سيد محمود
في 17 مايو الجاري يحتفل الزعيم عادل إمام بعيد ميلاده الـ82، مسيرة فنية تجاوزت الـ 60 عاما، إذ بدأها من مسرح كلية الزراعة جامعة القاهرة، ولم تتوقف تلك المسيرة حتى تجاوز ما قدمه في كل المجالات الثلاثمائة عمل فني.
تعد السينما هي حلمه الأكثر أهمية، برغم أنه كان عاشقا للمسرح، وظل لسنوات هو وأصدقاءه صلاح السعدني وسعيد صالح يقدمون عروضا مسرحية على مسارح الإسكندرية، حتى جاءت فترة مسرح التليفزيون التي أحدثت نقلة مهمة فى مسيرته.
كان النجم الكبير صلاح السعدني يقول لي دائما إنه يرى في عادل إمام “ناظر مدرسة التمثيل في مصر والعالم العربي”، ويبررها بأنه الوحيد من بين أبناء جيله الذي أعطى في المسرح والسينما والتليفزيون بنفس الأهمية وبنفس الإبهار.
وقال أيضا إن سنوات عملهم في مسارح الإسكندرية كانت بمثابة معمل تصنيع النجومية، وكلما تعرف عادل إمام على ممثل موهوب سارع بضمه وكان من بين الممثلين المجند في القوات المسلحة آنذاك محمود الجندي، كان يخترع له أدوارا في المسرحيات حتى يتقاضى راتبا في فترات الإجازات.
وحكى النجم الراحل محمود ياسين حكاية تؤكد كم أن عادل إمام كان لا يأبه بشىء، مغامرا لديه جرأة غير موجودة عند كثير من الممثلين، وأنه ترك مسرح التليفزيون بسبب عدم دفع أجره هو ومحمود ياسين كاملا.
عادل إمام قد يصنع من “الفسيخ شربات”، هذا التعبير ينطبق على عدد كبير من مشاهده في المسرح، وقد يحول فصلا كاملا مدته نصف ساعة إلى عرض يتجاوز الساعتين، حدث هذا باعتراف المخرج هاني مطاوع، حيث كشف مؤخرا الفنان الكبير نبيل الحلفاوي عن هاني مطاوع قال له بأن عادل إمام هو من صنع الفصل الثاني من مسرحية شاهد ما شافش حاجة، دون أن يكتب له نص، كل ما قاله كان ارتجالا منه، ومن ثم يعزى له نجاح العرض.
أما السينما فقد ظلت لسنوات هي الحلم والشغف، ولم يتمرد على أدواره، بل شارك في أعمال بمشاهد معدودة، لكن كل من عمل معهم كانوا يعترفون بموهبته ويدركون بأنه سيكون نجم مصر الأول بدون منافس، ومنهم رشدي أباظة وعمر الشريف.
شارك في عشرات الأعمال وهو يعلم أنه سيصبح يوما نجم السينما الأول، حتى أشار المخرج فطين عبد الوهاب على عبد المنعم مدبولي بأن يكتب مسرحية “أنا وهو وهي” في فيلم سينمائي بعد عام واحد من عرضها، وبالفعل بدأ عادل إمام يشق طريقه من هذا الفيلم الذى قدم فيه أيضا شخصيته السابقة “دسوقي أفندي” ومع فؤاد المهندس وشويكار.
أثار أداءه السينمائي دهشة المخرجين، فطريقته في الكوميديا تختلف عن باقي النجوم حيث خفة الظل.
عرف المخرج فطين عبد الوهاب كيف يقدمه على طريقته الخاصة فرشحه لفيلمه الثاني “المدير الفني” وذلك في عام 1965 مع فريد شوقي وليلى طاهر وعبد المنعم إبراهيم.
وفي نفس العام التقى عادل إمام لأول مرة مع رشدى أباظة في دور صغير ضمن أحداث فيلم “العقلاء الثلاثة” وهو عامل البوفيه ، وأخرج الفيلم محمود فريد، وشاركت في بطولته سميرة أحمد، وأحمد رمزي.
ولأن فطين عبد الوهاب كان مؤمنا بموهبته قدمه في أحد أهم الأعمال الكوميدية له وهو فيلم “مراتي مدير عام” مع النجمين صلاح ذو الفقار، وشادية، ومن هذا الفيلم الذي حقق نجاحا كبيرا عرف جمهور السينما نجما سينمائيا صاعدا بقوة هو عادل إمام.
إذ رشح في عام 1963 بثلاثة أفلام دفعة واحدة إلى جانب عمله بالمسرح، فقدم في هذا العام أفلام “سيد درويش” وهو اللقاء الأول له مع كرم مطاوع والذي تكرر فيما بعد في فيلم ” المنسي”.
وفيلم “أجازة بالعافية” و”3 لصوص”.
في عام 1967 تصدر اسم عادل إمام الأفيشات، فقدم في هذا العام ستة أفلام هي “كرامة زوجتي، وذات البيجامة الحمراء – عن نفس المسرحية التي تحمل الاسم وقدمها في بداية مشواره، ثم حصة قبل النوم، وحالة حب، الراجل ده هيجنني، والخروج من الجنة” .
وفي عام 1968 كان أكثر ممثل يقدم أعمالا، حتى أنه مثل في هذا العام عشرة أعمال، وهو رقم لم يتثنى لأحد من قبله، وهي “لصوص لكن ظرفاء، وكيف تسرق مليونير، وعفريت مراتي، حلوة وشقية، حكاية 3 بنات، أنا الدكتور، أفراح، سبعة أيام في الجنة، الوهم”.
ارتفعت أسهم النجم النحيف الذي مثل في ثلاثة أعوام فقط أكثر من 20 فيلما، وتهافت على مشاركته في أعمالهم المنتجون، والمخرجون أيضا.
ففي عام 1969، واصل رحلة الانتشار بأكثر من عشرة أفلام فغى العام الواحد مثل طنص ساعة زواج والناس اللي جوه ورضا بوند، واستمر في الأعمال السينمائية التي تصنف كأفلام للانتشار السينمائي حتى كانت نقطة التحول المهمة جدا في مشواره بعد أن قدم مسرحية “مدرسة المشاغبين” وذلك في عام 1973، تغيرت الصورة وأصبح عادل إمام يختار ماذا يقدم وارتفعت أسهمه، وأجره بالطبع، لكنه لم يكن الاسم الأول على الأفيش لوجود نجوم كبار آنذاك يسيطرون على الساحة، قدم أفلام مثل “ممنوع في ليلة الدخلة” و24 ساعة حب، وشياطين إلى الأبد، البحث عن المتاعب”.
رجب فوق صفيح ساخن.. مرحلة التحول على الأفيش
يمكن اعتبار فيلم “رجب فوق صفيح ساخن” هو أول فيلم يحمل اسم الشخصية التي يقدمها عادل إمام، ومن هنا بدأت أفلام تحمل اسم شخصيته، فتحول من ممثل دور ثان أو مشارك إلى نجم الشباك الأول.
فيلم “رجب فوق صفيح ساخن” أخرجه أحمد فؤاد عام 1978، وجمع فيه عادل إمام وسعيد صالح، وناهد شريف وناهد جبر.
لم تقف نجومية عادل إمام منذ هذا الفيلم وحتى آخر عمل قدمه للسينما، تطور مدروس ينم عن أن وراءه ممثل ذكي، حافظ على نجوميته منذ هذا التاريخ، فقدم في تلك السنوات، كوميديا لها طابع خاص مثل “المحفظة معايا، والبعض يذهب للمأذون مرتين، وقاتل ما قتلش حد، خلي بالك من جيرانك، وإحنا بتوع الأتوبيس، وشعبان تحت الصفر، انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط”. وقد تكون الثمانينات هي أهم مراحل نجوميته، وبالتحديد مع فيلم “المشبوه” عام 1981، الذي جمعه مع سعاد حسني، وسعيد صالح، وأول اكتشاف حقيقي لفاروق الفيشاوي، وأول ظهور للطفل كريم عبد العزيز، وأخرجه سمير سيف.
