هالة منير بدير تكتب: كلنا في عِداد الموتى

لا أدري حقاً أهي علامة من علامات الساعة، أم أنه دلالة لغضب الله علينا ! فكل ما يحاصرنا اليوم من مآسي وأهوال؛ أبطالها الأطفال، يولدون ليعيشوا الحياة بكل معاناتها ثم يرحلون، تاركين لنا مشهد الوداع لنتجرعه بكل مرارته ما حيينا !

1. ” إنتِ مش عارفة إن بنتك في عِداد الموتى ؟! ” كان هذا رد طبيب على أم تشتكي له هول ما رأت من ديدان في فم طفلتها التي ترقد بين الحياة والموت !

” جنة الله ” بطلة جمباز كان من الممكن أن تموت فور اصطدام الميكروباص بها بعد خروجها من النادي، كغيرها من مئات يذهبون ضحايا لتهور السائقين وتدهور حال الطرق، تسيل دماؤهم على الإسفلت ويُنقلون للمستشفى جثثاً هامدة، ولكن من تدابير الخالق أن يمد الله في عمرها بِضعة أيام لتلعب دوراً هاماً في كشف مدى الإهمال الطبي في ذلك المستشفى الشهير ! فهم يطلقون عليه ” مستشفى شهير بالدقي ” ، لا أدري لماذا يجعلون اسمه سراً حربياً وكأنه خطر على الأمن القومي فضح ذلك المستشفى ؟!!

جنة الله أُصيبت بنزيف في المخ وكسر في الحوض ولم تنتقل إلى بارئها في صمت، وإنما وقعت المسكينة تحت أيدٍ من المفترض بها تطبيب المرضى والتخفيف من آلامهم، من المنوط بها متابعة علاج جنة واستقرار وضعها الصحي لإنقاذها من إصابتها الخطيرة، ولكن هذا لم يحدث، فقد تركوها للذباب يبيض في فمها ليتطور البيض ليرقات ديدان تتوغل وتنتشر في فم من ليس لها حول ولا قوة !! فتظل جنة الله حلقة في سلسلة لا نهائية من إهمال طبي يظل الأطفال أحد أبرز ضحاياه !

2. ماذا جنينا نحن يا أماه
حتى نموت مرتين ؟!
فمرة نموت في الحياة
و مرة نموت عند الموت! محمود درويش

قد يقول تلك الأبيات الطفل السوري الغريق إيلان كردي لأمه حين يلقاها عند ربهما، يشكو لها ما فعلته به الدنيا والبشر وهو لم يدرك بعد معنى الموت والحياة، ونحن ما في أيدينا سوى أن ننعي الصغير ونتشارك صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، عاجزين أمام سياسات ظالمة ودول عربية مؤكد أن الله يمهلها ولا يهملها !

السوريون يهربون من موت سوريا للموت ببلدٍ آخر، قد لا يفضلون الموت مكتوفي الأيدي في انتظار براميل بشار المتفجرة أو أن يُقيم عليهم الحدود أحد مخابيل تنظيم الخلافة الإسلامية “داعش”، ربما يفضلون الهجرة عبر البحر ليموتوا غرقاً فتبقى جثثهم قطعة واحدة، أو أنهم يفضلون التهريب عبر الحدود في شاحنة حتى إذا ما اختنقوا لا تتناثر أشلاؤهم، كما سيحدث للسوريين الباقين في سوريا !!

تقول منظمة الهجرة الدولية أن 2643 لقوا مصرعهم في البحر المتوسط منذ بداية 2015 من أصل أكثر من 350 ألف مهاجر، مؤكد أن أغلبهم سوريين، ولكن لا ننسى أنه في قرانا الفقيرة من يبيع كل ما يملكه ويدفع روحه مقابل فرصة تهريب أو سفر بطريقة غير شرعية ..

