رباب طلعت
في مدينة الرقة السورية، دارت أحداث مسلسل “بطلوع الروح” الذي بدأ عرضه في النصف الثاني من رمضان، وتم عرض 11 حلقة منه على منصة “شاهد”، حيث إنها كانت معقل تنظيم داعش منذ عام 2014 إلى عام 2017، وهما العامان الذي تدور فيهما أحداث العمل أيضًا فما قبل التتر يتم عرض لقطات من عام 2014 كخلفية عن حياة نجوم العمل في بدايات تكوين ما تم تسميته بدولة الخلافة في الرقة التي وقعت أسيرة لتنظيم داعش الإرهابي، وما بعد التتر أحداث العمل التي تدور فيما بعد وصولهم إليها عام 2017، العام الذي شكل نهاية دولة الخلافة فيها.
بدأت الحرب على دولة الخلافة والاشتباك مع القوات السورية الديمقراطية مدعومة بقوات التحالف الدولي في يوليو 2017، أي بعد 4 أشهر من انتقال روح (منة شلبي) إلى الرقة بما يشبه الاختطاف من قِبل زوجها أكرم (محمد حاتم) بالاتفاق مع عمر (أحمد السعدني) الذي وصل إلى رتبة أمير في دولة الخلافة، وقرر إحضارهم إلى الرقة ليتخلص من أكرم ويتزوج روح، في ظل مؤشرات سقوط داعش، وقد ظهرت المدينة كأنها قتيل مُثل بجثمانه، فلم يبقَ منه شيئ سليم، ولكن ما مصير الرقة اليوم في 2022، بعد خروج داعش منذ أكتوبر 2017؟
تنفست الرقة الصعداء بعدما كانت مدينة منكوبة، تحل فيها أشباح الموت، خلال الأربعة أعوام التي وقعت فيها الرقة أسيرة لداعش، حيث كانت المدينة طاردة لسكانها في الريف والحضر، فكان الكثيرون قرروا وقتئذ الهروب منها أو من الموت المحتم فيها على يد المقاتلين، وبعد 4 سنوات من التحرير عادت المدينة للحياة بسكانها، حيث أصدرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بيانًا يؤكد بأن الرقة تحولت إلى مدينة نابضة بالحياة وأكثر المدن السورية الحاضنة للوافدين من أبناء الدولة العائدين إلى مدينتهم.
وقد نجحت الإدارة المدنية للرقة في إعادة المدينة للحياة أيضًا بتطوير منشآتها، بتأهيل الجسور الحيوية التي تربط الريف بالمدينة وترميم شبكات مياه الشرب والصرف الصحي وتأهيل الطرقات وإزالة السواتر الترابية وتعبيد شوارع المدينة وتشجير الحدائق العامة، وأعادت الفرق المختصة توصيل الكهرباء في الريف كاملًا وفي المدينة بنسبة 75% بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالشبكات والمحولات، بيد قوات داعش.
فيما بدأت الصناعة والزراعة تنتعش فيها، وتم افتتاح ما يزيد عن 100 معمل لصناعة البلاستيك ومواد البناء والمواد الأخرى التي تشتهر بها البلدة.
بعد انتظام الحياة في الرقة باتت الفتيات ترتدي ما تختاره بعيدًا عن اللون الأسود الذي خيم عليهن بالإكراه من قبل ما كانوا يطلقون على أنفسهم بـ”المجاهدين”، حيث بدأت المرأة تستعيد مكانتها في المجتمع وتشارك في الفعاليات المختلفة وتتلقى تعليمها وتشارك في فعاليات فنية ورياضية مختلفة، ويقام عروضًا فنيًا تبرز معاناتها في سنوات الاحتلال الداعشي، الذي حصر دورها في حدود الزواج وملك اليمين أو اختصارًا كما أسموه وقتها (جهاد النكاح).
ومن أبرز ما تأثر في مدينة الرقة باستيلاء داعش عليها هو التعليم، حيث دمرت الجماعة الكثير من المدارس التي لم يتبقَ منها سوى أنقاض وأسمائها، خاصة التي تقدم الخدمات التعليمية للفتيات، حيث حارب التنظيم الإرهابي تعليم الفتيات ما جعل الكثيرات منهن متأخرات عن مسارهن التعليمي وأميات، وذلك كان التحدي الأكبر للمدينة، التي عاد فيها تعليم الفتيات منذ نوفمبر 2018، أي بعد عام من مغادرة داعش.
وعلى الرغم من مرور حوالي 5 سنوات على استعادة الرقة، إلا أن التعليم فيها يعاني من فقر الموارد، ولكن أصبحت العملية التعليمية مستقرة إلى حد كبير ومرضي، حيث تم ترميم أكثر من 400 مدرسة بحلول عام 2021 لتستقبل 116 ألف طالب وطالبة، للعام الدراسي 2021\ 2022، كما تصدرت الفتيات المشهد في المدارس مطالبات بحقهن الذي أهدر لسنوات.
بعد التدمير الشامل للمستشفيات في الرقة سواء بسبب قصف القوات السورية لداعش، أو بيد الإرهابين أنفسهم الذين نهبوا مخزونها من الدواء والعلاجات والاحتياجات الصحية لعلاج أنفسهم، بدأت الحياة الصحية تنتظم في الرقة، يعد ترميم وافتتاح مشفى الرقة الوطني بعد التحرير، والذي يستقبل المرضى على مدار الساعة، إلى جانب مشفى الأمراض النسائية والتوليد التي تقدم العلاج مجانًا لأهالي المدينة، بجانب عدد من المراكز الصحية الأخرى التي تم توزيعها في الريف والحضر وعددهم 27 مركزًا.
وفي أزمة كورونا أيضًا وجد أبناء المدينة اللقاحات والعلاج اللازم مثلهم مثل باقي الدول، حيث تم تخصيص مركز الحجر الصحي المخصص للمصابين بفيروس كورونا، وبدأت المراكز الصحية إعطاء لقاح كورونا لأبناء المدينة.
الأمر الذي لا تزال الرقة متأثرة به إلى الآن هو النقص في عدد الأدوية، والتي تحاول الدولة حله، وكذلك نقص الكوادر الطبية.
عاد ميدان النعيم أيضًا للحياة، وبدأ تشجيره وإنارته، لمحو خطاياه، حيث كان معروفًا وقت سلطة داعش على المدينة بـ”ساحة الرعب” واكتسب شهرة كبيرة جدًا وقتئذ، حيث كانت كل إعدامات وعقوبات داعش تحدث من خلاله.