وفي هذه الفترة تقاسم بعض النجوم العمل معه ومنهم بالطبع سعيد صالح، قدم فيها عادل إمام سلسلة من الأعمال غير فيها من أداءه الكوميدي، فأصبحت الأعمال تحمل رسالة ومعنى، مثل الإنسان يعيش مرة واحدة، مع يسرا وعلي الشريف، وفيلم على باب الوزير، وحب في الزنزانة، والمتسول، والغول، الأفوكاتو، واحدة بواحدة، وأنا اللى قتلت الحنش، والهلفوت.
“الحريف” فيلم لم يرضى عنه.. وحقق نجاحا كبيرا
لم يكن فيلم ” الحريف” الذي صنف كأحد أفلام عادل إمام مرشحا له بل رشح له في البداية أحمد زكي، ولخلافات بينه وبين مخرجه محمد خان ذهب الفيلم لعادل إمام، وظل غير راض عنه حتى أنه لم يكن يذكره ضمن أهم أعماله لكن النقاد والجمهور صنفوه كأحد أهم أعمال عادل إمام بل ضمن المائة فيلم الأفضل فى تاريخ السينما.
قصة الفيلم كتبها بشير الديك، عن فارس “عادل إمام” يعمل بمصنع أحذية ويقيم بغرفةٍ على سطح أحد المنازل بعد أن انفصل عن زوجته بسبب اعتدائه عليها مرارًا بالضرب، ويهوى ممارسة كرة القدم “الشراب” في الشوارع والساحات الشعبية مقابل المراهنات، مما يعرضه للفصل من عمله لإهماله الشديد، يحاول فارس العودة لزوجته لكنها ترفض ذلك. وفي نفس الوقت يعرض عليه صديقٌ قديمٌ يمتلك معرضًا للسيارات العمل معه.
والمدهش أن أحمد زكي كان قد سجل مُقدمة الفيلم بصوته كبطل له، قبل أن يختلف مع المخرج محمد خان ويعتذر عن الدور، لكن خان أبقى على المُقدمة بصوت أحمد زكي رغم قيام عادل إمام ببطولته.. ويظل “الحريف” ملحمة سينمائية تعبر عن كيف كانت تصنع السينما في أوج عظمتها.
استمر تعاون عادل إمام مع المنتجين في تقديم أفلام كوميدية عادية، فلم ينقطع عنها، بل كان يعتبرها شكل من أشكال الحفاظ على الجمهور إن لم يكن المصري بل العربي، لأنها كانت تعلب في أشرطة الفيديو وتعرض في الخليج، في فترات لم تكن فيها دور عرض بالخليج. قدم “رمضان فوق البركان” وخلي بالك من عقلك” وكراكون في الشارع” و”سلام يا صاحبي” و”جزيرة الشيطان” ومسجل خطر” وشمس الزناتي”.
في التسعينات كان عادل إمام على موعد مع سينما وضعته في فوهة البركان والمواجهة الصعبة مع التيارات السلفية، وهدد بالقتل، أكثر من مرة، وكانت البداية الحقيقية فى فيلم ” اللعب مع الكبار” أحد أهم أعمال عادل إمام ،ففيه يلتقي مع وحيد حامد، وشريف عرفة، وموضوع من أكثر ما تناولته السينما من حرب على الفساد.
الفيلم عن حسن بهنسي بهلول الذي يجري اتصالًا بجهاز أمن الدولة، ويتحدث إلى الضابط ليبلغه عن توقيت حريق سيحدث في أحد المصانع في اليوم التالي. وعندما يسأله الضابط عن كيفية معرفته بذلك، يبلغه حسن بأنه شاهد الحادث في الحلم. وبالفعل يقع الحادث، لتبدأ علاقة من نوع خاص بين حسن والضابط.
