند كبير لأي ممثل يقف قدامه”.
يلقى رياض الخولي ألقًا غير عاديا في الأدوار الصعيدية. فهو واحد من الذين برعوا في تقديم دور الرجل الصعيدي بانفعالاته المقنعة والقوية للشخصية. وتلك مهارة أخرى، أن يقدم شخصا أدوارا بها لهجة مختلفة عن ما اعتاد أن يسمعه بها الجمهور ويحقق النجاح فيها، خاصة أن الذين قدموا الأدوار الصعيدية في الدراما وبراعوا فيها قليلين، لعل أبرزهم عبد الله وحمدي غيث اللذين ارتبطا اسمهما بالصعيدي، لكن “الخولي” استطاع أن يكون امتدادا لجزء من قدرتهم على إقناع المشاهد بالأدوار الصعيدية.
فسبق وقدم “الخولي” دور الصعيدي قبل “جزيرة غمام” في مسلسل “الفرار من الحب” عام 2000، وهو المسلسل الذي يعتبر أيقونة في تاريخه ومن بدايات أدواره في تقديم الصعيدي، وقدم فيه شخصية ابن العمدة صاحب النفوذ والهيبة الذي يقع في حب قريبته التي يرفض أهله وعاداته الموروثة من منحها الميراث. وفي عام 2006 قدم عملين ظهر بهما في دور صعيدي، هما “حدائق الشيطان” الذي جسد فيه شخصية الفلاح الطيب الذي يقاوم الشر في بلده ويتعرض للمخاطر لأجل لذلك، وقدم دور الزوج الصعيدي الذي يترك زوجته تجابه الحياة من أجل تعليم أولادها ومحاولة المعيشة في “امرأة من الصعيد الجواني”.
وعلى مدار 5 سنوات، قدم دور الصعيدي الذي يمتلك النفوذ والجبروت واتسم بالظلم في مسلسل “سلسال الدم”. كما اعتاد “الخولي” على تقديم شخصيات مركبة وشريرة وقدم دور العمدة أو الكبير مقاما في أكثر من عمل مختلف وبرع فيه.
ساعد “الخولي” في تقديم تلك الأدوار ملامحه المصرية الأصيلة وبشرته السمراء، كذلك بنيانه الجسماني القوي، ونبرة صوته المتميزة، التي تؤهلة بقوة لمثل تلك الأدوار.
مسلسل “جزيرة غمام” مليء بالإسقطات السياسية والدينية والاجتماعية. وشخصية “العجمي” كان لها نصيبا من تلك الإسقاطات والتصورات التي فكر فيها المشاهد. فالبعض اعتبر “العجمي” رمزا للرئيس السادات الذي ظهر في بداية الحلقة الأولى في زيارة للجزيرة عام 1977، ليقرر أهل الجزيرة قص حكاية المسلسل على السادات، والتي تدور أحداث حياة “العجمي” فيها عام 1914.
يرى البعض أن “العجمي” وقع في خطأ أودى بحياة السادات، ألا وهو محاربة التيارات المختلفة بعضها دون تدخله المباشر. فقبل “العجمي” فكرة وجود “الغجر/طرح البحر” في الجزيرة حتى يقاتلون “محارب” ورجاله حال فكر في السيطرة على الجزيرة.
كما يرى آخرون، أن مشهد تقسيم الجزيرة يرمز لتقسيم فلسطين، نتيجة لما حدث بين “العجمي” و”البطلان”.