3. البطل في هذه الفقرة من المقال ليست طفلة صغيرة يخطفها الإهمال الطبي من حضن والديها في مشهد قاسٍ من احتواء فمها على ديدان، وليس طفل رضيع تتقاذف جثته الأمواج ويتوسد البحر نائماً على شطه، وإنما شاب وشابة اجتهدا وثابرا وحلما وتمنيا ورسما لنفسيهما مستقبلاً باهراً نتيجة جدهما في تحصيلهما العلمي، لينضما لأعلى الكليات بأعلى المجاميع، ولكن لأن عصابة من اللصوص ومافيا من الفاسدين لسرقة أجوبة الامتحانات؛ امتهنوا اغتصاب أحلام الشباب، يقتاتون على حطامهم النفسي، ويسلبون منهم كل تلك الآمال وكل ذلك الطموح بثمن بخس، بضع آلاف من الجنيهات السُّحت الحرام، لينسبوا ذلك النجاح والتفوق لأبناء من يمتلكون المال لرشوتهم، فينجح ويتفوق رسمياً طالب مهمل راسب يحيا على جد وتعب غيره، ويرسب ويموت موتاً بطيئاً هؤلاء من وجدوا أنفسهم يحملون صفر الثانوية العامة في حين كانوا ينتظرون أسماءهم في قائمة أوائل الجمهورية !!

والوزارة تدرس فرض عقوبات على الطالب الذى يدعى كذبًا أن ورقة الإجابة ليست ورقته لمنع تكرار مثل هذا المواقف التي تؤدي إلى إثارة البلبلة !!

هذا ما يصنعونه! فرض عقوبات على المظلوم والمضطهد والمغتصب حقه، أما الظالم الفاسد الباغي الجائر يتركونه يسعى في الأرض فساداً لتتكرر مريم ملاك ومروة محمد عيسى وأحمد عبد الناصر كل عام ولا مشكلة في تحطيم مستقبل شاب أو شابة أخرى، فغيرهم قد قُتلوا بدم بارد وسجنوا دون توجيه اتهامات أو باتهامات ملفقة !!

نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموتوا مختنقين في حضانات جراء الازدحام وسوء التهوية مثلهم مثل مساجين في السجون المصرية، أو محترقين في حضانات لسوء التوصيلات الطبية، أو قتلى تحت أيد أطباء جزارين أثناء أداء عمليات جراحية، أو يعيشون أطفال ينتظرون الموت كأطفال مرض جوشقر المعتصمين أمام رئاسة الوزراء للاعتراف بمرضهم وترخيص علاجه، دون مجيب أو مغيث !!

نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموتوا غرقى بعد أن تتقاذفهم الأمواج لأن حكام العرب أغلقوا الحدود في وجوههم، وبلدنا مصر مسؤولة عن ذلك المشهد الإنساني المرير لطفل لفظه البحر ليكون لمن خلفه آية تشهد على جبروت وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مصر التي اعتقلت آلاف السوريين لانتهاء إقامتهم وأغلقت الحدود في وجه مزيد من اللاجئين بحجة الإضرار بالأمن القومي، مصر التي جنَّدت آلتها الإعلامية أقبح الوجوه للتحفيز والشحن ضد السوريين بتهمة مساعدة الإخوان !!

نعم إنهم يولدون ليموتون ! يولدون ليموت رجاؤهم وأملهم باغتصاب مستقبلهم، يولد أبناء الأقاليم ليمنعوا من الالتحاق بكليتي الإقتصاد والعلوم السياسية ؟! يولدون لآباء ليسوا بقضاة أوكبار ضباط فلا يعفون من قواعد التوزيع الجغرافي والتحويلات الجامعية، يولدون من فئات الشعب العادي فلا تنطبق عليهم مسمى “الاعتبارات القومية”، نعم يموتون مع ما يسمى بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي ماتت منذ أمد بعيد !!
يا الله كلنا في عِداد الموتى، فاللهم اجعل الموت راحةً لنا من كل شر ..

اقرأ أيضًا:

هالة منير بدير‬: واحنا هنصدَّق إعلام ألمانيا ؟!!

 هالة منير بدير : الحياة بعيداً عن فيسبوك 

هالة منير بدير: رَجُل عَضْ كلب

هالة منير بدير: سور فيسبوك وتويتر العظيم

هالة منير بدير : إسلامُهُم البرتقالي

هاله منير: كسروا النضارة وعايزني أشوف نص الكوب المليان

هالة منير بدير: بدلة الوقاية من بُمْب العيد !

.

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا