فيصل شمس
لا زلت مقتنع بأن الدراما المصرية لا تمثل القوة الناعمة لمصر فقط بل إنها تعد أحد الموضوعات الاستراتيجية لمكانة مصر، فهي ترتبط بالنفوذ السياسي والاجتماعي في المنطقة، تماما كما تمثل هوليود بالنسبة للولايات المتحدة، فعدد المتابعين لها في رمضان من كل الدول العربية وحجم التأثير الذي تتركه يؤديان إلى نتائج عميقة ومستمرة ذات أثر ملموس، قد يكون أقلها انتشار اللهجة المصرية والتعرف عليها من السواد الأعظم من الجمهور، ومنها اعتبار مصر مصدرا من مصادر الثقافة بالنسبة لأي مواطن عربي ومنها أيضا أن يحوز المواطن المصري مكانة خاصة في كل الدول العربية، وطبعا العديد من الفوائد المعروفة للجميع.
لقد حقق موسم رمضان ٢٠٢٢ نجاحا جيدا، وهنا أتحدث عن النجاح الفعلي الذي يعني متابعة الجمهور سواء بالإعجاب أو الانتقاد ففي كلا الحالتين هناك اهتمام وتركيز من كل الجمهور العربي، وهو ما يجعلنا نتجهز لموسم ٢٠٢٣ من الآن وفورا أملا في ألا نقع في معضلة كل عام والخاصة بتسليم الأعمال في اللحظة الأخيرة بل واستكمال التصوير أثناء رمضان، وقد تبدو هذه المسألة جانبية بالنسبة للعمل الدرامي ولا تمنع نجاحه، لكنني أتصور أن هذا النوع من الضغط يؤثر في جودة المنتج مهما كان السيناريو جيدا والإخراج متميزا والأداء التمثيلي فائقا.
ورغم أن الإبداع يتطلب ترك المساحة الكافية للمبدع لكي يستخدم أدواته ويخرج بأفكاره، لكن هذا لا يمنع أن نعد خطة استراتيجية لدراما رمضان القادم تحقق أهدافا محددة وتفيد القوة الناعمة المصرية وتضمن التأثير المطلوب، وهنا لا أنظر فقط إلى الداخل، بل أنني اتطلع للتأثير على المستوى العربي.
وهنا أطرح بعضا من النقاط التي بالتأكيد تدور في عقل صناع الدراما المصرية دائما.
العام القادم يتطلب مسلسلا عن التاريخ المصري القديم يتم الإعداد له بوقت كافي ويبرز شخصية مميزة في العلم أو الفن أو حدث رئيسي ويظهر التفاصيل الدقيقة لهذه الحياة، وقد رأينا كيف تأثرت الجماهير بالاحتفالات الأخيرة التي أقامتها وزارة الثقافة مثل موكب المومياوات الملكية وهو ما أثار عندهم الشغف بحضارتهم والتطلع للتعمق في معرفتها أكثر، لذا فإن هذه المنطقة مطلوبة بصرف النظر عن ما تعرضت له تجربة مسلسل (أحمس).
العام القادم يحتاج زيادة جرعة الكوميديا، لقد اتجهت الناس لمسلسل (الكبير قوي ج٦) لأنها تريد فعلا أن تنال وقتا للضحك وسط الأيام الصعبة، لكن ذلك يحتاج تقييم حقيقي للكُتَّاب أو ورش الكتابة لكي نبتعد عن (الإفيهات) السخيفة أو الإيقاع الممل.
نريد في العام القادم أن نشاهد مواهب جديدة، يبدو أنه قد آن الوقت لعملية طبيعية من التسليم والتسلم بين أجيال الدراما، فالناس متعطشة لمشاهدة نجوم جدد ولعل (مربوحة) أقرب مثال لذلك، حيث لاقت تشجيعا لافتا من الجمهور، بل ومن صناع الدراما أنفسهم، لكن المواهب الجديدة ليست فقط في التمثيل، نريد بحثا واسعا عن كُتَّاب جدد بصفة خاصة، فالورق يظل دائما المعضلة الأولية للأعمال الفنية، وكذلك نريد مخرجين جدد ينعشوا الحركة الإبداعية.
هناك قاعدة سرية بين بعض العاملين في مجال الدراما تفترض أن أي مسلسل يكون قويا في الخمس حلقات الأولى والخمس حلقات الأخيرة وما بينهما من الطبيعي أن يتسم ببعض الضعف، علينا تصحيح هذا المفهوم الخاطئ والذي يتسبب بالفعل في ظاهرة الملل والتطويل والحوارات الركيكة التي تصاحب بعض الأعمال، علينا إقناع الكُتَّاب والمخرجين والممثلين أن العمل يمكن أن يكون جذابا ومشدودا ومشوقا طوال ثلاثين حلقة.
لا تقنعني أبدا أن التحضير المسبق بوقت مناسب غير مفيد، ولا تقنعني أبدا أن العمل الفني لا يحتاج مراجعة دقيقة وعدة أعين للقراءة والدخول في التفاصيل ومناقشتها لكي نضمن جزءا من النجاح، وهذه هي الطريقة المناسبة لتقليل الملاحظات وتطوير الأعمال الفنية ذاتها وتحسين جودتها، بل إنني أرى أن وصول المنتج المصري الدرامي للعالمية (وهو حلم أو هدف يجب أن نسعى له) يحتاج هذه الخطط الدقيقة والقدر الكبير من التركيز ورفض الأفكار أكثر من قبولها.
في النهاية رمضان ٢٠٢٣ ليس بعيدا كما قد نتصور وخاصة في عالم الدراما.