وقدم شريف عرفة تركيبة جديدة في البطولة إذ شاركه حسين فهمي ومحمود الجندي وعايدة رياض، ومصطفى متولي.
وفي نفس العام يتفق عادل إمام ووحيد حامد على تقديم عمل أكثر سخونة في حربهم على ظاهرة الإرهاب وتجار الدين فيقدمان فيلم “الإرهاب والكباب”، في فترة كانت الأحداث ساخنة وفيها مصر تواجه حربا شرسة ضد الإرهاب وهو في عام 1992، وأصبح عادل إمام بسبب هذه النوعية مستهدفا، قدم الفيلم صورة للبيروقراطية، من خلال شخصية الموظف البسيط (أحمد) الذي يتوجه إلى مجمع التحرير استخراج الأوراق لنقل ابنه إلى مدرسة أخرى، وهناك يصطدم بالعقبات الإدارية، ويجد نفسه متورطًا فجأة في حمل سلاح، وإشهاره في وسط المواطنين، ليتخذ بعض الرهائن وينضم إليه بعض الموجودين وسرعان ما تأتي قوات الشرطة لتحاصر المكان، لتتصاعد الأحداث. شاركه البطولة كمال الشناوي، يسرا، وأشرف عبد الباقي وعلاء ولي الدين وأحمد راتب، أخرجه شريف عرفة.
وعادل إمام كان قد تبنى قضية الحرب على الإرهاب، فأعجب بنص كتبه “لينين الرملي” وهو فيلم ” الإرهابي” أخرجه نادر جلال، وهو في نفس الخط لكنه كان أكثر مباشرة، قدم صورة مفضوحة للإرهاب، لكنها كانت أكثر وضوحا في فيلم ” طيور الظلام” الفيلم الذي أصبح أيقونة يتخذ مثلا في شرح كيفية سيطرة بعض تجار الدين على عقول الشباب.
توقفت مرحلة السينما السياسية عند فيلم “طيور الظلام” وإن كانت تظهر في أعماله بشكل أقل مباشرة وتركيزا، فقدم أعمالا كوميدية، مثل أمير الظلام ولم يكن بنفس قوة أفلامه السابقة، أخرجه رامي إمام، والواد محروس بتاع الوزير، والتجربة الدنمركية، وعريس من جهة أمنية، والسفارة في العمارة، وعمارة يعقوبيان الذي عاد به للتعاون مجددا مع وحيد حامد كاتبا للسيناريو والحوار عن رواية علاء الأسواني، ثم مرجان أحمد مرجان، والتقى النجم عمر الشريف في فيلم “حسن ومرقص” كتجربة سينمائية داعمة للوحدة الوطنية.
وفي سنوات تألقه السينمائي قدم فيلمي “بوبوس” و”زهايمر” وتوقف عن العمل السينمائي لانشغاله بالدراما التليفزيونية.
وبعد انقطاع لفترة طويلة عن الدراما التليفزيونية تصل إلى 32 عام، عاد بثمانية أعمال تليفزيونية عرضت في شهر رمضان في ثمانية أعوام متتالية، بداية من عام 2012 بمسلسل فرقة ناجي عطا الله، ومسلسل العراف عام 2013، ثم مسلسل صاحب السعادة 2014، ثم مسلسل أستاذ ورئيس قسم 2015، فمسلسل مأمون وشركاءه في 2016، فمسلسل عفاريت عدلي علام 2017، ومسلسل عوالم خفية 2018، وأخيرًا مسلسل فالنتينو في رمضان 2019.
يحتفل النجم الكبير بميلاده الـ 82، كأكثر نجم قدم للفن العربي تشكيلة وتنويعا مهما لم يسبقه له أحد من نجوم الفن في مصر، تعلم من الريحاني، وأمين الهنيدى، ومن فؤاد المهندس ومدبولي، استفاد كثيرا من كبار النجوم الذين وقف ممثلا أمامهم، أو من عاش في ظلهم.