مسلسل بطلوع الروح
إسراء إبراهيم
أثار مسلسل بطلوع الروح الجدل حوله منذ عرضه في منتصف شهر رمضان الجاري. كما فتح حوارا ونقاشا حول المعلومات والوقائع والأحداث التي تم ذكرها داخل أحداث العمل.
لمعرفة كواليس الإعداد للمسلسل ومصادر المعلومات المذكورة في الأحداث، تواصل إعلام دوت كوم مع الصحفي علاء عزمي، المسؤول عن المراجعة والمادة البحثية في المسلسل، لمعرفة مزيد من التفاصيل حول “بطلوع الروح”، وفيما يلي أبرز التصريحات:
1- أعمل صحفيا بـ”أخبار اليوم” منذ ما يقرب من 18 عاما ومترجما وباحثا. ودرست أدب ألماني في كلية التربية. كما أنني متخصص في الجماعات الإرهابية والإسلام السياسي والعلاقات الدولية.
2- “بطلوع الروح” أول تجربة درامية أشارك في مراجعتها. وقد قدمت في مجال عملي عدد كبير من الأبحاث والدراسات والكتب تتعلق بمجال الإسلام السياسي، خاصة الجماعات الإرهابية والجهادية.
3- المسلسل عُرض عليّ من خلال الكاتب محمد هشام عبية، وذلك في شهر نوفمبر الماضي. وكان “عبية” قد انتهى وقتها من كتابة 5 حلقات من أصل 15 حلقة. بعدها تواصل معي المنتج الفني شريف عطية ووضح لي أنهم يريدون نقل عالم داعش والرقة للشاشة كما لو أننا كنا في عام 2017، العام الذي شهد العديد من الحروب والصراعات وانتهت بهزيمة داعش وانتهاء دولتها في الرقة.
4- مهمتي في العمل كانت المسؤولية عن المراجعة والمادة البحثية. وتطبيق ذلك بشكل عملي أنني كنت مسؤولا عن مراجعة الحوار والإسكريبت من حيث المعلومات عن داعش من الناحية العلمية والتاريخية، وكذلك المعلومات الشرعية الموجودة ضمن الأحداث.
5- اجتمعت مع كل فريق العمل في جلسات مكثفة، وكانت هناك جلسات أخرى مع المخرجة كاملة أبو ذكري لتلقي جميع أسئلتها وفهم فكرتها للعمل، سواء في لبنان أو مصر.
6- تواصلت مع كل مسؤول عن تخصص داخل العمل لمراجعة الجزء الخاص به. وقمت بإمدادهم بالأناشيد والطرق التي يفضلها الدواعش في قراءة القرآن. كذلك تواصلت مع الفنانين للعمل على شخصياتهم في المسلسل من حيث طريقة الحديث والملابس وكل الأمور.
7- كنت متخصصا في تدقيق المحتوى من حيث المعلومات التاريخية والعلمية، وكذلك المحتوى البصري من ديكور وملابس وغيرها، وكذلك الطرق الآدائية للممثلين من حيث كونهم أعضاء في التنظيم الداعشي. وعملت على البحث الخاص بالعمل منفردا لمدة 6 أشهر بداية من نوفمبر 2021.
8- كانت بيني وبين مؤلف العمل الكاتب محمد هشام عبية، جلسات عمل يومية، إذ كان هناك حرص شديد في الكتابة، على الأحداث التاريخية التي يتم ذكرها في العمل. وكنت أقدم المعلومات له قبل الكتابة ثم مراجعة النص بعد كتابته. و”عبية” شخص ذكي للغاية وشديد الفهم وكان واعيا لما يكتب عنه ويتناوله، ويبهرني بكم التفاصيل التي يكتبها رغم كونه غير متخصصا في شأن الجماعات الجهادية. وشعرت بالسعادة بالتعاون معه وكنا أقرب لفريق عمل.
9- كانت الأجواء بين فريق العمل شديدة التعاون، وكانوا يتعاملون معي على أنني المرجع الأساسي للعمل. وفي حال وجود أي ملاحظة كان يتم تنفيذها لأنهم حريصون على أن يخرج العمل بشكل متقن، حتى ننقل الواقع بأقصى درجة ممكنة.
10- كنا حريصين بشدة على عدم وجود خطأ، حتى يكون الموضوع أقرب للواقع إن لم يكن انعكاسا تاما له. واعتمدت في مادتي البحثية على الإصدارات السمعية والمرئية والمقروءة لتنظيم الدولة “داعش”، سواء فيما يتعلق بالرقة أو عن التنظيم بشكل عام. والتنظيم كان لديه عشرات الإصدارات في هذا الشأن منها وكالة “أعماق” للأنباء وصحيفة “النبأ” الأسبوعية ومجلة “دابق” باللغة العربية والإنجليزية ومجلة “رومية”، وكذلك عدد هائل من الفيديوهات المرئية لقادة داعش سواء كانوا عراقيين أو سوريين. وكذلك فيديوهات لبعض عناصر داعش الذين نفذوا عمليات في مصر وعدة دول عربية وغربية. أي اعتمدنا على كل ما كتبه التنظيم عن نفسه.
11- جزء آخر من البحث كان متعلقا بشهادات بعض الدواعش من الرجال أو السيدات، سواء كانت مسجلة بالصوت والصورة أو مكتوبة. كذلك اعتمدنا على شهادات بعض الضحايا ومن تم اعتبارهم سبايا من قبل التنظيم، والذين خرجوا من تحت وطأة تنظيم داعش، سواء كانت تلك الشهادات في كتب أو محاضر رسمية في عدد من الدول. بالإضافة إلى ما يقرب من 200 أو 300 تحقيق استقصائي وتغطية إعلامية وصحفية سواء عالمية أو عربية. عوضا عن عدد هائل من الأبحاث والكتب العلمية. كما ساعدنا بعض أهل الرقة لفهم الوضع أيام الدواعش ونقل إحساس الفزع والخوف من الجرائم التي كانت ترتكب في الفترة التي ظهرت خلال المسلسل. إضافة إلى ذلك خبرتي التي تقترب من 15 عاما في عملي الصحفي والتخصص في التنظيمات الجهادية، والتقائي بعض الأشخاص الذين لهم علاقة بالتنظيمات الإرهابية سواء في مصر أو خارجها.
12- من أهم الكتب التي اعتمدت عليها في مراجعتي للعمل، كتاب “كنت في الرقة.. هارب من الدولة الإسلامية”، هادي يحمد، 2017، كتاب “النساء والإرهاب.. دراسة جندارية”، د. آمال قرامي ومنية العرفاوي، 2018، كتاب “نساء داعش.. سبايا ومحظيات”، أسماء مصطفى كمال، 2017، كتاب My Journey into the Heart of Terror: Ten Days in the Islamic State، Jürgen Todenhöfer، 2015، كتاب Inside the Islamic State، Andrew Hosken، 2015.
13- شخصية “أم جهاد” شخصية حقيقية لكنها لم تكن مصرية بل مغربية وتدعى “أم آدم المجاطي”، وكانت تقود لواء الخنساء في فترة من الفترات.
14- تنظيم داعش كان يهتم بالميديا بشكل كبير وأخل بكل الضوابط الشرعية -إن جاز التعبير- والنمط السائد في كل التنظيمات الإرهابية فيما يتعلق بالتعامل مع السيدات أو استخدامهن. إذ كانت التنظيمات السابقة لا تعتمد على وجود السيدات باعتبارهن داخل جيش التنظيم، وأقصى درجة وصلت لها السيدات كان استخدامهن في نقل الرسائل. وكانت هناك نماذج قليلة جدا قبل ظهور داعش لسيدات شاركن في عمليات إرهابية. وتنظيم داعش فعل العكس لأن هدفه احتلال الأرض، وجزء من إرهابه هو تحويل المجتمع ككل لجزء من أدوات الحرب، فكان لديه ميل شديد لاستخدام السيدات.
15- من اللحظة الأولى لإعلان داعش كيانه كدولة، كان حريصا على إنشاء شرطة نسائية للتعامل مع نساء الدولة. وأنشأوا شرطة نسائية أقرب للحسبة مهمتها الأساسية فرض النظام من الزي الشرعي وضبط المظهر وما شابه، ثم تحول مع مرور الوقت إلى لواء الخنساء خاصة في الرقة والموصل وأصبح جيشا كبيرا. وأصبحت السيدات اللاتي يتم انتقائهن للتنظيم بعناية شديدة. وتلك كانت ظاهرة جديدة تستحق الرصد.
16- لواء الخنساء دمج ما بين شراسة التنظيم وفكرة إبهار المتلقي من الشرائح المستهدفة، حيث كان يخبر السيدات المستهدفات أن لهن دورا في الجهاد بالدولة الإسلامية. وكان التنظيم واضعا “كود” للواء الخنساء ومن يعمل به وما سيفعلونه. وبالتالي كل الإصدارات الخاصة بالتنظيم أظهرت ما يتعلق بلواء الخنساء من صور وفيديوهات واضحة وهو ما أخذنا منه الشكل الذي ظهر به لواء الخنساء في المسلسل. بالإضافة إلى الاعتماد على الفيديوهات والتغطيات التي تم بثها من المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش. فضلا عن عدد كبير من الداعشيات خاصة الأوروبيات اللاتي صورن شكل نمط حياتهن في لواء الخنساء. واستندنا كذلك على مخيمي “الهول” و”البروج” التابعين لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وتم جمع فيهما ما لا يقل عن 70 ألف امرأة وطفل من زوجات وأبناء داعش. ومنهم عدد كبير من الدواعش الخطيرات، وحتى تلك اللحظة لا زلن يبايعن الدولة الإسلامية. وكل ذلك كون لنا صورة مقربة عن لواء الخنساء.
17- كل من ينتقد زي السيدات في “لواء الخنساء” ويقول بإنه ليس الزي الذي ارتدته النساء بداخله، عليه العودة إلى الفيديوهات الخاصة بالداعشيات، فنحن استخدمنا صورا من أرض الواقع.
18- مشهد الجلد الذي قامت به الفنانة إلهام شاهين في المسلسل واقعي. ويوجد شهادة مسجلة لداعشية مغربية سابقة تم توقيع عقوبة عليها بسبب ظهور جزء من وجهها من خلف النقاب. لواء الخنساء كان مخولا به إصدار عقوبات إدارية لا شرعية وتنفيذها مثل الجلد والضرب بالعصا وإيلام الجسد بأدوات حادة، وأحيانا فرض بعض الغرامات المالية. لواء الخنساء كان ينفذ عقوبات ولا يقيم حدود، ما يعني أن المشهد في المسلسل لم يكن إقامة للحد على الإطلاق، وقالت الفنانة إلهام شاهين في المشهد “نحن هنا لإقامة عدل الله” ولم تقل “حد الله” لأن ذلك غير جائز داخل التنظيم ويعتبره الدواعش غير جائز شرعا.
19- يوجد بعض الهجوم غير المبرر على المسلسل، وكذلك الفنانة إلهام شاهين لأنها مشتبكة مع جزء من تلك التيارات. ومن هاجم مشهد الجلد لم يدقق المشهد، لأنه لم يقال فيه على الإطلاق إنه إقامة لحد بل كان عقوبة إدارية.
20- هناك مئات الفيديوهات للدواعش والذين قاموا ببثها وهم يقيمون الحدود على الرجال والسيدات، وكانوا يتجمعون كل جمعة بدوار “النعيم” بحضور القاضي الذي أصدر العقوبة، وعدد من جنود الحسبة والشرطة الإسلامية، مع وجود مسعف. كذلك يدعون مئات الأفراد من الرجال والنساء ليشهدوا تطبيق الحد، ويتلو القاضي حكمه قبل تنفيذ الحد.
21- المأساة أن البعض يعتقد أن المنتمين لداعش هم أفراد يتبعون تعاليم الدين ويريدون أن يطبقوا الشريعة. وهناك بالفعل بعض المنتمين للتنظيم -رغم الاختلاف مع فكرهم- متدينون ويلتزمون بالشعائر ويبحثون عن طاعة الله ونصرة الدين كما أغراهم قادتهم وأقنعوهم بذلك، لكن هناك الآلاف ينتمون للجماعة لأهداف أخرى سواء لوجود مشاكل نفسية أو بحثا عن شهرة وتحقيق نفوذ أو من المرتزقة الذين لا يعلمون شيئا عن الدين، لذا من الطبيعي أن تجد فيهم من يسرق أو من يخون أو من يشرب الخمر، وقد شاهدنا عشرات الفيديوهات لتطبيق الحدود على المخالفين. وقد وجدت بعض زجاجات الخمر في أماكن الدواعش بعد هزيمتهم، وبالتالي فمشاهد مثل شرب الفنان محمد حاتم للخمر منطقية ولا تختلف عن الواقع.
22- داعش هو تنظيم مجتمع على فكرة شاذة من الأساس قائمة على القتل وسفك الدماء أو النهب والتخريب والدمار، وبالتالي من الصعب أن يٌخضع البعض تصرفاتهم للمنطق والعقل.
23- المقاتلات في كتيبة لواء الخنساء كانوا يحصلن على ما يزيد عن 150 دولارا شهريا وهذا كان كافيا للكثيرات منهن. لكن هناك كثير من المنضمات للكتيبة كان ذلك رغما عنهن، ففرصة الاختيار داخل تنظيم داعش تكاد تكون منعدمة.
24- صناع العمل كانوا مهتمين بأدق التفاصيل، وكان هناك مناخ احترافي داخل العمل، بداية من المخرجة كاملة أبو ذكري، وصولا إلى أصغر مشارك في العمل.
25- على الرغم من كل الانتقادات التي يدعيها البعض بأننا نشوه صورة الإسلام، فأننا قمنا بفضح تنظيم كان يشوه صورة الإسلام بحق. وأعتقد أن المسلسل نواة لتقديم مشروع فكري لمواجهة هذا التيار الإرهابي المخيف الذي تغلغل لسنوات داخل عقول الكثيرين.